قدري جميل يهاجم العريضي
صاحبة الجلالة - متابعة يصف يحيى العريضي، مستشار ما يسمى الهيئة العليا للمفاوضات، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، القرار 2254 بأنه: «القرار الذي أوجده لافروف» والذي يهدف إلى «نسف صدقية المعارضة»، ولا يخفي لا في هذه المقابلة ولا في غيرها موقفه السلبي من القرار 2254، ولا يكف - هو وغيره- عن ترديد الكذبة الكبرى عن وجود «تعارض» بين 2254 وبين بيان جنيف1 علماً أن الثاني متضمن في الأول، بل ويشكل نقطة الاستناد الأساسية فيه! على «ضفة مقابلة»، وفي مقال موقع باسم محمد علي شعبان، نشر في أسبوع مقابلة العريضي نفسه، نقرأ: «مما يلفت الانتباه ويثير الاستغراب (...) إصرار بعض أطراف المعارضة السورية التأكيد والرهان على مسار جنيف واعتباره المنقذ والمخلص للشعب السوري من أزمته». وهنا يتفق الكاتب مع «مقابله» و«نقيضه» العريضي، في الهجوم على 2254. بالعودة لمقابلة العريضي، «المتمسك بحقوق الإنسان السوري»، نراه يطلق العنان للهستيريا التي يعانيها مهاجماً منصة موسكو ود. قدري جميل: «لا يوجد من هو مخوّل بالتنازل عن حقوق الإنسان السوري... لا قدري جميل ولا من خلّف قدري جميل». زميله، أو «نقيضه»، يهاجم أيضاً منصة موسكو دون ذكر صريح في مكانين من مادته: «واللافت أيضاً أن جزءاً من هؤلاء المهتمين بتقديس هذا القرار (2254) معظمهم لم يكن حسم موقفه المعارض حين صدور القرار! وجزء آخر كان يمارس عمله شريكاً في السلطة!»، وهنا يغمز شعبان إلى اشتراك د. جميل بالحكومة عام 2013، ويعتبره اشتراكاً بالسلطة، ويخطئ بتوقيت ذلك الاشتراك بمقدار ضئيل هو سنتان فقط! وهو لا يقصد بطبيعة الحال رئيس الوزراء و«رئيس المعارضة» رياض حجاب؛ لأن هذا الأخير رافض للقرار 2254 ولا «يقدسه» بأي حال من الأحوال. المكان الثاني يقول فيه: «إن ما يثير الاستغراب هرولة بعض أطراف المعارضة الداخلية، ومحاولتها التنسيق، لتشكيل وفد واحد، مع المعارضة الخارجية التي تدعم الفاشية وتنطق باسمها وتنطق بلسانها!» وهذا الهجوم يقتبسه حرفياً، كما سابقه، من هجومات سابقة، ويضرب صفحاً عما جرى في اجتماع المنصات في الرياض، الذي صمت بعده هو ومهاجمو منصة موسكو (من الجهة المحسوبة قريبة من النظام) صمت القبور أسابيع متتالية ليعودوا إلى هذرهم وهم يأملون أن الناس يمكن أن تنسى. بكل الأحوال، المشترك أن شعبان وزميله- نقيضه، يهاجمان القرار 2254. ولكن لنقف قليلاً عند البديل الذي يقدمه كل منهما عن القرار الدولي: العريضي: «الإنسان السوري موجود، وسوف يستمر في المقاومة بطرق مختلفة، والسوريون جاهزون للاستمرار رغم الصعوبات»، وبكلام آخر فإنّ العريضي وأشباهه، ومن فنادقهم العابرة للقارات يقررون أن على الشعب السوري الاستمرار في كارثته ومعاناته دفاعاً عن شعاراتهم هم، وعن تمثيلهم المزعوم للشعب السوري الذي لم يمنحهم إياه الشعب السوري بل مجموعة دول «صديقة» بحق! هم مستمرون في فنادقهم/ والشعب السوري مستمر في معاناته... وحتى آخر سوري. أما شعبان، فبديله هو «الحوار الداخلي» بعيداً عن جنيف وعن «أي ضغوط إقليمية أو دولية»، وكأن الحوار في جنيف هو «حوار خارجي»! وذلك رغم أنه يقر في المادة نفسها بـ«رفض السلطة السورية (...) العمل على فتح مسار لحوار وطني داخلي»، أي أنّه يترك للأزمة أن تستمر حتى يخطر لبال السلطة السورية أن تفتح حواراً داخلياً وأن تكون جدية في تطبيق نتائجه، ربما حواراً على غرار «لقاء تموز التشاوري» الذي لم يلتزم النظام بتوصياته وضرب بها عرض الحائط محولاً اللقاء الذي خاضه كثر بجدية وصدق إلى مسرحية بلا طائل... بكلام آخر، فليس لدى «الزميلين» أي بديل حقيقي عن 2254، لكنهما يشتركان في مهاجمته، ومهاجمة منصة موسكو التي باتت، ومن حيث لا تريد ولا تطمح، معادلاً سياسياً لهذا القرار، لأنها تظهر في ظل الهجومات المختلفة بوصفها الجهة الوحيدة المتمسكة حقاً بتنفيذ هذا القرار، وبالتالي متمسكة بحل الأزمة السورية قولاً وفعلاً... لعل الإنجاز الأهم المنتظر من الحل السياسي هو استكمال تحطيم الثنائيات الوهمية: (أي انقسام الشعب السوري، أي الـ 90% من السوريين المنهوبين والمفقرين، بين معارض ومؤيد، وبين طوائف ومذاهب وقوميات وإلخ)، لأن إنهاء هذه الثنائيات وهذا الانقسام، وتالياً توحيد الأغلبية المنهوبة العابرة لكل الثنائيات، هو الأساس الوحيد الذي يمكن أن تحل على أساسه الأزمة حلاً جذرياً يسمح ببناء سورية المستقبل، الموحدة والمستقرة، والتي تكون السلطة فيها لهؤلاء الـ 90%؛ أي تكون السلطة فيها للشعب، وليس لهذه النخب أو تلك. وإلى حين يبدأ التنفيذ الفعلي والواسع للحل السياسي عبر تطبيق القرار 2254، وهو أمر قاب قوسين، فإنّ الثنائيات الوهمية تعيش آخر أيامها، وتطالعنا كل يوم بفشل جديد عبر تطابق مواقف متشددين محسوبين على الطرفين «النقيضين»، من جملة مسائل أساسية في الجوهر منها القرار 2254 نفسه، كما يظهر من تطابق «الزميلين النقيضين» أعلاه.