أطفال مستنزفون بالعمالة رغماً عنهم ومستقبلهم مجهول.. فهل من منقذ؟؟
بت أربط وجودها عند مدخل سوق الموبايلات بالنهارات ذات المردودية الجيدة، لا أدري لماذا تعلقت بذاك الوجه!، كبرت على مَرْ السنتين الماضيتين، كانت تتنقل في محيط شارع الثورة، تتنوع بضاعتها، لكن المعروك كان الأحب إلى قلبها، لا تفضل الحديث كثيراً مع الزبائن، هي فقط ابتسامة تنم عن خجل.
تفتق جسدها مؤخراً عن معالمها الأنثوية، لكن ابنة الرابعة عشر تدفن جسدها تحت عدد من طبقات الملابس.
من المعيل؟؟
توفي والد ريم (كما أرادت أن تسمي نفسها) قبل عامين، وهي أكبر إخوتها، مما اضطرها للعمل إلى جانب والدتها كي تؤمنا الطعام وإجار المنزل في منطقة كشكول.
لا تتكلم ريم كثيراً مع الزبائن خوفاً من صاحب الرزق الذي يراقبها من بعيد كما بقية الأطفال، عليها أن تبيع ثلاث صوانِ من المعروك وبذلك تنتهي ورديتها وتعود إلى منزلها.
عندما سألتها إن كانت تريد العودة إلى الدراسة، «تلبكت» قليلاً وابتسمت تلك الابتسامة التي تحمل الخيبة والرغبة في الحياة معاً، فهي ترغب بالعودة إلى المدرسة لكن من سيعيل أسرتها؟.
واقع وتقديرات!
مفرزات الحرب والأزمة، وتداعياتها على المستوى الاقتصادي الاجتماعي والمعاشي اليومي، كان لها الدور الأكبر، بارتفاع نسبة عمالة الأطفال في البلاد، خاصة بظل التراخي الحكومي عن معالجة الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، والتي تتزايد بفعل السياسات الحكومية المفقرة، لعموم المواطنين أصلاً.
تشير التقديرات الصادرة عن اليونيسيف، إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، وحوالي 16 في المائة من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال.
وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون، ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في أنحاء العالم جميعها.
على الرغم من أنّ الأرقام الإجمالية تشير إلى أن الفتيان المنخرطين في عمالة الأطفال أكثر من الفتيات، إلا أن العديد من أنواع الأعمال التي تنخرط فيها الفتيات غير واضحة للعيان.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 90 في المائة من الأطفال الذين يعملون في المنازل هم من الفتيات.
عمالة منظمة
ينتشر عدد كبير من الأطفال ضمن حدائق مدينة دمشق وشوارعها الرئيسية، ويقول أحد الناشطين في مجال رعاية الأطفال، فضل عدم ذكر اسمه: «نحن عبارة عن مبادرة تطوعية، تعنى بالأطفال الذين يعملون في التسول، ومن خلال عملنا الذي مضى عليه قرابة السنة ضمن مدينة دمشق، وجدنا أن عدداً من الأطفال العاملين في التسول أو بيع المحارم والبسكويت على الطرق وشارات المرور ينتقلون من أماكنهم على شكل جماعات وليس أفراد، أي أن هناك من ينظم عملهم وأماكن العمل، لا يعطي عدد كبير من الأطفال تفاصيل عن عملهم، بعضهم لا يدرك ماهية عمله، أو خطورته لأنه وجد نفسه منذ صغره يعمل وعائلته في هذا المجال، أي أن التسول بات أسلوب حياته».
تحرش وبرامج غير مجدية؟
لا تخفي نجوى (طالبة حقوق في جامعة دمشق) خوفها من ارتفاع حالات التحرش الجنسي، الذي تلاحظه على الأطفال الوافدين إلى مركز الرعاية الذي تعمل فيه كمتطوعة، وتقول: «نقوم بجمع عدد من الأطفال بين سن السادسة والرابعة عشر من عمرهم، فتيات وفتيان من عدد من الحدائق المنتشرة في دمشق ونلعب معهم ونطعمهم ونعطيهم بعض المعلومات البسيطة في الكتابة والرياضيات. لكننا بتنا نلاحظ وجود علامات للتحرش الجنسي على جسد إحدى الفتيات التي لم تبلغ الثمان سنوات من عمرها، فأحضرنا مختصة نفسية للحديث معها، واتضح أن والدة الفتاة تقوم بدفعها لعرض جسدها للفتيان من عمر السابعة عشر وما فوق مقابل النقود، وعندما أبلغنا الجهات المختصة بالواقعة تفاجأنا باختفاء البنت ومن معها من الحديقة، وقال لنا بعض الأطفال أن الفتاة ووالدتها وأختها اختفين دون سابق انذار».
تتابع نجوى: «هذه لم تكن الحالة الوحيدة مع الأسف التي رصدناها، فهناك حالات لفتيان تعرضوا للتحرش الجنسي، وبعضهم يمارس الجنس مع رجال أكبر منهم لقاء مبالغ مالية، ولكن مع الأسف، عندما أرسلناهم إلى الإصلاحية لم نلاحظ تحسناً لحالتهم بعد خروجهم، بل كان هناك تراجع وإقدام على هذا الأمر أكثر من قبل دخول الإصلاحيات! وذلك بسبب البرامج وطريقة تعامل القائمين على الإصلاحيات مع الأطفال!».
غياب الأب والمعيل!
