عام (تَحْمية) آخر مضى!
في 2016، استهلك الاقتصاد الوطني عاماً آخر من (التَحْمية) كما تفضل حكوماتنا وصف ركوده المستمر وانكفائه الدفاعي، مستفيدة من ذلك في إشاعة الشعور بالتهيؤ استعداداً للانطلاق الذي لما يحصل بعد، فيما هي منهمكة بإنعاشه في غرفة التضميد ريثما يقضي اللـه أمراً.
أكثر ما تتجلى حالة الاقتصاد كما هي، لا كما في وهم التحمية، يعكسها القطاع المصرفي، ففي هذا العام أيضاً، استمرت المصارف على عجزها المزمن في منح ولو قرضاً إنتاجياً واحداً، خلا ما يقدمه المصرف الزراعي بشكل آلي من قروض تقليدية هي أقرب للاستدانة فيما بين الجيران والأصدقاء.
ركود البيئة الإنتاجية التي ما زالت تعتاش على التكيف بمن حضر، جرّت وراءها تقهقراً موازياً في التشغيل وانكساراً متزايداً في ميزان التجارة الخارجية وصل إلى حدود الميلان بزاوية 1/8 دون احتساب التهريب، لتتضاعف آلامه تبعاً لهيكليته المرتكزة إلى تصدير ما تيسّر من المنتجات الخام بعد انتزاعها من سلاسل القيمة.
ومع ترعرع التهريب إلى حدود أسطورية مستفيداً من شبكة حماية مباشرة شكّلها بعض التجار والمكافحين، أفضح المشهد الاقتصادي في كليته عن تقهقر في قيمة الليرة السورية وتدهور في قدرتها الشرائية تداعت حدته دافعة أمامها تقلصاً في الدعم الحكومي بالأسعار الحقيقية، وتراجعاً مقابلاً في قدرة ذوي الدخل المحدود ومن ضمنهم رجال القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي على تلبية الحدود الدنيا من احتياجاتهم المعيشية، قبل أن يسجل قطاع النقد استقراراً نسبياً خلال النصف الثاني من العام، دون أن ينعكس ذلك بشكل واضح على الأسعار التي ما زالت أسيرة المزاجية الشخصية لكل تاجر على حدة.
ومع استقرار التضخم عند حدوده العليا، بدأت التقرحات بالتمدد إلى قطاع المرافق، كالتأمين الصحي مثلاً، وسط صعوبة بالغة في معالجتها لأسباب موضوعية ذات علاقة بالتضاد الحاد ما بين الحلول التقليدية الممكنة ومحتويات الخزينة المتقهقرة، على حين تلوح في الأفق أفكار إصلاحية لبعضها تنذر بمزيد من الضغط على الشرائح الأكثر تضرراً من الحرب.
الفشل في تنمية الإنتاج الزراعي هو الآخر توارثته الحكومة الحالية عن سابقتها، ورغم النشاط الكبير في مجهودها اليومي لدفعه من حقل الشعارات إلى بيدر الواقع، فلا يزال أمامها شوط كبير للتغلب على معوقاته الموضوعية، وبالقياس إلى تجربتها في استجرار المواسم الإستراتيجية إلى حدود قياسية، وإلى نجاحها الباهت في تسويق المنتجات القليلة المتاحة كالحمضيات والتفاح وسواهما، يسهل التوقع بأن الخجل -وحده- هو ما يمنعها من إعادة تدوير الحجج الموروثة لسالفاتها في تبرير الأمر.
في المجمل، اقتصرت السياسات الاقتصادية الوطنية خلال العام (الحاضر- الماضي) على أدوات نقدية في ضبط المالية والاقتصاد، ودائما ما تم الأمر على حساب المواطنين وفي مقدمهم ذوو الدخل المحدود ممن وصلوا إلى حدود التمنع عن الاستجابة لأي ضغوط أخرى قد نُضطر لها في العام (الحاضر- القادم)، ما يجعل من إيفاء الحكومة بوعودها في استثمار انتصارات الجيش وتضحياته الغالية لإحياء ميادين الإنتاج وصناعة الحياة والأمل كما قال رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب قبل يومين، أمراً مصيرياً لا يحتمل الفشل، وفي الواقع، فهي قادرة على ذلك إن هي فعلت ما تقول لدرء منعكسات الحصار الاقتصادي عبر التعاون مع الأصدقاء والحلفاء والمضي في إطلاق مكونات الاقتصاد الوطني الصناعية والزراعية والتجارية بما فيها المشروعات الصغيرة وتنظيم قطاعات المياه والكهرباء والطاقة وفق أسس إستراتيجية، وتطبيب ما أمكن من شركات القطاع العام، وتظهير الدور المطلوب للقطاع المصرفي ومعالجة فساد ملف القروض المتعثرة تمهيداً لدفق التمويل في جسد العملية الإنتاجية الزراعية والصناعة والاستثمار التجاري وحصر الاستيراد في مستلزماتها.
وعلى التوازي، وبما لا يقل أهمية، يجب على الحكومة تثبيط جراثيم الفساد والأرباح الفاحشة والتهريب والاحتكار، ففي 2016، شهد السوريون عاماً اقتصادياً سيئاً آخر تلاطمته أمواج الحرب التي تشن عليهم كما القارب وسط (النوّ)، إلا أن ذلك لم يكن ليؤلمهم بالقدر الذي استطاعه إصرار البعض من ركابه على إحداث ثقب كبير في قعره.
الوطن