بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

الوجه الآخر للدولة العلية العثمانية بين القتل و التدمير و المجون

الاثنين 13-02-2017 - نشر 8 سنة - 7416 قراءة

قد لا يعجب البعض ما سوف نقرأ في الأسطر التالية عن الدولة العلية العثمانية، ولكن المرجو أن نقرأ بتؤدة وحيادية… في الزمن الماضي بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاث: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمال أفريقيا. وكان للدولة سيادة اسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءاً فعلياً من الدولة مع مرور الزمن، على حين حصل بعضها الآخر على نوع من الاستقلال الذاتي.

كانت تلك الدولة العثمانية عبارة عن «لمامة» من شعوب العالم، بمن فيهم سلاطينهم وأمراؤهم الذين أغلبيتهم أولاد زنا!، وقد قاموا باحتلال أجزاء واسعة من العالم، هذه الدولة كانت دولة قوية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.. ودامت لأكثر من 600 عام على القتل والدم والدسائس والمؤامرات.. ومع ذلك أطلق عليها العديد من ذوي الشأن الخلافة العثمانية، واعتبرت عند العديد من أصحاب الشأن أيضاً أنها الدولة الإسلامية التي فتحت العالم! وحتى مناهجنا الدراسية قبل عام واحد كانت تستخدم مصطلح الفتح العثماني أو الخلافة العثمانية! وغضت النظر عن القتل والتدمير في هذه الدولة وعن الفسق والمجون في أركانها، وعن الجواري والخصيان الذي كانوا يحكمون طوقها!؟ سنحاول هنا قراءة الوجه الآخر لهذه الدولة، وأنها دولة جوار وخصيان! يسودها القتل والدماء بلا رحمة ولا رحمة في كل أنحاء السلطنة رغم قوتها وجبروتها!

الجواري

يقولون إن الجارية هي كل امرأة سلبت أو نهبت في الحروب أو من قطاع الطرق أو من ولدت لأمة وعبد مملوك. وأغلبية جواري القصر العثماني كانت تأتي من اليونان وإيطاليا وألبانيا والنمسا وروسيا والقرم والبندقية، يتم شراؤهن من أسواق النخاسة، أو سبايا الحروب، أو هدايا من ملوك وأمراء ووزراء، وعدد قليل منهن يقدمهن أهلهن هدية للسلطان برضاهن، وأغلبهن فائقات في الجمال والحسن، وعادة ما تكون أعمارهن صغيرة عند دخولهن لقصر السلطان العثماني فتتراوح بين 14 و18 سنة، وهن لم يكن مسلمات. ويتم تقسيم مهامهن في القصر تبعاً للموهبة والجمال والثقافة، ومن تتمتع بقدر عال من الجمال والثقافة وحسن الحديث تكون من محظيات السلطان، والبقية يتم توزيعهن لخدمة سيدات القصر..

وعن دور الجواري في الدولة العثمانية يقول أحمد صبحي منصور في كتابة «في أروقة الحريم العثماني»: «تاريخ المسلمين في عصر الخلفاء غير الراشدين- في معظمه- كانت تصنعه الجواري اللاتي سيطرن على الخليفة والخلافة.. أولئك الخلفاء سلبوا النساء حريتهن وجعلوهن جواري فقامت الجواري بالتحكم فيمن سلبهن حريتهن، فأصبحت الجارية تسيطر على الخليفة أو السلطان سواء كانت أمه أم محظيته. وانتقمن بذلك ممن سلبهن حريتهن..».

وقد اشتُهر الكثير من أولئك الجواري الأوروبيات الأصل اللاتي كان لهن الدور في إدارة دفة السياسة والدسائس والمؤامرات والقتل في القصر العثماني، منهن خرم سلطانة سرية السلطان سليمان القانوني التي عرفها الأوروبيون باسم روكسلانا، التي اختطفها النخاسون من وسط أهلها في بلاد القوقاز، وهام بحبها السلطان، وخضع لها فاستمدت قوتها وسيطرتها من ضعفه وحين وصل السلطان إلى الشيخوخة أحكمت السيطرة علي قلبه وعقله فبلغ نفوذها الذروة، ووجهت البلاد على النحو الذي تريده، كل ذلك من مقصورتها التي أطلق عليها اسم «القفص»..