تحول عدد من الأطفال السوريين بسبب الحرب الدائرة منذ ست سنوات إلى المعيل الوحيد لعائلاتهم، فأصبح العمل فرضاً واجباً عليهم، فمنهم من يعمل بالباطون، ومنهم من يعمل بالدهان، أو بورش تصنيع المنظفات، أو بالميكانيك، وغيرها مما يتاح من فرص بسوق عمل لا يرحم.
تعمل أم زياد في تصنيع اللبن وبيعه للجيران، لكن الربح الذي يعود به هذا العمل على العائلة لا يسد سوى جزء بسيط من احتياجاتهم، حيث لا يوجد أي دخل ثابت يساعد على مصاعب الحياة.
تقول أم زياد: «أرسلت أبنائي الثلاثة للعمل، ففي الصيف الجميع يعمل ولكن في الشتاء تتراجع الأعمال ليبقى ابني الذي أتم إحدى عشرة سنة من عمره المعيل الوحيد لنا جراء عمله لدى ميكانيكي الحي».
وتضيف أم زياد: «أحس بألم فظيع عند عودته الى المنزل وملابسه ملطخة بالشحم، والجروح تملأ يديه، لكني لا أملك خياراً، فنحن لا نتلقى أية مساعدة سوى كرتونة المعونات التي نحصل عليها مرة كل ثلاثة أشهر، سجلت لدى عدد من الجمعيات كي أحصل على مبالغ بسيطة تساعدني وعائلتي في ًإكمال حياتنا، وكي أرسل أبنائي إلى المدرسة، لكني لم احصل سوى على ساعات طويلة من الانتظار، ومبالغ زهيدة في بعض الأحيان، ووعوداً بأن الجمعيات ستساعدنا لتبقى الوعود وعوداً فقط».
الرسمي حاضر إعلامياً فقط!
في تصريح سابق لمعاون وزير العمل قال: «الوزارة غير قادرة على تحديد نسبة عمالة الأطفال في سورية ولا مكتب الإحصاء، ولفت إلى أن الوزارة عاجزة بهذا الظرف أن تقوم بمسح لعمالة الأطفال».
وفي ورشة عمل أقامتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال قال عميد المعهد العالي للدراسات السكانية والاجتماعية: «إن نسبة عمالة الأطفال في سورية ارتفعت خلال الأزمة إلى حوالي 49%، وان نصف الأسر السورية في دول الجوار تعتمد في معيشتها على دخل أبنائها الأطفال».
وفي تصريح لرئيسة دائرة الأسرة والطفولة في وزارة الشؤون قالت: «نتيجة الأحداث الراهنة تغيرت ظروف وبنية الأسرة السورية، وأصبح هناك ما يسمى الطفل المعيل لأسرته، مشيرةً إلى أن أهم أسباب ظاهرة عمالة الأطفال هو الفقر والتفكك الأسري، وكذلك غياب رب الأسرة أو المعيل الأساس لها لسبب أو لآخر، لذلك لا نستطيع أن نضع القيود الكبيرة على عمالة الأطفال، بل نعمل على تمكين الطفل وبما يتناسب مع قدراته الجسدية والعقلية!».
أخيراً، لابد من الإشارة إلى أنه من المفروض، أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتنفيذ الخطط الحكومية المتعلقة بعمل الأطفال، وقد صرحت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤخراً: «إن التصدي لعمل الأطفال أحد أبرز أولويات الوزارة، من أجل حمايتهم وتعزيز نمائهم السليم، حيث إن الأزمة انعكست سلباً على المجتمع نتيجة وجود عوز اجتماعي حقيقي أدى لوجود متسولين ليس لديهم مأوى أو شخص يرعاهم لذلك امتهنوا التسول ليسدوا رمق العيش وأصبح لدينا مشغلون لهذه الطفولة البريئة».
وحول خطة الوزارة قالت الوزيرة: «تم العمل على صياغة خطة وطنية لمكافحة عمل الأطفال تقوم على محاور ثلاثة هي الوقاية والحماية/ والمعالجة من خلال التدخلات البرامجية/ وبناء القدرات والتوعية مضيفةً: إن هذا المنهج التكاملي يوفر شموليةً في التصدي للظاهرة بالتعاون والتنسيق بين وزارات التربية والأوقاف والداخلية والعدل و مؤسسات القطاع الأهلي والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان».
والنتيجة!!
لنصل لنتيجة مفادها: أنه لا يوجد برامج دعم مالي مباشر للعائلات السورية المتضررة من الحرب والأزمة وتداعيتها، تُحدُّ من خلالها من عمالة الأطفال بوصفهم معيلين لأسرهم، وتفسح المجال أمامهم لمتابعة التعليم باعتباره حق لا يجب التخلي عنه، وفق خطط حكومية عامة جوهرها تأمين فرص حقيقية لممارسة هذا الحق، باعتبار الطفولة هي المستقبل.
حيث إن جُلّ ما يتم توفيره، من قبل الجهات العامة أو من قبل الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية، هو بعض التعويضات لحالات خاصة، كالأشخاص ذوي الإعاقات أو عائلات الشهداء، وحتى هذه التعويضات تبقى تعويضات زهيدةً ولا يحصل عليها المستهدفون جميعهم.
لنختم بما ورد في أحد تقارير اليونيسيف: «إن عمالة الأطفال تعزز دورات الفقر بين الأجيال، وتقوض الاقتصادات الوطنية، وتعرقل التقدّم باتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية. كما أن عمالة الأطفال ليست سبباً فقط، ولكنها أيضاً نتيجة لعدم المساواة الاجتماعية، التي يعززها التمييز. فالأطفال هم أكثر عرضةً للتسرب من التعليم للعمل».
"قاسيون"