مشروع مجتمعي غيَّر حياة لاجئ سوري
حينما بدأت مرحلة الماجستير طُلِب أن أحدد مجال ممارسة تطبيقية للنظريات والمفاهيم والبحوث، كنت في حيرة ما بين مجال خبرتي العملية في إدارة المؤتمرات أو اهتمامي الجديد بريادة الأعمال المجتمعية، ولأنني لطالما آمنت أننا بالتبرع المالي والعمل التطوعي في بعض الحالات الاجتماعية لا نحل المشكلة من جذورها، بل نزيدها تفاقماً وآثاراً سلبية، وأن الحل هو إيجاد طرق لخلق تغيير مجتمعي مستدام، تُحول الفرد صاحب المشكلة من باحث ومُتلقٍّ للمال والمعونات إلى فرد عامل فعَّال مستقل؛ لهذا اخترت المجال الذي يتطلب التفكير بحلول إبداعية ومبادرة لأهداف إنسانية واجتماعية.
ومن خلال بحثي فوجئت جداً بقصص وتجارب لمشاريع مجتمعية للاجئين السوريين، وكيف تعاون مبادِرون ورواد أعمال من دول مختلفة لإيجاد فرص عمل لهؤلاء اللاجئين وتسهيل اندماجهم في المجتمعات والثقافات المختلفة للدول المستضيفة، وكيف اجتهد السوريون أنفسهم في إعادة بناء حياة جديدة من نقطة الصفر، بمواجهة عوائق السياسات والتشريعات واللغة والثقافة الدينية والبيئة الاجتماعية، والتأثير الإيجابي خفَّض نسبة القضايا المجتمعية كالبطالة والفقر والجريمة لهؤلاء اللاجئين الذين غادروا بلدهم قسراً بسبب الحرب.
سأسرد هُنا مشاريع ريادة أعمال مجتمعية، رأى مؤسسوها فرصاً وإمكانيات في المشكلات وبدافع اجتماعي صمم مشروعاً بقالب جديد من التقليدي للعمل الريادي أو التجاري والعمل الخيري إلى قالب عمل واحد مُبتكر يجمع بين الربح والتغيير المجتمعي لمعالجة وحل المشكلة وإنشاء نظام جديد ومختلف ويساعد على الاستقرار والسلام للمستفيدين منه.
(نتكلم - NaTakallam)
بدأت الفكرة حين أرادت إلين سارا، شابة لبنانية - أميركية تحسين لغتها العربية لممارسة العمل، بعد إنهاء درجة الماجستير في الشؤون الدولية بكولومبيا، وتفاجأت بالرسوم المرتفعة للدروس الخصوصية لتعليم اللغة، وفي نفس الوقت شاهدت الكثير من اللاجئين السوريين في لبنان ولاحظت طلاقة لغتهم العربية، فأنشأت منصة إلكترونية (نتكلم) لدروس تعليم وممارسة المحادثة باللغة العربية عبر برنامج سكايب، من خلال تواصل الطلاب الأجانب من أنحاء العالم بأسعار معقولة وأوقات مرنة مع الناطقين بها معلمين من الشباب السوري اللاجئ في لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر، وأيضاً ألمانيا والبرازيل، تمت مشاركة المنصة 5000 مرة منذ انطلاقتها، وما زال الطلب في ازدياد، خاصة من طلاب الجامعات، وتوجه تعلم اللهجة العامية أو المحلية لبعض المناطق العربية.
هدف المشروع ربحي يعالج مشكلة مجتمعية غالباً يتم تركها للجمعيات الخيرية، بتوفير فرص عمل مربحة للشباب السوري، بدلاً من اتجاههم للجريمة وشعورهم بالاكتئاب، أو مخاطرة هجرتهم إلى الدول الأوروبية ومواجهة تحديات جديدة.
رسوم المحادثة التعليمية والدروس 15 دولاراً للساعة، منها 10 دولارات للمعلم و5 دولارات للمشروع للمصروفات التشغيلية كصيانة الموقع، والجميل أن هؤلاء الطلاب يعرفون أنهم يقدمون لأنفسهم فرصة للتعلم، وأيضاً منحة للمعلم الذي دمرت الحرب حياته لمساعدته بطريقة بسيطة.
حصل المشروع على دعم جامعة كولومبيا للمشاريع الناشئة، ودعم مالي من منافسة منتدى MIT لمشاريع اللاجئين وتكريم من البنك الدولي، وشراكات مع منظمات غير ربحية في لبنان.
غيث أحد معلمي اللغة العربية في منصة نتكلم، كان له حوار مع محطة راديو عالمية بمقهى في بيروت يقول:
قبل عدة أشهر كنت أصارع مثل غيري البالغ عددنا أكثر من مليون لاجئ للبقاء حياً في لبنان؛ حيث إنه غير مسموح لنا بالعمل رسمياً، لكن الآن بواسطة جهاز لابتوب واتصال إنترنت ببرنامج سكايب أنا أعمل ضمن مشروع نتكلم وبانتظار اتصال من المكسيك من طالبة لتوجيهها لإتقان كلمات وألحان أغنية سورية. كما لديَّ 30 طالباً من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وباكستان، وقد أصبح معظمهم أصدقائي، وفي أفضل شهر أربح 500 دولار، يقول غيث إن منصة نتكلم منحتني "نافذة على العالم".
