هل سرق شكسبير أشهر مسرحياته من أديب آخر؟ برنامج لكشف السرقات العلمية يجيب
هل سرق شكسبير أشهر مسرحياته من أديب آخر؟ برنامج لكشف السرقات العلمية يجيب
الأحد 11-02-2018
- نشر 7 سنة
- 6068 قراءة
تستخدم معظم الجامعات في يومنا هذا برامج خاصة لمكافحة الغش، إذ تقوم هذه البرامج بمراجعة الأبحاث التي يقدمّها الطلاب ومقارنتها بشبكة مخيفة من الكتب والأبحاث القديمة للتأكد من أن الطالب لم ينتحل جهد غيره.
ماذا لو استخدمت برامج مكافحة الغش هذه على أعمال الكتاب والأدباء الكبار؟!
قد تكون الإجابة صادمة، فقد اكتشف كاتبان مخطوطةً غير منشورة، يعتقدان أن المسرحي والشاعر البريطاني الشهير وليام شكسبير رجع إليها عند كتابة مسرحيات "الملك لير"، و"ماكبث" و"ريتشارد الثالث" و"هنري السادس" و7 مسرحيات أخرى!
نحن هنا لا نتحدث عن أستاذ جامعي أو أديب مشهور، بل عن أشهر كاتب مسرحي يعرفه العالم، وواحد من الذين استخدمت مفرداتهم لإثراء اللغة الإنكليزية حسب قاموس أكسفورد الإنكليزي.
فقد قام الباحثان دينيس مكارثي وجوون سليتر، باستخدام طرق حديثة بينها برنامج WCopyfind المختص في كشف السرقة العلمية، واكتشف البرنامج بالفعل أن هناك كلمات وعبارات مشتركة بين مسرحيات لشكسبير ومخطوطة تحمل عنوان "نقاش مختصر للتمرد والمتمردين"، كتبها جورج نورث، سفير الملك إليزابيث في السويد في أواخر القرن السادس عشر، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأميركية.
الباحثان قالا إن شكسبير استلهم أفكار كاتب المخطوطة، وهي تعتبر مصدراً رجع إليه مراراً وتكراراً في مسرحياته، مضيفين أن أثر لغة المخطوطة بدا جلياً في لغة مسرحيات شكسبير، وفي المشاهد، وفي فلسفة المسرحيات.
قلم الكاتب مقدس مثل دم الشهيد
هذه إحدى مقولات شكسبير المشهورة، ولقد ظلَّ قلم شكسبير بالفعل مقدساً، لدرجة أنه صار مرجعاً لكثير من مفردات اللغة الإنكليزية ذاتها، لكن ظل هناك تساؤل حول إمكانية أن يكون شكسبير قد استلهم مسرحياته العظيمة من مصدر ما.
ويقول الباحثان في كتابٍ من المزمع أن تنشره دار دي إس بريور للنشر الأكاديمي، والمكتبة البريطانية الأسبوع المقبل. إن شكسبير لم يسرق محتوى المسرحيات، بل إنه قرأ المخطوطة وتأثر بها، واستلهم منها أفكاراً وكلمات.
وتعليقاً على الكتاب بعد مراجعته قبل نشره، يقول ديفيد بيفينغتون محرر "الأعمال الكاملة لشكسبير (الطبعة السابعة)" لصحيفة New York Times ، إنه "كشف" لما يحتويه من عدد كبير من الصلات بالمسرحيات، التي لا يفوقها في التأثير على مسرحيات شكسبير سوى كتابات هولينشد وهول وكتاب سِيَر پلوتارك.
ويقول مارتين ميسيل، أستاذ الأدب الدرامي بجامعة كولومبيا، في مراجعة أخرى إن الكتاب "ذو حجة بالغة"، مضيفاً أنه ليس ثمة شك في أن المخطوطة "لا بد أنها قد أثرت في مكانٍ ما في خليط خلفية شكسبير العقلية" أثناء كتابة مسرحياته.
مفاجآت شكسبير بعد قرون من الدراسة!
بخلاف المسرحيات نفسها، هناك آثار ثمينة، لكنها قليلة عن شكسبير؛ من بينها توقيعات، وسجل زواجه من آن هاثاواي، وأوراق لمعاملات تجارية، وصورتان فقط، وهذا غريب بالنظر لكونه واحداً من أعظم الكتاب في العالم.
