بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

النبي إبراهيم: "أبو الأنبياء" الذي تواترت أخباره في القصص الديني والشعبي

السبت 13-01-2018 - نشر 7 سنة - 6438 قراءة

  مما لا شك فيه، أن النبي إبراهيم يشغل مقاماً كبيراً في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، حيث يعتقد أتباع الديانات الثلاثة أن إبراهيم كان أحد الأباء العظام الذين نشروا كلمة الله بين البشر، وأنه الأصل الثابت والقوي الذي تفرعت منه سلالة الأنبياء والرسل فيما بعد، سواء فيما يخص الفرع اليهودي الذي تحقق من نسل إسحاق، أو الفرع العربي الذي انحدر من ذرية إسماعيل. في هذا المقال، نلق الضوء على قصة النبي إبراهيم بحسب ما وردت في المصادر اليهودية والمسيحية، ونبين أهم التفصيلات التي قدمتها الرواية القرآنية لتلك القصة، وكذلك الكيفية التي أثرت بها شخصية النبي إبراهيم في الفكر الإنساني والقصص الديني والشعبي.  

كيف وردت قصة النبي إبراهيم في الكتاب المقدس؟

يُعد الكتاب المقدس هو المصدر الأقدم تاريخياً، فيما يخص ذكر سيرة النبي إبراهيم، حيث نجد أن قصة ذلك النبي قد تم تناولها بشكل مكثف في سفر التكوين، وبالأخص في الجزء الواقع ما بين الإصحاحين الحادي عشر والخامس والعشرين من السفر. في البداية يتم ذكر المعلومات الأساسية عن إبراهيم، حيث يرد أن اسمه الأول كان أبرام، وأن أبيه المسمى بتارح، قد أصطحبه مع أسرته وأسرة لوط، ابن أخيه المتوفي، في رحلة من موطنهم الأول في مدينة أور الكلدانيين إلى أرض كنعان، ولكنهم قبل الدخول إلى الأخيرة، مروا بمنطقة حوران، واستقروا بها بعض الوقت، وفيها توفي تارح، ليتسلم ابنه أبرام الزعامة العشائرية لقبيلته. وبعد تسلمه زمام السلطة، عزم أبرام على استكمال الرحلة إلى بلاد الشام، وفي الطريق إلى أرض كنعان، ظهر الرب لإبراهيم، وأعطاه الوعد الإلهي عندما قال له "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ". ويستكمل سفر التكوين قصة أبرام بعد دخوله لأرض كنعان، وكيف أنه لما حدث قحط شديد فيها، اتجه لمصر، وهناك أدعى أن سارة ليست زوجته، وأنها أخته، فلما رأها المصريين أعجبوا بجمالها، وأخذوها إلى الملك، الذي عرف قصتها وأغدق الأموال والهدايا على زوجها، وسمح لهما بالخروج من أرضه والرجوع مرة أخرى لفلسطين. وعند تلك النقطة، تظهر مشكلة جديدة في حياة أبرام، الذي كان قد ناهز الست وثمانين عاماً دون أن ينجب ولداً. وفي محاولة منها للتخفيف عن زوجها الحبيب، طلبت سارة من جاريتها المصرية هاجر أن تتقرب من أبرام، فأنجب منها ولده البكر إسماعيل، وبعدها بفترة ظهر الرب لأبرام مرة أخرى، وعقد معه العهد وباركه، عندما قال له: "أما أنا فهوذا عهدي معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم. وأثمرك كثيرا جدا، وأجعلك أمما، وملوك منك يخرجون. وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهدا أبديا، لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك". وكعلامة على هذا العهد المقدس، أمر الرب إبراهيم بأن يختتن، هو وجميع أبنائه، فأطاع إبراهيم هذا الأمر ونفذه وهو في عمر التاسعة والتسعين. ويؤكد سفر التكوين أن إبراهيم لما طلب من الرب أن يستكمل عهده مع ابنه إسماعيل، فإن الرب رفض وقال له "عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية". بعد ذلك يتم استكمال القصة التوراتية بذكر الغيرة التي دبت ما بين سارة وهاجر، لدرجة أن الأولى قد طلبت طرد هاجر وابنها من العشيرة، وامتثل النبي لطلبها بعدما أمره الرب بذلك "فبكر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء وأعطاهما لهاجر، واضعاً إياهما على كتفها، والولد، وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع". ثم يشرح الكتاب المقدس المحنة الكبرى التي تعرض لها إبراهيم عقب أن أمره الله بذبح ابنه اسحاق، وكيف أن الرب قد فدى الابن بذبيحة بعدما أظهر إبراهيم إمارات الطاعة والتسليم. وفي الأصحاح الخامس والعشرين، يختتم سفر التكوين حديثه عن إبراهيم، بـ"وهذه أيام سني حياة إبراهيم التي عاشها: مئة وخمس وسبعون سنة. وأسلم إبراهيم روحه ومات بشيبة صالحة، شيخاً وشبعان أياماً، وانضم إلى قومه. ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة".  

