بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

الهوية الملتبسة..وأسئلة الهوية المستقبلية!

الجمعة 06-01-2017 - نشر 8 سنة - 1190 قراءة

صاحبة الجلالة_ سومر صالح

يقول الفيلسوف الألمانيّ كارل ماركس "إنّ المجتمعات المحتقنة اجتماعيّاً و المأزومة بنيويّاً, مرشّحةً أكثر من سواها للتشظّي السيسولوجيّ و التذرّر  الإنثروبولجيّ و التصدّع السيكيولوجيّ, حين تواجهها أزمةٌ سياسيّةٌ عاصفةٌ أو يداهمها منعطفٌ تاريخيٌّ حادّ, كما الحال السوريّ المستجد, وما أصاب المجتمع من استقطابٍ طائفيٍّ و تصالبٍ قبليّ وتقاطبٍ جهويّ, أدّى إلى التباس في مفهوم الهويّة السّوريّة عمّا كان سائداً قبل وقوع "الأزمة السّورية" الذي كان يبدو أكثر قوةً وعمقاً ضمن أطٍر قوميةٍ واضحة, ولكن وبفعل محفزاتٍ إعلاميةٍ ودينيةٍ وسياسيةٍ خارجيةٍ تنشّطت الهويّات الكامنة والفرعيّة الموروثة عبر التاريخ المفعم بالجهل والتجهيل, وتراجع الانتماء إلى المستوى الجزئيّ –هنا لا يجوز التعميم حكماً- (العرقيّ والطائفيّ و القبليّ و العشائريّ) بفعل حدّة الاستقطاب الطائفيّ والمذهبيّ الناتج عن مفاعيل الأزمة السّوريّة, هذا التنشّط في الهويّات الفرعيّة داخل المجتمع أصاب حالة "الانتماء" إلى المحيط الإقليميّ بالالتباس أيضاً, "فالانتماء صفةٌ أصيلةٌ للهويّة", فتنازعت حالة الانتماء إلى المحيط الإقليميّ عدّة اتجاهاتٍ أساسيّةٍ:الانتماء الدينيّ بمعنى النظر إلى سورية باعتبارها جزءاًّ من "الأمّة الإسلاميّة" مع وجود تيارٍ يؤمن بالمنظومة الاسلاموية بمعنى "دولة الخلافة", و الانتماء القوميّ: بمعنى النظر إلى سورية باعتبارها جزءاً من الأمّة العربيّة أو "الوطن السوريّ الكبير", وتداخلت حالات الالتباس السابقة بل والاشتباك على المستويين السياسي والفكري ولاحقاً العسكري في مواجهة الفكر الظلامي القاعدة/الداعشي وملحقاته, مع توجّهات المكوّن الكرديّ في المجتمع السوريّ فانقسم الأكراد بين عدّة اتّجاهات :هويّةٌ كرديّةٌ وطنيّة, هويّةٌ كرديّةٌ قوميّةٌ انفصاليّةٌ, مكونٌ وطنيّ سوريّ.

لا يزال "الحدث" في سورية مستمرّاً، و من المتوقع استمراره على المدى المتوسط نتيجة الاستثمار الأمريكي في الإرهاب حتى يتثنى تصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأميركية, وينبثق عن هذه النتيجة أنّ الصراع في سورية بدأ يأخذ شكل الصراعات الاجتماعيّة الممتدّة، والذي يتّسم بالاستمرارية والامتداد خلال فترةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ وتتّسم تفاعلاته العدائيّة بالكثافة والانتشار داخل المجتمع وبعمق مسبّباتها وتستعصي على الحل السريع بمعنى: غياب نقطةٍ زمنيّةٍ محدّدة لإنهاء الصراع.... 

وبالتالي هويّة المجتمع السوريّ  الجديدة مازالت كالهيولى تحوي كلّ العناصر، لكنّ الشكل الذي سينبثق عنها، سيكون محكوماً بالاتّجاه الذي ستذهب إليه البلاد مع تطوّر مجريات الحدث، وهنا سيكون إشكال الهويّة سيفاً ذا حدّين؛ فإمّا إلى التذرّر والذي سيكون نتيجةً للصراعِ طويل الأمد والاقتتال في سبيل وضع الحدود والضوابط لهويّاتٍ منبثقةٍ عن الهويّة السوريّة وما مشاريع "الأقلمة والمناطق الذاتية للحكم" إلا ينابيع تغذي هذا الاتجاه حكماً، وتنتج غالباً هويّات ما قبلَ وطنيّة  لا تمتلك القدرة بذاتها على أن تخرجَ عن منطق العشيرة كآليّة عمل،  أو التوافق على تمكين هويّةٍ سوريّةٍ جامعةٍ ضمن حدود الدولة السوريّة الحاليّة عبر توافقاتٍ من قبل شرائح المجتمع كلّها، و إنشاء عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ مترافقٍ مع إرادةٍ واعيةٍ من قبل السّوريّين في تجذير هويّةٍ وطنيّةٍ سوريّة مبتغاة.., لكنّ هذا لن يتمَّ قبل إيقاف رحى الحرب الدائرة على سورية والتوافق على تسويةٍ ما تضمن حضور كلِّ مكونات المجتمع السّوريّ...

وفي سياق جهودٍ فكريةٍ سوريةٍ لإنتاج إطار عام لهويةٍ سوريةٍ جامعةٍ تجدر الإشارة إلى أنّ التطبيق العمليّ لمقولة وافتراض أنّ الإسلام كدين هو الحامل الثقافي للعروبة كقومية, قادت إلى تدين السياسية وتسييس الدين, وأعتقد أن التصحيح يكون في اعتبار (الإسلام كثقافة هو الحاضن الأساسيّ للعروبة كثقافة) أمّا حاملها السياسيّ فيفترض أن يكون علمانيّ الطريق/ديموقراطيّ النهج...وحاملها الاقتصادي محوره العدالة الاجتماعية.. فتصبح الهوية السورية هيّ هويةٌ أصليةٌ في مجتمع غالبيته مسلمة وعربية.. لا تلغي الانتماء القومي فهو امتداد طبيعي للبعض وبالأصل هي لا تعارضه هنا فقط ترتيبٌ في الأولويات, وتحفظ خصوصية البعض الآخر.. وتصبح المواطنة عنوان العلاقة عندما تنتقل هذه التوجهات إلى المؤسسات الحزبية والتيارات السياسية.

فالإسلام قوة روحية سامية عظيمة ودينٌ جامعٌ لما سبقه من رسائل سماوية.....فلماذا نقحم المقدس الديني في المكروه السياسيّ؟!

وأعتقد جازماً أنه إذا انتهت موجة التخريب تحت "مسمى الربيع" دون أن تنتج الدول العربية هوياتٍ متينةٍ ضمن أطرٍ وطنيةٍ تحافظ على الخصوصيات القطرية بدايةً, في سبيل بلوغ رؤية عربية جامعة لمستقبل العرب أنفسهم قد تتكرس ضمن هوية جامعة, فالأزمة القادمة لا محالة ستجعلنا كعربٍ أكبر مكونٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة بحكم تشظي الكيانات القطرية الحالية إلى عدد كبير من الدويلات العربية الصغيرة قد تساوي عدد طوائفهم و ربما قبائلهم وربما عشائرهم..


أخبار ذات صلة