ورغم أن كثيرين بحثوا عن وثائق وسيرة لشكسبير في العقود التي تلت وفاته، فإنهم وجدوا القليل جداً من الوثائق، وبعضها كان مزيفاً، لكن لم يقترح أحد حينها أن شكسبير ربما يكون انتحل مسرحياته.
يبدو أنه لا تزال هناك مفاجآت وأشياء لا نعرفها عن أديب القرن الـ 16 البريطاني، حتى بعد قرون من الدراسة، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ما هي مسرحيات شكسبير المقصودة؟
من الشائع وصف شكسبير بأنه "أعظم من كتب بالإنكليزية" وقد ترجمت أعماله لكل لغات العالم تقريباً.
مسرحية "الملك لير" هي تراجيديا كتبها شكسبير في مطلع القرن الـ 17، وتم تقديمها على المسرح لأول مرة سنة 1606، وهي السنة نفسها التي قد يكون أنهى فيها كتابتها، وتحكي عن ملك بريطانيا الأسطوري لير، الذي عاش شبابه كفارس شجاع، وقام بتقسيم مملكته بعد تقدمه في العمر بين بناته الثلاث، وطلب منهن أن يعبرن عن حبهن له، لكنه لم يرض عن حب ابنته الثالثة له، التي قالت له إنها تحبه مثل ما يحب الأبناء والديهم، فغضب عليها، وهربت وتزوجت ملك فرنسا، وانتصر الشر في النهاية!
و"مكبث"، هي مسرحية شعرية تراجيدية لشكسبير، تحكي عن القائد الاسكتلندي مكبث الذي يغتال ملكه المعجب بشجاعته، ويجلس على عرش اسكتلندا مكانه، بعد تحريض زوجته التي شجعته لتحقيق نبوءة العرافات، وينتصر الشر أيضاً، وتنتحر زوجة كبث ويقتل في النهاية.
و"ريتشارد الثالث" هي مسرحية تاريخية، يعتقد أن شكسبير كتبها في 1591، وتعتبر من أعماله المبكرة، وتحكي قصة صعود الملك ريتشارد الثالث، وفترة حكمه القصيرة.
و"هنري السادس" هي مسرحية تاريخية من أجزاء، تحكي عن عجز هنري السادس عن تهدئة الخلافات مع النبلاء، واستخدام الحرب والمكائد السياسية، وتتناول الصراعات الشخصية وحرب الوردتين والمائة عام.
ما أوجه التشابه والإلهام؟
فعلى سبيل المثال يحضّ نورث في الإهداء المذكور في مخطوطته من يرون أنفسهم قبيحي المنظر، على أن يحاولوا أن يكونوا جميلي الجوهر، ليعاندوا الطبيعة. واستخدم سلسلة من الكلمات ليصيغ حجته، من بينها "نسبة" و"زجاج" و"سمة" و"مشوه" و"عالم" و"ظل" و"طبيعة". وفي المناجاة الافتتاحية لريتشارد الثالث، يستخدم الطاغية الأحدب الكلمات نفسها بنفس الترتيب تقريباً، ليصل إلى استنتاج مغاير تماماً، مفاده أنه طالما أنه قبيح المنظر، فسيتصرف كوغدٍ ليطابق جوهره مظهره.
ويقول ماكارثي، "لا يدرك الناس مدى ندرة استخدام هذه الكلمات على أرض الواقع. وهو يستخدمها جميعاً كلمة تلو الأخرى. والأمر يشبه ورق اليانصيب، يمكنك أن تحصل على رقم من بين ستة أرقام، ولكن ليس الأرقام جميعها".
ويؤكد الكتاب أن شكسبير لم يقتصر على استخدام نفس الكلمات التي استخدمها نورث، بل غالباً ما كان يستخدمها في مشاهد تتناول موضوعات مشابهة لما وصفت به الكلمات في المخطوطة، بل إنه استخدم حتى نفس الشخصيات التاريخية. وفي فقرة أخرى، يستخدم نورث ستة مصطلحات لإثبات أن البشر موجودون في تسلسل هرمي طبيعي، يشبه تماماً تسلسل الكلاب. ويستخدم شكسبير نفس قائمة الكلاب لإثبات الأمور نفسها في مسرحيتيّ "الملك لير" و"ماكبث".