كيف وردت قصة النبي إبراهيم في القرآن الكريم؟

رغم أن المصادر الإسلامية الرئيسة، القرآن الكريم والحديث النبوي، قد اتفقت مع سفر التكوين في العديد من الأحداث والتفاصيل التي وردت فيما يخص قصة النبي إبراهيم، إلا أن هناك بعض النقاط المهمة التي شهدت اختلافات وتباينات واضحة. أول تلك النقاط، هي تلك المتعلقة باسم والد إبراهيم، ففي حين يؤكد الكتاب المقدس أن اسمه هو تارح، فإن القرآن الكريم يذكر في الآية 74 من سورة الأنعام "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين". كلمة أزر المذكورة في الآية السابقة، اعتبرها العديد من المفسرين والعلماء المسلمين، اسماً لوالد إبراهيم، وبذلك اعتقدوا بوجود تحريف أو غلط ما في المعلومات المذكورة في سفر التكوين. ولكن اتجاهاً آخر من العلماء المسلمين، حاول التوفيق ما بين ما ورد في القرآن الكريم والكتاب المقدس، حيث يذكر كل من ابن كثير في تفسيره، والثعالبي في عرائس المجالس، أن اسم أزر ليس بالضرورة اسماً، ولكنه قد يكون لقباً عُرف به تارح بين قومه، أو أن تلك الكلمة كانت صفة تعني المُعوج أو الضال. أحد أبرز الاجتهادات الإسلامية المعاصرة في تلك النقطة، كان ما قال به الشيخ المصري الراحل محمد متولي الشعراوي في أحد محاضراته، عندما قال بأن أزر كان عم إبراهيم وليس أبوه. ذلك الرأي يتفق مع الاعتقاد الذي يرى بأنه لا يجوز للأنبياء أن يولدوا لآباء كافرين، وذلك لأن ظاهر الآية الواردة في سورة الأنعام، تذهب إلى أن أزر المذكور فيها كان مشركاً، يعبد الأصنام ويقدسها. النقطة الثانية التي تشهد خلافاً واسعاً ما بين القرآن والكتاب المقدس، هي مسألة إلقاء النبي إبراهيم في النار وخروجه منها سالماً، ففي حين تذكر سورة الأنبياء، أن قوم إبراهيم قد أرادوا أن يبطشوا به بعد أن حطم أصنامهم، فأشعلوا ناراً هائلة وألقوه فيها، ونجاه الله منها بعد أن أمرها بأن تكون برداً وسلاماً على نبيه، فإن الكتاب المقدس لا يذكر تلك القصة مطلقاً كما لا يتعرض من قريب أو بعيد لمسألة تحطيم إبراهيم للأصنام. أما النقطة الثالثة، فهي تلك المختصة بذكر تفاصيل رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل في شبه الجزيرة العربية، وعلاقته بهما بعد ذلك، فبينما لا يذكر سفر التكوين أي معلومات عن اشتراك إبراهيم في تلك الرحلة، ويكتفي بالتأكيد على أن خليل الله قد ترك جاريته وابنه ليواجها المصير المجهول في الصحراء المقفرة، فإن القرآن يؤكد على أن إبراهيم قد اهتم بتدبير مكان مناسب لإقامة أهله. كما يورد أنّه كان دائم الدعاء للاطمئنان عليهم، حتى ورد في الآية 37 من سورة إبراهيم، "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"، كما أن القرآن يؤكد على أن إبراهيم قد زار ابنه بعدما كبر في السن وأصبح شاباً يافعاً، وأن الأب والابن قد اشتركا مع بعهما البعض في إعادة بناء الكعبة وتعمير بيت الله الحرام في مكة.  