الخصيان

«الخصيان» هم فئة من الرجال منقطعي النسل.. إما لأنهم ولدوا من دون أعضاء تناسلية أو أعضاء معطلة، أو ممن أخضعوا إلى عملية خصاء متعمد لتعطيل طاقتهم الجنسية بهدف العمل داخل قصور السلاطين والتجّار ورجال الدولة.

ويخدم جزء من «المخصيين» في الدولة العلية العثمانية في دواوين الرجال، أو في قصور (الحرملك) ويطلق عليهم لقب (الآغوات).

كان الخصيان يحرسون دار الحريم ويقومون بإدارة الكثير من شؤونها. ومنذ مطلع القرن الخامس عشر، وحتى نهاية القرن السادس عشر، كان أغلب خصيان «الحرملك» من البيض، ومن أصول قوقازية، وأثناء حكم مراد الثالث استلم ثلاثة من الخصيان السود مناصب مهمة في «الحرملك». ومنذ ذلك الحين أخذت أعداد كبيرة منهم تدخل القصر العثماني، وكان رئيس «الخصيان» يتبوأ المركز الثالث في الدولة العثمانية بعد السلطان والصدر العظم ويعرف باسم (الكزلار آغا) أي أكبر موظفي القصر، وقد بلغ عدد الخصيان السود المستخدمين في حريم السلطان في القرن الثامن عشر 200 خصي، يضاف إليهم عدد آخر كان يقوم بالخدمة في قصور السلطان الأخرى وفي أجنحة الأميرات العازبات وقصور الأميرات المتزوجات، ويقول الدكتور عبد الكريم رافق في كتابة «العرب والعثمانيون» في عهد السلطان مراد الثالث ( 1574 – 1595 )» أصبح للخصيان السود اليد العليا في الدولة، وكان يؤتى بهم من السودان، بطريق مصر، ونظراً لازدياد نفوذ الكزلار آغا فقد دخل في صراع على السلطة مع الصدر الأعظم».

الحرملك العثماني

الحرملك العثماني يشبه مستعمرة صغيرة تتألف من عدد من البيوت والحدائق والساحات يسكنها نساء السلطان وجواريه وأولاده وخدمه، ولا يدخلها من الرجال سواه. وكأنّه مركز لمجون السّلاطين وملذاتهم.

عاش حريم السلطان العثماني داخل أجنحة الحريم «الحرملك» التي تحيطها الأسوار العالية والتي يتناوب على حراستها حراس من الخصيان السود يحتفظون بمفاتيح الأبواب ليل نهار. أما الجواري فقد عشن في الحرملك في عزلة تامة وسجن كامل لهن، ويمنعن من أي اتصال بالعالم الخارجي. وأجنحة الحريم العثماني تعد منطقة محرمة لا يسمح السلطان العثماني لأحد بالدخول أو مجرد الاقتراب منها أو النظر لسكانها، لا يدخلها إلا رجل واحد هو السلطان، إضافة للخصيان القائمين على الخدمة.

كان للسلطان العثماني مقصورة خاصة في «الحرملك» تحوى غرفة نومه وحماماً وقاعة استقبال كبيرة كان يؤدى فيها الصلاة! ويستقبل فيها قريباته المتزوجات. وعند زيارته لأجنحة الحريم كانت تصحبه (الكايا) وهى من كبرى الموظفات في الحريم السلطاني، ومن بين اختصاصاتها تنظيم الأوقات التي يقضيها السلطان مع الحريم بالليل أو النهار، وكان يطلق على هذه الزيارات خلوت همايون «أي الخلوة السلطانية».

ولكي يتم الإعلام بوصول السلطان فإنه كان يلبس صندلاً كي يحدث صوتا على الأرض المكسوة بالرخام. وكان من قواعد البروتوكول العثماني في أجنحة الحريم أن الحريم إذا فوجئت بوجود السلطان فلا ينبغي لإحداهن أن تنظر للسلطان، بل تغض بصرها وتنظر للأرض خشية وحياء. لقد كتبت «ميرال ألتون دال» على غلاف كتابها كتاب «الحرم السلطاني»: «عالم غريب يمتدّ من سلطان لديه 130 طفلاً إلى زوجات أعمارهن لا تتجاوز ثلاث سنوات… عند فتح الباب يتبيّن لك أن هناك من تزوج اثنتي عشرة مرة، وجواري سابحات في البحار، وأشباه رجال، ونساء عاشقات للنّساء… لا أعرف ماذا أقول، فعيناي قد أظلمت».

