إلى كل من بقي في دمشق خلال أعوام الحزن.. نافذة روح، ورب ضارة.. ضارة مشهدية وحالة خاصة من الفرجة
إلى كل من بقي في دمشق خلال أعوام الحزن.. نافذة روح، ورب ضارة.. ضارة مشهدية وحالة خاصة من الفرجة
الثلاثاء 27-03-2018
- نشر 7 سنة
- 5982 قراءة
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب، كتاب بعنوان «نافذة روح، وربّ ضارة.. ضارة»
يكشف من خلاله الدكتور محمد قارصلي وفي 138 صفحة من القطع الصغير عن نصين مسرحيين، وجاء نص «نافذة روح» كمحاولة لإعادة الروح التنويرية التي سعى رواد المسرح السوري في بدايات القرن العشرين إلى إحيائها وكيف تمت مقاومة هذه الروح بقسوة وجهل وعنف.
أما نص «ربّ ضارة.. ضارة» فهو محاولة لعكس تأثير ما جرى في بلادنا بالسنوات الست الأخيرة.. والتأثير النفسي والروحي والعاطفي.
وفي الإهداء يقول قارصلي ببداية الكتاب: «إلى كل من بقي في دمشق خلال أعوام الحزن».
صرختان في وجه القبح
وفي مقدمة الكتاب يذكر مرهف زينو: «هاتان الصرختان في وجه القبح»، مضيفاً إنه ليس من السهل أن تكتب نصاً مسرحياً أو تتناوله بالقراءة أو النقد، وذلك لسبب بديهي وبسيط هو أن النص المسرحي- أي نص مسرحي- إنما كُتب لكي يمثّل على الخشبة، ويجسد ضمن مشهدية معينة وحالة من (الفرجة) يؤديها الممثلون ومن خلفهم المخرج الذي يقدم رؤيته ويساهم في رسم الشخصيات وإعادة خلقها اعتماداً على النص ومقولاته وبنيته، ورؤية المؤلف وأفكاره، هذا ناهيك عن الدور الذي يلعبه الديكور والإضاءة والمؤثرات الصوتية.. وغيرها في تشكيل العرض المسرحي..
وتبدو هذه المسألة أكثر وضوحاً حين يكون كاتب النص مخرجاً، كما هي الحالة مع الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والتلفزيوني د. محمد قارصلي الذي يمتلك رصيداً ضخماً من الأفلام الوثائقية والتسجيلية والروائية، هذا إضافة إلى خبرته الأكاديمية في تدريس المسرح والكتابة في مختلف شؤونه والقضايا التي تخص الحركة المسرحية».
الخشبة الصغيرة
«نافذة روح» وهو عبارة عن نص مسرحي من فصل واحد وكان الإهداء الذي أراده قارصلي إلى روح رائد المسرح أبي خليل القباني، وفيه يلخص قصة مقتل شاب يدعى خالد وهو شاب موهوب وتشرد حبيبته سامية وسفرها مع الفرقة إلى مصر، ومما جاء في النص: «يمضي الاثنان ويختفيان مع انخفاض الإضاءة حتى الإظلام، يسمع صوت موسيقا دمشقية شعبية وأصوات خطوات فتاة، يبدو أنها ترقص على ألحان الموسيقا، تتصاعد الإضاءة، في مقدمة الخشبة، على اليمين يتوضّع مقعد قديم غطي «ببساط» على يسار الخشبة كرسي قش وطاولة صغيرة مستديرة، في عمق الخشبة «مصطبة» عريضة يمكن أن تصلح لأداء مشاهد مسرحية سنطلق عليها «الخشبة الصغيرة»، عليها بعض الأغراض التي توحي بأن المكان في بداية القرن العشرين: «لمبة كاز» «سلة قشية»، صندوق خشبي وأشياء أخرى- الموسيقا مستمرة وعلى أنغامها تظهر سمية فتاة في نحو الثامنة عشرة من عمرها، تخرج من جيبها «صنجاً»، صغيراً، تحاول الطرق عليه متابعة الأغنية بصوتها وبإيقاع الصنج».
سمية: (تغني) «يا حلوتي يا سمية… يا بنت هنية… حبك مالك قلبي… والعيشة رضية..».
(فجأة يسمع صوت شاب يتميز بالقوة والوضوح، ترتفع الإضاءة على «الخشبة» الصغيرة حيث يقف خالد وهو شاب جميل الطلعة وقوي البنية، أنه يرتدي ملابس أوروبية من القرن السادس عشر، خالد يؤدي مقطعاً من نص شكسبير «هاملت» أثناء ذلك تنتقل سمية خلسة لتجلس على الأرض مقابله).
رصيف شارع عام
«رب ضارّة.. ضارة» وهو نص مسرحي من فصل واحد، كتبه قارصلي في دمشق – عما أسماه أعوام الحزن بين عامي 2012/ 2015، واحتوى على مقاربة جريئة لما يجري من أحداث تعيشها سورية وظروف الحرب التي خلفت مأساة كبيرة بداخل كل شخص فينا، ويبين مبدأ الإصرار على التحدي والاستمرار والإرادة السورية المتمثلة بدور (أم سليم وأبو عزت) وترسيخهم لفكرة الصمود والبقاء والحب، ومن بعض ما جاء فيها: (من الظلام يسمع صوت انفجار منخفض وشبه مكتوم، تتوالى أصوات الانفجارات التي ترتفع تدريجياً متصاحبة مع الرصاص، تبتعد الأصوات وتنخفض تدريجياً حتى تتلاشى، ثم يسود الصمت من بعيد يتصاعد صوت كورال الرجال):
«يا إلهي الذي لا أراه
يا إلهي الذي لا إله سواه
يا إلهي.. أعرني غموضك
بأس ذراعيك
أفكارك العبثية
لأكمل مأثرتي..
وأصحح بنيان هذه الحياة».
(ترتفع الإضاءة تدريجياً عن رصيف شارع عام، يتوضع في منتصفه مقعد حديقة فارغ، عن يمينه عمود كهرباء، وعن يساره حاوية صغيرة للنفايات، تسمع أصوات أربع أقدام تدب بتثاقل متصاحبة مع أصوات عكازين، تقترب الخطوات ضمن إيقاع يحمل مزيجاً من الثقل والتزامن، من يمين الخشبة يظهر (أبو عزت)، وهو كهل تجاوز الخمسين من عمره، يرتدي ملابس بسيطة، يحمل علاقة عليها بعض الصحف الجديدة، كما يحمل كيساً يحتوي عدة (ربطات) خبز، يضعها جميعاً على المقعد، من الجهة المقابلة تظهر (أم سليم)، وهي امرأة تجاوزت الأربعين من عمرها، ملابسها مرتبة ويغلب عليها اللون الأسود، تتكئ على عكّاز، وقد حملت على كتفها حقيبة (شبكية) فيها عدة زجاجات بلاستيكية مملوءة بسائل شفاف، كما تحمل حقيبة أخرى، تصل إلى المقعد وتضع ما تحمله عليه، تتفحص أم سليم أبو عزت الذي يبتسم لها فتجيبه بابتسامة مصطنعة وتهز كتفيها بلا مبالاة، وتنشغل بتفريغ ما في حقيبتها).
الوطن