(شاي الياسمين - SuraiTea Inc)
صاحب المشروع كيفن سمايلي، مواطن كندي طالب ماجستير في إدارة الأعمال ومتخصص في الهندسة، آمن بالريادة المجتمعية كعمل تجاري مستدام لخلق فرص عمل للشباب السوريين، ولمساعدة الدولة في جهود إعادة توطين هؤلاء اللاجئين لإحداث تغيير اجتماعي إيجابي.
المشروع هو شركة اجتماعية ناشئة تدير متجراً إلكتروني يبيع أنواعاً من شاي الياسمين العضوي المجهز والمغلف بأيدي الكنديين الجدد القادمين من سوريا، كما يسميهم، كموظفين للمرة الأولى في كندا، اختار هذا النوع تيمناً بزهرة الياسمين التي تشتهر بها سوريا وعاصمتها دمشق التي يطلق عليها مدينة الياسمين.
المساعد التنفيذي للمشروع اسمه حسام، لاجئ سوري ترك دراسته الجامعية في تخصص المالية قبل إنهاء السنة النهائية، من لبنان أتى إلى كندا بعد مشقة في فبراير/شباط 2016 وعمل على تطوير لغته الإنكليزية مع خبرته في خدمة العملاء والمبيعات، يعيش حالياً مع عمه وقد حصل أخيراً على معادلة جامعية؛ ليكمل دراسته في جامعة كندية.
أيضاً علاء شاب سوري بدأ وظيفته الأولى في تغليف شاي الياسمين، وبمساعدة من المنظمات المجتمعية تعلم اللغة الإنكليزية والفرنسية خلال 6 أشهر، وحالياً يعمل في وظيفتين مختلفتين، كموظف مبيعات معهم وشيف في مطعم، بالإضافة إلى أنه موسيقي ومغنٍّ موهوب أسس مجموعة ترفيهية صغيرة تعمل في أوتاوا.
فاز مشروع شاي الياسمين مؤخراً بجائزة أفضل تأثير مجتمعي في أوتاوا لعام 2016، كما حصلوا على مساحة مكتبية كبيرة مجانية لمدة سنة لزيادة قدرتهم وإمكانيتهم في استخدام العمل كقوة لعمل الخير.
مشروع (توظيف المهاجرين - (MigrantHire
السوري حسين شاكر ترك كغيره دراسته الجامعية، وصل إلى ألمانيا وكل ما يملكه هو خبرة في تقنية المعلومات ولغة إنكليزية، وليحصل على عمل حاول تعلم اللغة الألمانية، لكنه اكتشف أنه يحتاج لوقت طويل لإتقانها، مما يعني فترة طويلة دون دخل مادي، ثم حصل على وظيفة جزئية في خدمة العملاء باللغة العربية كانت مملة ولم ترضِ طموحه، وبالمصادفة تعرف على رائد أعمال نرويجي في برلين وحكى مشكلته، فتعاونا بمشاركة مواطنين ألمانيين لتأسيس مشروع توظيف المهاجرين السوريين العاطلين الذين لديهم خبرة في تقنية المعلومات.
المشروع هو موقع توظيف إلكتروني لربط الباحثين عن عمل بالشركات، بحيث يسجل اللاجئ سيرته الذاتية ويعمل فريق العمل على فلترة المتقدمين حسب إجادتهم للغات العربية والإنكليزية والألمانية، والتواصل مع شركات تقنية المعلومات -خاصة العالمية التي تدير أعمالها بالإنكليزية- لإيجاد شواغر وظيفية، ثم تأهيل المتقدم وتدريبه على المقابلات الشخصية وتعريفه بأنظمة وبيئة العمل، ثم متابعة الجهات الحكومية لإصدار تصريح عمل رسمي.
(الحرفيون السوريون - The Artisans of Syria)
أسسته منظمة كندية غير ربحية لمشاريع توظيف اللاجئين، يعمل المشروع على جمع مجموعة من النساء السوريات الموهوبات والماهرات في الحرف اليدوية لمساعدتهن على تصميم وصنع منتوجات تقليدية سورية وابتكار جديدة، في مكان واحد وبتكاليف مشتركة، بحيث تحصل السيدة على إيراد مبيعات منتجاتها مباشرة بعد خصم تكاليف المواد الخام فقط، هو فرصة عمل حرة ومنتجة للأمهات والشابات السوريات في موطنهن الجديد في كندا، ويهدف لتمكينهن من بناء حياة بأساسيات معيشة رئيسية لهن ولعوائلهن، وبالتالي يسهل اندماجهم في المجتمع الكندي.
وما زال هناك الكثير من المشاريع المجتمعية للاجئين، بدأت بأفكار صغيرة وأعمال بسيطة بأسلوب مبتكر وأحدثت تغييراً وتأثيراً مجتمعياً غير متوقع. وينقصنا كعرب أن ينقلها لنا الإعلام العربي بدلاً عن الحكايات والأخبار المأساوية، وأن نثِق بأفكارنا، ونبادر بمشاريع مجتمعية مبتكرة، وأن نكون أكثر إحساناً مع المجتمع والعالم، كما يقول الله الرحمن: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ".
هافنغتون بوست