النبي إبراهيم في المخيلة الفكرية والشعبية

من المؤكد أن شخصية النبي إبراهيم قد أثرت تأثيراً قوياً وعظيماً في الأديان التوحيدية الثلاثة، للدرجة التي جعلت اسم الأديان الإبراهيمية هو أحد أشهر الأسماء الذي يُطلق على كل من اليهودية، المسيحية، والإسلام. ولكن من الغريب أن هناك العديد من التأثيرات وأوجه التقارب التي ربطت ما بين قصة النبي إبراهيم من جهة، وأنساق دينية وثقافية وشعبية مختلفة من جهة أخرى. فإذا ولينا وجوهنا شطر المشرق، لوجدنا أن هناك الكثير من أوجه الشبه ما بين قصة إبراهيم، وبعض الشخصيات المقدسة في الديانة الهندوسية المنتشرة في بلاد الهند وجنوب شرق أسيا. من تلك التشابهات، التشابه اللفظي، ما بين اسمي النبي إبراهيم وزوجته السيدة سارة في النصوص الدينية السماوية واسمي الإله براهما وزوجته الإلهة سارسواتي في النصوص الهندوسية، وهو التشابه الذي حدا بالباحث السعودي الدكتور فالح الشبيب العجمي، لدراسة ما يتوافر عن المعتقدات الهندوسية والإبراهيمية في كتابه المعنون بصحف إبراهيم، ليخرج برأي ختامي، يعتقد أن الشخصيات الرئيسة في الديانتين إنما هم شخصيات واحدة، وأن براهما الهندوسي ليس أكثر من تجلي لأصداء النبي إبراهيم. شخصية النبي إبراهيم، كان لها حضور مؤثر أيضاً على صعيد دراسة الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، حيث اعتاد الفلاسفة المسلمون على الاستشهاد بالقواعد التي سار عليها إبراهيم للوصول لمعرفة الخالق، وكيف أنه قد اتبع طريقة علمية في محاججة النمرود، عندما طالبه بأن تطلع الشمس من المغرب بدلاً من طلوعها المعتاد من المشرق، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الباحثين المعاصرين قد ربطوا ما بين شك إبراهيم الوارد ذكره في القرآن من ناحية وأصول الشك الديكارتي الفلسفي من جهة أخرى. قصة ذبح إبراهيم لابنه أيضاً، كانت من القصص التي أثارت جدلاً كبيراً ما بين الفلاسفة الغربيين على وجه التحديد، حيث عمل هؤلاء على مقاربة تلك القصة وتناولها في سياق أخلاقي، وناقشوا تفاصيلها في مجال المقارنة ما بين الدين والأخلاق، وكان من أهم من ناقشوا تلك القصة وتأثروا بها، كل من القديس أوغسطين وکانط وهيغل وسارتر وجاك دريدا. التوحيد المطلق كان أيضاً من أهم تجليات شخصية النبي إبراهيم في الثقافة الشعبية، للدرجة التي التفت معها الباحث عبد الله خليل في موسوعته عن الأدب العالمي، إلى أن كتاب القصص الفلكلوري قد درجوا على استحداث واختلاق علاقات تربط ما بين النبي إبراهيم من جهة وأبطال قصصهم من جهة أخرى، بغية رفع مقام هؤلاء الأبطال ووسمهم بسمات التوحيد والإيمان المطلقين. وكذلك كانت قصة نجاة إبراهيم من النار، من القصص التي قُدر لها أن تلقى رواجاً وذيوعاً على مر القرون، بحيث تمت زيادة تفصيلاتها بشكل كبير، إلى الحد الذي انتشرت معه بعض القصص المصاحبة لها، مثل النهي عن قتل الضفدع والأمر بقتل الوزغ، لكون الأول كان يعمل على إطفاء النار أما الثاني فكان يرمي فيها بالحطب لزيادة اشعالها.   رصيف22


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية