السفير الفرنسي السابق ميشيل رامبو: بشار الأسد أبداً حاضر ولا قدرة لأحد على تغييبه وله من الشعبية في بلده ما يتمنى الكثيرون أن يحلموا بمثلها
صاحبة الجلالة _ متابعة
ترجمة الأب إلياس زحلاوي
خلال هذه السنوات المتمادية في الطول، سنوات الضباب والجحيم، التي اجتازتها سورية، ما كانت الحياة لتكون، لولا الأمل؟
هنا، لنفكر أولاً بالشعب السوري، الذي تعرّض للاضطهاد وللإبادة العرقية، ولنفكّر بجيشه الوطني، الذي قدّر له أن يدفع مثل هذا الثمن الباهظ، في مواجهة العدوان البربري، الذي شنّه عليه فريق «أصدقائه»، ولنفكّر في مسؤولية الذين تصدّوا «للأسرة الدولية»، وهم يحملون بقوة سواعدهم، الدولة التي استهدفتها سياسة إجرامية.
سنفكّر أيضاً في الأصدقاء الذين دعموا وأيّدوا سورية الشرعية، وجميع الذين كانوا يحبّون فيها، المجتمع التعدّدي السموح الودود والراقي حضارياً، الذي كانوا يخشون اندثاره إلى الأبد.
صحيح أن الشعلة لم تنطفئ يوماً، إلا أنه كان يحق لأكثر الناس تفاؤلاً، أن يتساءلوا أحياناً، أو يرتابوا بشأن المستقبل، إزاء هجمات تحالف إسلامي إسرائيلي غربي، ترفده مئات المليارات من دولارات النفط، ويجتذب مقاتليه من بحر لا ينضب، من المرتزقة القادمين من مئة أفق!
سورية، هل سيكون بوسعها أن تصمد في وجه الوحوش المفترسة، التي أطلقتها قوى «محور الخير» الإمبريالية، الكبيرة منها والصغيرة أو المتوسطة، في وجه الجحافل المتوحشة، جحافل الجهاديين الديمقراطيين، والإرهابيين المعتدلين، والثوار الجبناء، الذين كانوا يتواعدون داخل «جيش حر»، يوجّهه ألدّ أعدائها، ويأتمر صاغراً بالإسلاميين وعرّابيهم؟
كما كانت حال جميع البلدان الغارقة في أوضاع مضطربة، عرفت سورية حتمية التخاذلات والخيانات والتواطؤات وأشكالاً من الفساد، كبيرة وصغيرة، إلا أن شعبها، بكل ما في هذه الكلمة من نبل، صمد بقوة، ومؤسّساتها ظلت صامدة، كما أن إداريّيها قد صمدوا.
لقد أتقنت الدولة السورية، بفضل مرونتها المدهشة، صنع حلفاء لها أقوياء، وعرفت أن تكسب وفاءهم: روسيا والصين من جهة، وإيران وحزب اللـه وحلفائه من جهة أخرى، ذلك كان الواقع الذي حال دون تكرار سيناريو العراق وليبيا واليمن في «بلاد الشام».
مع ذلك، لم يكن بوسع «الديمقراطيات الكبرى» إلا أن تظلّ عمياء وصمّاء، حيال هذه الوقائع المربكة والمزعجة، إذ كانت سورية، منذ نهاية الحرب الباردة، بلداً حُكِم عليه بالدمار والهلاك.
أما النُخب المنخرطة يوم ذاك في تيار المحافظين الجدد، فلم تجد خيراً من إخضاع «عقول الناس» لصخب إعلامي غير مسبوق، تزامن مع صمت مطبق، وغسل مذهل للأدمغة.
كان التوجه الرسمي في الغرب، حيال النزاع في سورية، قد اختزل جميع علومه وإعلامه في عبارة واحدة، أو عبارتَين باترتين، عكستا على نحو بائس، ذكاء حكامنا المحدود، ومحلّلينا ومفكّرينا، فجاء ذلك تعبيراً عن غطرسة الغربيّين العنيدة: «على بشار أن يرحل»، «لا مكان لبشار في مستقبل سورية»!
هنا تدخّلت «اللعنة السورية»، التي قُيّض لها أن تدين أصحاب القرار، وصانعي الرأي العام، وجميع الذين فوّتوا على أنفسهم فرص الاعتصام بالصمت، وإنها لطويلةٌ قائمة هؤلاء الشتّامين الذين كانوا يقذفون بشار الأسد، في سخرية، إلى «لاهاي» وموسكو وإلى باطن الأرض، أو إلى أمكنة أخرى، الذين كانوا يرسمون الخطط لكوكب سورية التائه، ويدبّجون لها مستقبلاً، لن يُكتب لهم أن يروه البتة.
كم كانوا كُثراً، الذين كرّروا التغريدة كالببغاوات طوال سنوات، قبل أن يقذف بهم ناخبوهم، والعناية الإلهية أو العدالة الذاتية، في مزابل التاريخ أو إلى منسيّاته، فإلى العدم يا جحافل المهرّجين والمجدّفين من «أصدقاء سورية»!
أما بشار الأسد، فهو أبداً حاضر، لا قدرة لأحد على تغييبه، وله من الشعبية في بلده، ما يتمنى الكثيرون أن يحلموا بمثلها.
وسورية، الماضية إلى انتصار أعلن «استحالته» العديد من أعدائها، بسبب قدراتهم غير المحدودة، سورية هذه واقفة، في حين أن الخلاف الناجم عن هزيمتهم، قد دبّ في صفوف مهاجميها، بينما الفوضى تستبدّ بهم.
ما من حاجة للإيمان بالسماء، لنسلّم بأن هناك «لعنة سورية» قد ضربت وتضرب أعداء هذه «الأرض المقدسة»، التي يحميها اللـه.
لا بد على كل حال، من الحديث عن بركة سورية، فإن ما يحدث الآن أمر منطقي وعادل، إلا أن النتيجة المتوقعة بعد الآن، من هذه الحرب الكونية، تشكّل معجزة ما وخصوصاً بالنسبة إلى الذين كانوا مؤمنين بالمستقبل.
هذا الانتصار، استحقّته سورية بكل جدارة، وأياً كانت أقوال العقول البائسة، فثمّة شعب رائع، وثمّة جيش استثنائي، ودعوني أتمادى في القول: إن كان ثمّة رجل دولة يستحق أن يعيش على وجه الأرض، فإنما هو هذا الرئيس الذي عرف أن يجسّد الأمل، وأن يظلّ وفياً لتحالفاته، وأن يقود بلده إلى النصر.
إن سورية قد ربحت الحرب، وفق جميع التقديرات، ويبقى عليها أن تربح السلم، إلا أن البلد المقدام الذي قاتل عنا، يملك بكل تأكيد جميع المقوّمات الضرورية، كي يتصدى بنجاح لهذا التحدي الجديد، فيحول دون تحوّل هذه الحرب إلى «حرب عبثية»، لا قدّر الله! وسيكون ذلك مكافأة تفوق الانتقام بما لا يقاس، وتعوّض تضحية الأعداد الهائلة ممّن دفعوا الثمن، من أموات وأحياء».