توكي بونا .. لغة يمكنك تعلمها خلال 48 ساعة!
يعتقد الكثيرون أن تعلم اللغة الإنجليزية هو الحلم والمفتاح الذي سيستولون به على الفرص الرائعة التي لن يتمكنوا من تحقيقها إلا بتعلم اللغة الإنجليزية، لكنّ البعض يعتبر أنّ هيمنة لغة ما على العالم أمرٌ ليس مريحًا. فبوجود الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية تسيطر على ميادين العلم والمعرفة ومن ثم باقي المجالات، جعل هذا دومًا المتحدثين بها بوصفها لغةً أم هم من يحصدون الاستفادة القصوى من استخدمها. ولهذا بدأت بالظهور فكرة: لماذا لا تكون هناك لغة يتوحد فهم الجميع حولها، وتكون هي لغة التواصل العالمي التي يتساوى الجميع في فهمها؟ اللغات المصطنعة أن تكون «polyglot – متعدد اللغات» يعني أنك تستوعب العديد من الثقافات وتختلف طريقتك في فهم الأشياء، ومن هذه الأشياء: أن اللغة هدفها الأول هو التواصل والتعارف، وأن اللغة الإنجليزية لم تعد حتمًا اللغة الأفضل حول العالم على الأقل من حيث سهولة تعلمها. ومن أجل ذلك أصبح ملحًا أن تتم عملية التواصل هذه بين العديد من البشر بشكل لا يتفاوت فيه أفهام الناس، وتعلم تعدد اللغات يفيد في فهم طبيعة اللغات عامة، وهذا ما جعل زامنهوف – طبيب عيون بولندي لغاته الأم الروسية واليديشية والبولندية، وتحدث الألمانية بفصاحة وتعلم الفرنسية واللاتينية واليونانية والعبرية والإنجليزية، وكان مهتمًا بالإسبانية والإيطالية والليتوانية – يبدأ في عام 1887م مشروع اختراع لغة تتساوى فيها الأفهام، وتكون سهلة التعلم، وكذلك تكون لغة للتواصل العالمي، وبهذا نشأت لغة الإسبرانتو. كان الهدف من اختراع لغة الإسبرانتو سهولة وسرعة تعلم اللغة لتكون أداة للتواصل بين العديد من الناس في مناطق مختلفة من العالم، وهذا ما شجع الكثيرين للبدء، لتصبح اللغة أسهل اللغات العالمية من حيث التعلم، وكذلك اللغة المصطنعة الأولى حول العالم من حيث عدد المتحدثين بها، إذ وصل عدد متحدثيها إلى مليونين. ومن بعدها ظهرت العديد من اللغات مثل الإيدو واللجبن والمنتي والنوفيال وغيرهم الكثير. «توكي بونا» وفي خطوة أكثر تسهيلية للتواصل بشكل سريع، وبدون بذل الكثير من العناء لتعلم لغة يمكن التواصل بها مع آخرين من ثقافات أخرى؛ ابتُكرت «toki pona»، وذلك في 2001م من قبل سونيا لانج – الخبيرة في علم اللسانيات والمترجمة للإنجليزية والفرنسية والإسبرانتو. تتكون «توكي بونا» من 120 جذرًا – كلمة فقط، وتستخدم 14 حرفًا لاتينيًا. قواعدها بسيطة وتعتمد بشكل أساسي على المركبات، إذ أن كل كلمة توضع بجانب كلمة أخرى تنتج مدلولًا ومعنى ثالثًا، لذا فهي تعتمد بشكل أساسي على التخمين والتخيل. فقد تكون القهوة عند البعض (telo pimaje wawa) وتعني حرفيًا شراب الطاقة الداكن، وعند البعض الآخر (telo ike mute) وتعني حرفيًا السائل كثير السوء، وبالتالي هذا وذاك يدل على القهوة أو المشروبات المساوية لها ويعتمد ذلك على طريقتك أنت في التعبير وفهم الآخرين له. تستخدم اللغة كلمات من اللغة الصينية والهندية والكرواتية والإسبرانتو والإنجليزية والفنلندية والجورجية، ولكن مع تغيير معاني تلك الكلمات. ودائما ما تشبه اللغة صوت اللغات الجزريَّة في المحيط الهادئ. نعم، فرغم طبيعة اللغة الغريبة بعض الشيء، ترى «سونيا لانج» – مخترعة اللغة – والمتحدثون بها، أنها تكفي للتعبير عما يريدون، عن طريق الحد من التفكير الرمزي إلى أبسط العناصر، ودمج المفاهيم ذات الصلة عن طريق وجود عبارة واحدة تؤدي وظائف متعددة من الكلام. وعلى النقيض من مئات أو آلاف من ساعات الدراسة المطلوبة لتحقيق الطلاقة في لغاتٍ أخرى، تتوافق الآراء بين متحدثي «توكي بونا» أن الأمر يستغرق حوالي 30 ساعة للإتقان. وهذا ما عجَّل بتكوين مجموعات على الإنترنت تجمع محبي اللغة من اليابان وبلجيكا ونيوزلندا والأرجنتين وباقي أنحاء العالم، مع حلم العودة إلى عصر اللغات القديمة البسيطة. وبالإضافة إلى جعل «توكي بونا» سهلة وبسيطة للتعلم، صُمم نهج اللغة ليغير طريقة تفكير المتحدثين بها، إذ أن اللغة تتطلب عناية فائقة بالتفاصيل، لأن كل كلمة تُستخدم تفرق في المعنى، مع تجنب العبارات المحددة التي يتم حفظها واستخدامها دومًا في اللغات العادية. وهذا ما يُدخل الفرد