متلازمة الإدارة الفاشلة
قد يكون القارئ سمع بمصطلح "متلازمة داون" المَرَضية أو متلازمة تيرنر أو متلازمة ستوكهولم النفسية، أو مصطلح "متلازمة باريس "السياحية. وهذه المصطلحات ليست بجديدة وإن كانت بعض المصطلحات اللغوية يعاد استخدامها وتوظيفها للدلالة على معانٍ مشتركة لمنحى أو ظاهرة جديدة.
من واقع خبرة تراكمية ملموسة ومشاهدة حية بالعمل في عدة شركات وقطاعات مختلفة، لاحظت في كثير من الإدارات الفاشلة أنها تعتمد على عناصر محددة للقيام بأعمال القطاع وتتمركز كل القرارات بيدها.
من تلكم العناصر البارزة في تلكم الإدارة، اعتماد هذه أو تلك الإدارة في القيام بالعمل على مجموعة محددة من الموظفين، وأن تكرر العمل نفسه أو المشروع عشرات المرات؛ احتكاراً أو محاباةً أو جنياً لأرباح ومكاسب معينة لأشخاص محددين.
والملاحظ أنه ما دام أعضاء تلك الإدارة موجودين، فإن الطاقم الإداري التنفيذي نفسه موجود حتى يوم يُبعثون أو يهلكون. ولذا ترى بعض الوجوه يمتد بها البروز أكثر من 30 عاماً!.
وهذا المشهد الإداري يبعث الجمود وعدم تجديد الدماء ونثر روح الإحباط لمن لم يحظوا بالفرص وخلق شلل داخل شلل؛ بسبب جمود المياه الإدارية.
ومن جهة أخرى، تزرع الإدارة الفاشلة عناصر أو تسلط عناصر كعيون وآذان مزروعة بين الموظفين داخل تلك الإدارة أو المشروع أو الشركة؛ بهدف تجميع معلومات عن الموظفين، ورصد الحضور والانصراف والاتصالات، إلى جانب نقل الكلام الانتقائي الذي يُقال في حق المدير أو أحد حاشيته.
هذان العاملان، كما رصدتُهما خلال رحلة عمل تلامس الثلاثين عاماً، قد أتيا بالفشل الذريع في حق عدة شركات تحتضن مثل هؤلاء الإداريين أو مثل هذا الأسلوب الإداري. وفِي ظل مثل هذه الإدارات السلبية، تُخيم الغيوم السوداء الملبدة بالشك وتوجس الخيفة، وانتشار الإرهاب الفكري التصنيفي والرعب من أجواء العمل، وانتشار نموذج الإنسان المقهور، وندرة الموظف المبدع، وانحسار النقاش الموضوعي، وتوجس من الاتهامات الكيدية، وزيادة منسوب التملق والمحاباة لأهل المناصب الإدارية، وتوسع دائرة الابتزاز الوظيفي.
قد يصل الوضع من السوء إلى درجة التجارة على المنصب أو الوظيفة كما رُصد في بعض الشركات ببعض المناطق ببلدان عدة من بيع الوظائف المفتوحة بسوق سوداء من خلف الكواليس وابتزاز الناس في وظائفهم.
وقد تمتد هذه الحالة المَرَضية الناتجة عن متلازمات الإدارة الفاشلة إلى تسرب معظم المبدعين وهجرة أهل المهارات من تلكم الشركات، وتصحر المعرفة، وزيادة منسوب الخطب الرنانة والبهرجات الدعائية الجوفاء، وكل ذلك على حساب نمو الشركة وحَمَلة أسهم الشركة والمستثمرين في الشركة هذه أو تلك.
وهنا، أسأل الله أن يصبّر المخلصين ممن ابتلوا بتلكم الأنواع من الإدارات غير المسؤولة أو مفرطة الأنانية والتي قد عملوا أو يعملون معها.
وإن كنا ندعو إلى طرح حلول أجرأ لاستنقاذ ما يمكن استنقاذهُ في بعض القطاعات.. وأتذكر من قراءة بعض المجلات المختصة بشؤون القوة العاملة، مثل Workforce، طرحها موضوع الحماية الأمنية للموظفين الذين يرفعون صوتهم بالحقوق whistleblowers protection.
حقيقةً، المشاعر التي سطرناها عن الشعور بالغبن في الحقوق والخوف من الكلام، يستشعرها ممن لديهم اطلاع بأن بعض الشركات والمستثمرين والموظفين، وبالنتيجة البلاد والعباد، يدفعون أثماناً باهظة بسبب تلكم الإدارات الأنانية الفاشلة وبسبب متلازماتها النفسية من شللية واحتكار الفرص من جهة وبث الخوف والرعب بين صفوف الموظفين من جهة أخرى.
تلكم الحقائق قد تكون مغيَّبة أو متجاوَزاً عنها ردحاً من الزمن لأسباب عدة؛ من ضمنها بحيوية المبيعات أو التدفقات النقدية. مع تقادم السنين وزيادة المنافسات من الخارج، إذا تكشفت لدى الكثير من الناس المهزلة التي زرعت هذا الموظف في مثل هذا المنصب الإداري بشركات فاعلة في الاقتصاد أو مؤثرة على عدد كبير من الموظفين، قد يصاب بعض الناس بنوع من الإحباط والشك في حقيقة الكثير من الأمور والعناوين والأرقام الماضية.
من المضحك المبكي على مثل هذه الإدارات، أنه بعد افتضاح فشلها في الإدارة، ما زالت تصدع بتصريحات لا تمس الواقع بأي حال من الأحوال لشركاتهم أو مؤسساتهم وإن كثرت تصاريحهم أو اجتماعاتهم أو ندواتهم أو صخبهم الإعلامي.
آسف لأن معظم الجهود تُبذل لتلميع صورة هذا المدير الفاشل أو ذاك، وفي الوقت ذاته يركز بعض المديرين الفاشلين على ترسيخ جذور الفشل بتبني برامج إدارية تضمن امتداد الإدارة بأيدي محبيهم في قادم الأيام والسنين.
وهنا، نتساءل: ألم يحِن حوكمة إدارة الشركات الفاشلة وزيادة معدل الشفافية وعمل تدقيق علمي رصين (auditing) في الترقيات والتعيينات لتلكم الأماكن من شركات ومؤسسات؟
هافينغتون بوست