تخلص من التفكير الزائد.. الخطوة الأولى نحو التنوير الروحي
ينطوي كتاب "قوة الآن" أو The power of now على السر الذي يسعى جميع البشر بلا استثناء إلى بلوغه خلال حياتهم الدنيا، فمن منا لا يريد أن يصل إلى السلام النفسي الكامل، أن يسمو فوق جميع مشاكل الحياة، أن يضع قدمه على الطريق الصحيح للعلاقات الاجتماعية والعاطفية، أن يضع قدمه على الطريق إلى الله. يكمن السر وراء كل ذلك في وصول الإنسان إلى تمكنه من أن يحيا بكامل كيانه في اللحظة الحالية، دون القلق بشأن المستقبل أو الندم على الماضي، وهو ما يحدث عن طريق اتصال الإنسان بروحه وتعلم أن جسده وعقله ما هما إلا صورة مغلوطة عن ذاته الحقيقية، ويستدعي ذلك المفهوم تعلم كيفية الانفصال عن سيطرة العقل على حياة الإنسان، ووضعه في حجمه الحقيقي كأداة، وكتابع وليس سيد يقود الإنسان. يقدم المعلم الروحي الألماني إيكارت تول في صفحات كتابهThe Power of now شرح وافي وطرق عملية قابلة للتطبيق في الحياة اليومية، يكن من خلال اتباعها تحقيق الاستفادة القصوى للإنسان للوصول إلى لحظة التنوير التي يسقط فيها قناع الوهم عن كل ما يحيط بالإنسان وأولهم عن حقيقة جسده وعقله. يشرح تول في الفصل الأول لكتابه الذي ترجم إلى العربية وعدة لغات أخرى، أكبر العوائق التي تقابل الإنسان في طريقه لتحقيق حالة التنوير الروحي، ثم ينتقل إلى طرق عملية للتحرر من سيطرة العقل، للوصول إلى مرحلة السمو فوق الأفكار أو ما يعرف بالتفكير الزائد، ليصل في نهاية الفصل إلى التأكيد على حقيقة المشاعر وأنها ما هي إلا ردة فعل الجسد على ما يدور في العقل من أفكار، ما سيساعد أيضا في السيطرة عليها. يرى تول أن العقل هو أكبر عائق لوصول الإنسان إلى مرحلة التنوير الروحي، وأن ما يعرف بـ"الأنا" هي ما تضع الحواجز أمام الروح لتمارس حقها في تولى قيادة الأمور، لذا نجد أن معظم الناس في أوقاتنا هذه يعانون من التفكير المرضي الزائد الخارج عن سيطرتنا ما يفسد علينا حياتنا بشكل لا ندركة إلا بعد تخلصنا منه، لأنه في وقت من الأوقات يصبح عادة، ويؤدي إلى ما يمكن وصفه بتطابق أو اندماج الإنسان مع عقله، ليظن أنهما شيء واحد وهو أول وهم يجب التخلص منه. وللتخلص من التفكير المرضي ينبغي اتباع عدة استراتيجيات أولها الاستماع إلى صوت عقلك، لا تقاوم ما يقوله ولا تحكم عليه ولا تصنفه، بل فقط ابق في موضع المراقب المشاهد لما يدور داخله، تخيل أن صوت عقلك مذياع وأنت مستمع جيد له، لتكون بذلك خطوت أول خطوة نحو إدراك أنك وعقلك لستما شيئا واحدًا، وأنه مجرد أداة يمكنك مراقبة عملها تمهيدا للسيطرة عليها، وهذه أولى مراحل "الحضور" والوعي المنشود. التنوير أو الحضور أو الوعي، كلها مرادفات للحالة التي ينتقل إليها الإنسان عندما يتمكن من الجلوس في موضع المراقب لصوت عقله، ولأن التفكير الزائد لا يزدهر إلا في غياب الوعي، فنجد أن استراتيجية مراقبة صوت العقل والإنصات إليه ستستهم في الحد من هذا الصوت تدريجيا، وبعد أن يسمو الإنسان فوق تلك الأفكار التي تفرض سيطرتها عليه تبدا مرحلة جديدة من الوعي وهي مراقبة المشاعر. أيا كانت المشاعر سواء غضب أو حزن أو سعادة ما هي إلا ردة فعل من جسم الإنسان تجاه ما يدور في عقله من أفكار، ما يحدث أن توهم الإنسان تطابقه مع عقله هو ما يجعله يحكم على الأشخاص والمواقف وما يسبب الاستياء أو الغضب أو حتى الإعجاب بشيء ما، وبما أننا سعينا في الخطوة السابقة إلى الانفصال عن العقل كمسيطر على حياتنا، فمن المنطقي أن يقودنا ذلك إلى التحكم في مشاعرنا. في المرة القادمة التي تشعر فيها بمشاعر قوية ولتكن الغضب، حاول التركيز على الطبيعة الفيزيائية لتلك المشاعر، ونعني بذلك التركيز على ما تحدثه هذه المشاعر في جسدك، هل تشعر بحرارة؟ هل تشعر برعشة؟ ركز انتباهك على حقل الطاقة داخل جسدك، فالمشاعر شقيقة الأفكار المرضية لا تزدهر إلا في غياب وعي صاحبها، إذن فالحضور والمراقبة هي خط الدفاع الأول. ويصف إيكارت تول المشاعر الإيجابية كالشعور بالحب والسلام الداخلي والسكينة، باللمحات القصيرة النادرة التي تومض في نفس الإنسان في الوقت الذي يستطيع فيه التحرر من عقله، والتي قد لا يجد لسعادته سببا ملموسا خلالها، والحقيقة هي أنه في تلك اللحظات فتح الطريق إلى ذاته الحقيقية الكامنة في أعماق صورته الجسدية وعقله، وهي روحه، فإذا نجح في التمسك بحالة الحضور والوعي بصفة دائمة فإن حياته بلا شك ستتحول جذريا بالوصول إلى مرحلة التنوير. في الفصل الثاني سنتعرف على مزيد من تقنيات التغلب على الألم الداخلي، ومعني "الأنا" وما يعرف بـ"جسم الألم" وأصل مشاعر الخوف وعلاقتها بقوة الأنا. وكالات