صاحبة الجلالة _فهد كنجو

هل وصلتكم حكاية ذلك المزارع البسيط الذي انهال بالضرب على الثور "المربوط"، فيما يسرح ويمرح ثور آخر في الحقل مخلفاً وراءه خراب في المزروعات، يسأله أحد المارة لماذا تضرب هذا المسكين وتترك ذلك الذي يدمر حقلك، يجيبه المزارع: "لو أتيح له أن يفك وثاقه لفعل ما يفعل رفيقه"، حكاية يتندر بها البسطاء من أهل الريف وهي كناية عن العجز عن بلوغ أمر ما والركون إلى الاستسهال في تبرير الفشل.

تأتي مناسبة الحكاية على خلفية ما نقل عن رئيس مجلس الوزراء أول أمس خلال ترأسه اجتماع في رحاب وزارة المالية ، إذ تطرق لمسألة التأمين الإلزامي بالقول: " إن التوجه للتفكير برفع أسعار التأمين الإلزامي على السيارات ليس لدعم التأمين الصحي، وإنما في إطار تصحيح الأسعار، حيث أنه لم يعد من المعقول أن يبقى التأمين الإلزامي 4000 ليرة سورية على حد تعبيره، وتابع داعياً مدير المؤسسة العامة للتأمين وهيئة الإشراف على التأمين للعمل باستقلالية وثقة بعيداً عن الشائعات".

كلام رئيس الحكومة نقلته الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء على فيسبوك في معرض تغطيتها للاجتماع المذكور، ما لبثت أن حذفته بعد ساعة تقريباً من نشره، فهل أدركت أنه يمكن أن يتم اسغلال ما قاله رئيس الحكومة من قبل شركات التأمين ؟؟!!

مساء أول أمس وبعيد الاجتماع نقلت مواقع إعلامية عن مصادر قالت إنها مطلعة، أن الاتحاد السوري لشركات التأمين بصدد إصدار قرار يرفع بموجبه أسعار التأمين الإلزامي للسيارات السياحية من 4000 ليرة إلى 32 ألف ليرة بمقدار ثمانية أضعاف، فهل ستعتبر شركات التأمين كلام خميس بمثابة ضوء أخضر للاتحاد لرفع قيمة التأمين  ؟؟!!

 افتضاح الأمر على ما يبدو دعا اتحاد شركات التأمين لإصدار بيان أكد فيه أنّه لم يتم اتخاذ أي قرار برفع التأمين الإلزامي على السيارات السياحية حتى اللحظة نافيا المعلومات حول رفع بدل التأمين الإلزامي الى32 ألف ليرة مؤكدا أن الرقم غير مطروح أبدا فيما يتعلق بالسيارات السياحية، وأنّه ما زال في طور التداول والدراسة، لافتاً إلى ثلاثة أسعار مقترحة للرفع هي 8000 ليرة و 10000 ليرة و 12000 ألف ليرة، وأشار البيان أنّ أي قرار برفع أقساط التأمين الإلزامي إنما هو قرار هيئة الإشراف على التأمين وليس الاتحاد السوري لشركات التأمين ، على أن تترافق أي زيادة على الأسعار مع زيادة في التغطيات الخاصة ببوليصة التأمين الإلزامي، مبرراً أنّ اقتراح الرفع إنما جاء لمواجهة ارتفاع أسعار قطع التبديل ولتأمين وصول التغطيات إلى حدها الأقصى وبالتالي لا بدّ من زيادة مبالغ التعويضات والتي يترتب عليها زيادة في البدلات على ألا تتجاوز ال1000 ليرة.

وكانت مواقع نقلت معلومات تفيد بأنّ موضوع رفع أقساط التأمين الإلزامي على السيارات قد عرض أول أمس على اللجنة الاقتصادية وتمت الموافقة على سيناريو رفع أقساط التأمين الالزامي للسيارات السياحية الى 10000 ليرة .

التأمين الإلزامي للسيارات له من اسمه نصيب "إلزامي" وهذا المطرح الضريبي يشبه إلى حد التطابق واقع الثور المربوط الذي أوسعه صاحبه ضرباً في حكايتنا، أول ما يطلبه شرطي المرور من أي سائق سيارة هو "بطاقة التأمين الإلزامي"، وعدم حيازتها تعني حجز المركبة ودفع غرامة مالية إضافة إلى إلزام صاحبها بدفع التأمين.

حكومة "خميس" منذ أن تشكلت قالت على لسان وزير ماليتها إنها تبحث عن مطارح ضريبية لا تؤثر على الفقراء، من يمتلك سيارة سياحية ليس من الفقراء ..وللشفافية فإن ثمن السيارات السياحية تضاعف إلى نحو خمسة أضعاف سعرها قبل الأزمة، وذلك بفعل تراجع سعر صرف الليرة، وليس شيء آخر، لكن بالمقابل تضاعف ثمن الوقود ومثله أجور الصيانة وقطع الغيار، وليس بالضرورة من يمتلك سيارة هو من الطبقات الغنية، فليس خافياً أن الشريحة الأوسع من المواطنين اقتنوا سيارات قبل الأزمة من خلال الأقساط الميسرة في حينها، ومعظمهم من الطبقات المتوسطة وما دون، ومن الأجدى إذا ما أرادت شركات التأمين التوجه نحو رفع قيمة التأمين الإلزامي، أن ينظر إلى القيمة الفعلية للسيارة ونوعها وتاريخ صنعها، وتحديد الزيادة بما يتناسب مع سعرها.

بكل الأحوال سواء أكانت الزيادة ثمانية آلاف أو عشرة أو12000 فالمؤشر يتجه نحو رفع قيمة التأمين الإلزامي على السيارات.