في البدء كان السلطان يتزوج من الحرائر مثنى وثلاث ورباع، وكان ذلك في عهد السلاطين السبع الأوائل ابتداء من السلطان عثمان الأول وانتهاء بالسلطان محمد الفاتح أي ما بين (1299- 1481) م. ولكن بعدها نبذ السلاطين العثمانيين الزواج من الحرائر وفضلوا عليهن الجواري الحسان، وكانوا ينجبون منهن من دون زواج الأمراء والسلاطين!؟ ليصبح السلاطين أبناء جوار ولا يتزوجون وينجبون سلاطين إلا من الجواري…!! وبات السلاطين لا يتزوجون ما داموا يملكون إماءهم (جواريهم) ويختارون منهن من شاؤوا للفراش.. ومن الجواري يُنجب الأمراء الذين يصبحون مستقبلاً سلاطين!!

ويقولون إن سبب عزف السلاطين عن الزواج حسب الشريعة الإسلامية مرده أن السلطان بايزيد الأول في أعقاب هزيمته أمام تيمورلنك، أخذت زوجته الجارية الصربية الأصل ماريا سبية لدى تيمورلنك الذي أجبرها على القيام بالخدمة خلال حفل انتصاره على زوجها وهي عارية من ملابسها ما أدى إلى وفاة زوجها كمداً، ومنذ ذاك الوقت لم يعد يتزوج السلاطين حتى لا يتعرضوا لإهانة مماثلة! وكسر هذا العرف سليمان القانوني عندما تزوج من الجارية روكسانة.. لقد كانت الجارية في قصور بني عثمان تستعمل لإنجاب أكبر عدد من البنين لتقوية الدولة والسلالة العثمانية! والزوجة التي تلد ابناً تفضل على التي تلد بنتاً..

القتل سمة تولي العرش العثماني

يحكى ويحكى الكثير عن قصص قتل الإخوة والأبناء والأحفاد لتولي العرش العثماني أو للحفاظ عليه أطول زمن ممكن، ودائما كانت بصمات الجواري واضحة في سفك الدم!

تعتبر مسألة قتل الإخوة بعضهم لبعضهم الآخر طمعاً في السلطة أحد أهم القضايا التي سادت في الحقبة العثمانية، وهي في ذاك الوقت مسألة عادية جداً بل تعتبر قانونية فقد أصدر السلطان محمد الفاتح مرسوماً تركياً جاء فيه: «إذا تيسرت السلطنة لأي ولد من أولادي فيكون مناسباً قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم، وقد أجاز هذا معظم العلماء، فيجب العمل به».

وبذلك يكون السلطان محمد الفاتح أول مجرم في التاريخ يفتي بقتل الإخوة وحتى الرضع منهم بلا ذنب ارتكبوه سوى كونهم إخوة السلطان!؟

