هكذا يتجسسون عليك وأنتَ في منزلك من خلال التلفزيون
تتآكل الخصوصية تدريجاً بالنسبة لملايين البشر من مستخدمي التكنولوجيا الحديثة، ابتداء من الهاتف الذكي الذي يحدد مكان وجودك بشكل دقيق عبر تكنولوجيا الـ(GPS)، وليس انتهاء بالعديد من الأجهزة الالكترونية المتصلة بالانترنت داخل منزلك والتي يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى محطة للتجسس عليه بالصوت والصورة.
وكشفت مفوضية التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة، لأول مرة وبشكل رسمي، أن 11 مليون جهاز تلفزيون ذكي (Smart TV) تقوم بالتجسس على مستخدميها وهم لا يعلمون، في واحدة من أضخم عمليات الاختراق وانتهاك الخصوصية التي يتم تسجيلها في العالم منذ ظهور ثورة التكنولوجيا الحديثة.
وتعود أجهزة التلفزيون الـ11 مليون إلى شركة «فيزيو»، وهي واحدة من أشهر شركات التكنولوجيا الأمريكية وتتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها، كما أنها أحد أشهر منتجي أجهزة التلفزيون الذكية التي يمكن ربطها بالانترنت والتي تشهد رواجاً كبيراً على مستوى العالم.
واضطرت الشركة الأمريكية لدفع غرامة مالية قوامها 2.2 مليون دولار من أجل تسوية القضية المرفوعة ضدها أمام المفوضية الفيدرالية وأمام القضاء في ولاية نيوجيرسي، إلا أن جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية كشفت في تقرير لها اطلعت عليه «القدس العربي» أن شركة «فيزيو» كانت تجمع البيانات بشكل سري من المستخدمين عبر أجهزة التلفزيون الموجودة في منازلهم ومكاتبهم والمتصلة بالانترنت، ومن ثم تقوم ببيع البيانات التي تقوم بجمعها عن المستخدمين، بما فيها معلومات عن عاداتهم في المشاهدة، والمواد التي يترددون عليها لمشاهدتها على الانترنت، وذلك أماكن تواجد المستهلكين والتوزيع الديمغرافي لهم.
وانتهت المفوضية التجارية الفيدرالية، وهي هيئة أمريكية مستقلة، إلى التأكيد على أن شركة «فيزيو» وغيرها من الشركات المنتجة للتلفزيونات الذكية بمقدورها أن تجمع بيانات حساسة عن المستخدمين، وهي بيانات أكثر من تلك التي يقوم المستخدم ذاتها بإشراكها مع الآخرين.
ونقلت «واشنطن بوست» عن كيفين مورياريتي، وهو مدع عام حكومي تابع للهيئة الفيدرالية، إنه «قبل أن تقوم الشركة بسحب الكرسي والجلوس إلى جانبك والبدء بأخذ ملاحظات دقيقة عن كل شيء تقوم بمشاهدته على التلفزيون، ومن ثم بطبيعة الحال تقوم ببيع هذه المعلومات لشركائها، فانه كان يتوجب على الشركة أن تسأل المستخدم إذا كان موافقا على ذلك أم لا».
وأضاف: «شركة فيزيو لم تأخذ الموافقة من المستخدمين ولذلك فان مفوضية التجارة الفيدرالية اتخذت إجراء بحقها».
وهذه ليست المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن أن أجهزة التلفزيون الذكية يمكن أن تقوم بالتجسس على المستخدمين، إذ سبق أن أثيرت القضية ذاتها بخصوص شركة «سامسونغ»، وهي أحد أكبر وأشهر منتجي هذا النوع من التلفزيونات في العالم، حيث تبين بأن بمقدور الشركة أن تستخدم هذه الأجهزة المتصلة بالانترنت من أجل التجسس على المستخدمين وجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بهم.
وفوجئ ملايين المستخدمين لأجهزة تلفزيون «سامسونغ» في العام 2015 بكتيب الارشادات المرفق مع الأجهزة الذكية متضمناً تحذيراً من إمكانية استخدام التلفزيون في التجسس على مستخدمه.
ونصحت الشركة زبائنها بعدم التحدث في أمور شخصية أمام التلفزيونات الحديثة التي تصنعها عندما تكون خاصية إرسال الأوامر الصوتية مفتوحة.
وذكرت الشركة الكورية في بيان استعمال التلفزيونات أن المحادثات تُسجل وتُنقل إلى طرف ثالث، ولذلك فعلى مستخدم التلفزيون الانتباه والاحتياط!