وللتأكد من أن نورث وشكسبير لم يكونا يستخدمان مصادر مشتركة (بل استلهم شكسبير من نورث)، مرّر ماكارثي العبارات على قاعدة بيانات تُسمى "Early English Books Online"، التي تحتوي 17 مليون صفحة من كل عمل تقريباً نُشر بالإنكليزية، في الفترة ما بين 1473 و1700. ووجد أنه لا يوجد عمل آخر تقريباً احتوى نفس الكلمات في فقرات بنفس الطول. وبعض الكلمات بشكل خاص كانت نادرة الظهور، لدرجة أنها لم تظهر سوى في عمل واحد قبل عام 1623.
كيف يكشف الحاسوب مصدر النصوص؟
ويستخدم العلماء تقنيات التي تعمل بمساعدة الحاسوب في الإنسانيات منذ عدة عقود. لكن معظم المشتغلين بهذا الفرع من العلوم يستخدمون كلمات من قبيل أدوات التعريف وحروف الجر، لخلق "توقيع رقمي" لأي كاتب يمكن استخدامه لتحديد ما إذا كان ألّف أو شارك في تأليف عمل آخر، بدلاً من استخدام كلمات نادرة نسبياً لتحديد مكان أي مصدر.
وعادة ما يستخدم الأساتذة برامج مفتوحة المصدر، مثل هذه لمكافحة غش الطلاب والانتحال والسرقات العلمية.
وقد استلهم ماكارثي فكرة استخدام برنامج كشف السرقة العلمية من عمل السير بريان فيكرز، الذي استخدم تقنيات مشابهة عام 2009، لمعرفة ما إذا كان شكسبير قد شارك في تأليف مسرحية "إدوارد الثالث" حسب تقرير نيويورك تايمز. وبينما لاقى الكتاب استحساناً، فإن التقنيات الإحصائية المستخدمة لم تخضع بعد لمراجعة قوية من جانب علماء آخرين في مجال الإنسانيات الرقمية.
ويقول ويتمور، الذي ألقى نظرة خاطفة على نسخة للكتاب، إن هذه التقنيات ربما لا تشكل سوى شكليات بسيطة، وأن الجدل في جوهره أدبي وليس إحصائياً.
من هو نورث وما مخطوطته؟
كان نورث يعيش عام 1576 في قلعة كيرتلينج، بالقرب من كمبريدج بإنكلترا، في إقطاع البارون روجر نورث. وفي ذاك المكان سطر المخطوطة، وفقاً لماكارثي، في نفس الوقت الذي ربما كان فيه توماس نورث يعمل على ترجمة سِيَر پلوتارك.
والمخطوطة عبارة عن خطبة لاذعة ضد المتمردين، وتصف كافة أشكال التمرد ضد الملكية بالظلم الذي سيؤول حتماً إلى الفشل. ويقول ماكارثي إنه بينما يتسم موقف شكسبير من التمرد بالغموض، فإن ذهنه قد احتفظ بكل وضوح بمقال نورث، ليستخدمه في موضوعات مسرحياته وشخصياتها.
ومن بين أكثر الشخصيات تعقيداً كانت شخصية جاك كيد، الذي قاد تمرداً فاشلاً ضد هنري السادس عام 1450. ويصف شكسبير أيام كيد الأخيرة في الجزء الثاني من "هنري السادس"، بأنه كان يتضور جوعاً ويأكل العشب، قبل أن يقبض عليه في نهاية المطاف ويجرجر في الشوارع من قدميه، وتترك جثته لتأكلها الغربان. وقد اعتقد العلماء لوقت طويل أن تلك التفاصيل من بنات أفكار شكسبير، غير أنها جميعاً موجودة في فقرة من "خطبة" نورث، التي يهاجم فيها كيد واثنين آخرين من كبار المتمردين. ويحاجج ماكارثي وسليتر أن شكسبير استخدم تلك التفاصيل ليخرج بشخصية كيد في صورة خليط من شخصيات نورث الثلاث.
وبينما يعد كيد شخصية غير أساسية في مسرحيات شكسبير، يحاجج ماكارثي بأن "خطبة" نورث ربما كانت مصدر إلهام أيضاً لشخصية الغبي في مسرحية الملك لير، التي تعد من أبرز شخصيات شكسبير. ويشير إلى الفقرة المشهورة التي يضل فيها الملك لير والغبي طريقهما في عاصفة، ويقرأ البهلول نبوئة ينسبها إلى ميرلين.
هاف بوست