في حالة تأمل في المعاني بشكل مختلف، ويجعله يتفكر في طريقة كلامه وليس الحديث بدون الشعور والإنتباه كثيرًا لتأثير الكلام. في 48 ساعة بدأ العديد مؤخرًا في تحدى الـ48 ساعة لتعلم اللغة. وأول شيء نقوم به هو الالتحام بالمفردات باستخدام تطبيق memrise، وهو لعبة تساعد على فن الاستذكار والمساعدة على الحفظ والتذكر. حفظ الكلمات يعد الخطوة الأولى والأكبر لاستخدام اللغة بعد وقتٍ قليل وجهد ليس بكبير. ولكن قبل تفنيد المصادر التي تمكننا من تعلم اللغة تعد مميزات هذه اللغة دافعًا حقيقيًّا لإنجاز هذه المهمة خلال 48 ساعة: أن يكون واضحًا لأذهاننا أننا بعد عدة ساعات فقط سنكون قادرين على التحدث بلغة جديدة لم نكن نعلم عنها شيئًا، ومن خلال ذلك سيمكننا تكوين علاقات من خارج ثقافتنا العربية؛ وهذا أمر يحفز كثيرًا على إنجاز هذه المهمة وبسرعة كبيرة. تعلم اللغة يجعلنا ندرك طبيعة اللغات عمومًا ويجعل عملية تعلم لغات أخرى أسهل، هذا بالإضافة أنها تجعلنا من محبي تعلم اللغات ويجعلنا متعددي اللغات. يستخدم البعض اللغة باعتبارها أداة تواصل سرية، إذ يُتفق على رموز، حتى يكون لكل مفردة رمز وباستخدام هذه الرموز تتكون المفاهيم والمركبات والجمل، كاللغات القديمة واللغات الآسيوية مثل اليابانية والصينية. ويُعد تعلم اللغة عملية مرحة، إذ أن استخدام المفاهيم البسيطة والمركبات التي تتكون منها المفاهيم، تعتبر كأنها عملية حل معادلات، مع جانب من التخمين والخيال الذي يضيف بعدًا للكلام طبقًا لفهمك وخبراتك واحتكاكك بمن يتحدثون اللغة. يشكل كتاب «سونيا لانج» لتعلم اللغة، المصدر الأساسي والأصلي في تعرف وتعلم وفهم اللغة، تستطيع الحصول على نسخة منه من أمازون، حيث إنه ما زال ببضع دولارات، ولكن في مقابل ذلك هناك عدة مصادر تعليمية بالإنجليزية وبلغات أخرى كالإسبرانتو مفتوحة المصدر ومجانية. كذلك ولأن عدد متحدثي اللغة ما زال قليلًا، فهناك مجتمعات تجمع المتحدثين باللغة على أكثر من منصة كما أوضحنا من قبل، من أهم هذه المجموعات؛ المجموعة التي أنشأتها مخترعة اللغة الموجودة بفيس بوك على هذا العنوان. ما بين «توكي بونا» والهيروغليفية واليابانية تتشابه اللغات القديمة ومنها الهيروغليفية مع «توكي بونا» في العديد من الأمور، إذ أن معظم اللغات القديمة كانت تعتمد على دمج الرموز لإنتاج المعاني والدلالات، وتستعين بالمعاني البسيطة التي لا تميل إلى التعقيد. كذلك تعتمد اللغات الآسيوية ومنها اليابانية على فلسفة مشابهة في التعبير عن المعاني. في الحقيقة هناك العديد من أوجه التشابهة التي تتكشف كلما درسنا تلك اللغة وقارنَّاها باللغات القديمة والآسيوية. ولهذا؛ إليكم مجموعة من القواعد الأساسية في اللغة: 1- تعتمد اللغة على المعاني وليس الأسماء، فعلى سبيل المثال كلمة (toki) ليس لها معنى واحد محدد، ولكنها تشير إلى: لغة، حديث ما، شيء مقروء. وهكذا فـ(pon) تعني شيئا جيدًا. 2- عند ضم كلمتين أو أكثر معًا نحصل على معنى ثالث، فمثلا (toki pona) قد تشير للغة «توكي بونا»، وقد تعني في موضع آخر الكلام الطيب، وهكذا قد تكون بمعنى أيضًا خطبة رائعة ألقاها أحدهم. إذًا لا يوجد في اللغة كلمات تشير إلى معنى واحد محدد، وإنما إلى شعور أو إحساس أو إشارة، وهكذا كانت معظم اللغات القديمة كالهيروغليفية. 3- لا توجد باللغة أيضًا لواحق تغير من معاني الكلمات، لأن الكلمات نفسها تعمل عمل اللواحق في اللغة. واللواحق كالـ(er) في اللغة الإنجليزية والتي تغير المعنى كـ(play – player) (يلعب، لاعب). فاللغة لاتوجد بها هذه اللواحق، لأننا نستخدم على سبيل المثال (jan) وتنطق (يان) بمعنى شخص أو نفس، وبإضافة (يان) مع أي كلمة أخرى نشير إلى كينونة هذا الشخص فـ(jan pona) تعني الرجل الطيب أو الإنسان المحترم، وتُستخدم أيضًا بمعنى الصديق أو شخص حميم. وكذلك (jan lili) وترجمتها الحرفية شخص صغير وتشير إلى (طفل، أو شخص صغير الحجم). إن القدرة على تعدي الحواجز الديموغرافية والثقافية واللغوية أصبح بالفعل سهلًا في عالم اليوم، كل ما عليك هو تخصيص 48 ساعة فقط لتبدأ رحلتك في التواصل والغوص في عوالم مختلفة مذهلة. وإن كنت شغوفًا بتعلم اللغات والتواصل مع الآخرين فبلا شك ستجد في هذه اللغة راحتك. ساسة بوست