ونصحت في تعليمات استخدام التلفزيونات الحديثة بإغلاق خاصية الأوامر الشخصية واستعمال جهاز التحكم عن بعد للتحكم في التلفزيون، خاصة عند الحديث عن «أشياء شخصية أو معلومات مهمة».
ولم تشر «سامسونغ» إلى هوية الطرف الثالث الذي قد يحتفظ بهذه التسجيلات ولأي أغراض قد تستخدم هذه الأسرار التي تم كشفها أمام «التلفزيون الجاسوس».
وبينما يمكن تحويل التلفزيون الذكي في منزل أي شخص إلى محطة للتجسس عليه في المنزل، فان الهاتف المحمول الذكي يمكن أن يتحول إلى جاسوس محمول ومتنقل مع الشخص أينما حل وارتحل.
وتمكن باحثون من جامعة الدنمارك للتكنولوجيا مؤخراً من ابتكار نظام الكتروني جديد يمكنه تتبع الأشخاص من خلال إشارات شبكات الـ«واي فاي» التي تلتقطها هواتفهم المحمولة، وهي إشارات ومعلومات تطلب الدخول عليها أغلب التطبيقات التي يتم تثبيتها على الهواتف المحمولة، ويوافق على ذلك مستخدمو هذه التطبيقات.
ويُتيح النظام الجديد تتبع شخص والتجسس عليه ومعرفة مكانه وتنقلاته بالضبط من خلال إشارات شبكات الانترنت المتوفرة في المكان والتي يقوم الجهاز بالتقاطها، كما يتيح أيضاً معرفة الأشخاص الذين يرافقون الشخص المستهدف بالمراقبة وذلك من خلال الذبذبات ذاتها التي تلتقطها هواتفهم المحمولة.
وتقول جريدة «دايلي ميل» البريطانية إن هذه التقنية الجديدة تكشف حجم «تآكل الخصوصية» الذي تسببت به الهواتف المحمولة الذكية، وكذلك كيف تلعب التطبيقات المثبتة على هواتفنا دوراً في الوصول إلى المعلومات التي تخص المستخدمين وصولاً إلى تتبعهم ورصدهم ومعرفة أماكن تواجدهم.
ويقول الباحثون الذين ابتكروا النظام الجديد في الدنمارك إن من الممكن أن يصبح الوسيلة الأحدث للتجسس على الأشخاص ومتابعتهم وانتهاك خصوصياتهم.
ومؤخراً تمكنت دراسة تكنولوجية من رصد أكثر من 100 تطبيق هاتفي من التطبيقات واسعة الانتشار تبين أنها ليست سوى أدوات ووسائل للتجسس على مستخدمي الهواتف المحمولة، ومعظم هذه التطبيقات يتعلق بالبطاريات ويعمل من أجل خفض استهلاك البطارية وإطالة أمد استخدامها على الهاتف، وهي في الحقيقة ليست سوى برامج تقوم بالدخول على كل المحتوى الموجود في الهاتف وتتمكن من التجسس على صاحبه.
وبموجب ما انتهت إليه دراسة حديثة فإن تتبع شخص ما أو تحديد مكانه والتجسس عليه لا يحتاج إلى تشغيل الخدمات التقليدية التي يعتقد الناس أنها تحدد مكانه أو مكان الهاتف، مثل خدمات الـ«جي بي أس» أو الارتباط بشبكة «واي فاي» أو الاتصال بالانترنت اللاسلكي الذي يتيح لمزود الخدمة تحديد موقع المستخدم بسهولة.
وتقول الدراسة إنه بفضل بعض التطبيقات التجسسية يمكن معرفة مكان الشخص بالتحديد دون أن يكون متصلاً بشبكة الانترنت ودون أن تكون خاصية «جي بي أس» مفعلة على هاتفه المحمول، فضلاً عن أن التطبيقات المشار إليها تتيح للجهة التي تقوم بالتجسس الحصول على العديد من البيانات الموجودة على الهاتف.
وحسب باحثين في جامعة «ستامفورد» في بنغلاديش فان أكثر من 100 تطبيق هاتفي جميعها تستخدم للعمل مع بطاريات الهاتف، لديها القدرة على تجميع حركات الشخص وتحديد تنقلاته وأماكن تواجده، وبالتالي يمكن استخدامها كأدوات تتبع لأي شخص مستهدف.
ووجد الباحثون أن المعلومات التي توفرها هذه التطبيقات الهاتفية يمكن بفضلها لأي شخص أن يتمكن من رسم خريطة لتحركات الشخص الذي يتم رصده، وبالتالي تتم بالتحديد معرفة الأماكن التي ذهب إليها والمكان الموجود فيه حالياً.
القدس العربي