كان السلطان يوم جلوسه على العرش يأمر بقتل إخوته! ويحكى أن السلطان أورخان قتل أخويه خليل وإبراهيم وابنه صاوجي بك، وأن السلطان سليمان القانوني قتل ابنه البكر «مصطفى»، والسلطان «يلدرم بايزيد» أعدم شقيقة «يعقوب» خنقاً في شهر رمضان، والسلطان «محمد جلبي» المعروف بـ«محمد الأول» قتل أخويه «عيسى جلبي» و«موسى جلبي»، والسلطان «بايزيد الثاني» ابن السلطان «الفاتح» قتل عمه «دوزمجه مصطفى»، والسلطان «سليم الأول» قتل أخويه الأمير «كوركود»، والأمير «أحمد»، والسلطان مراد الثالث قام بإعدام 5 من إخوته، والسلطان محمد الثالث ابن السلطان مراد الثالث، أمر بقتل 19 أخاً له و30 بنتاً! وبالإضافة لهذا قام بقتل ابنه الأمير «محمود»، والسلطان «محمد الفاتح» قتل أخاه الرضيع ذا الأشهر الستة، والسلطان عثمان بن أحمد خان قتل شقيقة الأمير محمد، والسلطان عثمان نفسه قتل لإزاحته عن السلطنة، والسلطان أحمد الثاني ابن إبراهيم قتل عام 1643 م، والسلطانة الجارية كوسم خلعت ابنها السلطان إبراهيم وأعدم بعد ذلك في عام 1648 م، والسلطان مصطفى الرابع أمر بقتل السلطان سليم وهو في السجن ومصطفى نفسه قتل أيضاً في السجن، والسلطان سليم الثالث ابن مصطفى الثالث قتل عام 1808 م، والسلطان عبد العزيز ابن السلطان محمود الثاني قتل بعد خلعه عام 1876م ولم يتردّد السلطان مراد، وهو على فراش الموت في معركة كوسوفو عام 1389م، بإصدار تعليماته، حسب الرواية الرسمية التركية، من أجل خنق نجله يعقوب حتى لا ينافس شقيقه بيازيد الأول في الحكم، ناهيك عن قطع رؤوس أصحاب المناصب العثمانية فمثلاً السلطان سليمان خان قطع رأس قائد الانكشارية فرحات باشا، والسلطان أحمد خان الأول قطع رأس الوزير الأعظم، والصدر الأعظم صوفي محمد باشا قتل خنقاً عام 1649 م، والصدر الأعظم أباضه يساوش باشا أعدم نحو عام 1650 م، والصدر الأعظم داما أبشير باشا أيضاً أعدم… إن سيرة القتل في السلطنة العثمانية ابتدأت منذ اللحظات الأولى من نشوئها، فيتحدث الكاتب والصحافي الشهير التركي شاتين ألطان، في كتابة «خفايا التاريخ»، عن الخلاف الذي نشب بعد وفاة أرطوغرول بين ابنه عثمان وعمه دوندار، وانتهى بقتل عثمان لعمه واستيلائه على الحكم

وتُبين المعلومات التركية، أن السلاطين العشرة الذين حكموا الدولة العثمانية بين عامي 1299 و1566 ميلادي قد قتلوا جميعاً أبناءهم أو أشقاءهم من دون أي رحمة من أجل السلطة، وقد استمرت هذه «العادة» في العائلة العثمانية حتى انتهاء الحكم العثماني عام 1922، حيث ارتكب جميع السلاطين وعددهم 36، باستثناء 9 منهم جرائم عائلية..

والجواري السلطانات اتبعن طريق السلاطين في قتل أبنائهن، فالسلطانة كوسم أزاحت ابنها السلطان «إبراهيم» من فوق العرش، وسلمته إلى الجلاد ليقتله وأعدم بعد عزله بـ10 أيام في 18 آب 1648م، كما حاولت قتل حفيدها «محمد الرابع» ذي السنوات العشر، وكانت مدة حكم كوسيم 37 عاماً، والسلطانة جوهرهان ابنة السلطانة كوسيم قتلت أبناء أخيها السلطان مراد الرابع، والسلطانة هرم أعدمت زوج السلطانة فاطمة «قرة أحمد باشا».. واستمر حكم الجواري في الدولة العلية العثمانية حتى انهارت..

في الخلاصة، إن الحقيقة المؤرخة تقول إن عدد الأمراء العثمانيين الذين قُتلوا على أيدي آبائهم وأشقائهم وأبنائهم قد وصل إلى 121، مقابل 44 رئيساً للوزراء «الصدر الأعظم» أعدمهم السلاطين العثمانيون. حقيقة يجب أن توضع أمام نصب عيني كل من يحلم بأمجاد الدولة العثمانية، ويعتبر أن نموذجها الحالي المثالي هو تركيا بقيادة العثمانيين الأصليين أردوغان – داوود أوغلو «حسب قول الكاتب والصحفي التركي شاتين ألطان».

هذا هو الوجه الآخر للدولة العلية العثمانية، فإذا كان قتل الأبناء والأحفاد والإخوة سم السلطنة، والجواري والخصيان يتدبرون شؤون الحكم، فترى كيف كان واقع شعوب السلطنة؟

الوطن


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية