مهندسو الديكور والفنيون ..صُنّاع الدراما في الظل وتقنيات وراء النجاح …
هناك الكثيرون من عشاق المسلسلات الدرامية، ويتابعونها في المواسم الدرامية الرمضانية وغيرها من الأوقات، وطبعاً وبشكل تلقائي يتأثر المشاهدون في أبطال المسلسلات، الذين بطبيعة الحال هم من يرسخون في بال المشاهد ويؤثرون فيه إضافة إلى المخرج، وإذا كان للمشاهدين حس حب الاطلاع والرغبة في المعرفة وتوسيع الثقافة، ربما يندرج في ذاكرتهم اسم كاتب العمل، ولكن ما يغيب عن ذهنية المشاهد، أسماء يتم عرضها في مقدمة المسلسل وختامه، بغرض أن تُعرّف بمن قام بالعديد من الاختصاصات والأعمال التي تقوم عليها الكتلة الدرامية للمسلسل، فهناك إضاءة، وهناك صوت، ومن بين الأمور أيضاً تصميم الملابس، وتصفيف الشعر والمكياج، واليوم هذه الاختصاصات الأساسية في المسلسلات، التي لا يمكن أن ترى الأخيرة الضوء من دونها، يقوم بها أشخاص في الظل، ولا أحد يعرفهم أو يشعر بجهودهم المبذولة، وللأسف الشديد هناك فئة كبيرة لا تقدّر تعبهم وعطاءهم، وللحديث عن طبيعة الاختصاصات والمشاق والصعوبات التي يتعرض لها صُنّاع الأعمال الدرامية، سيكون اليوم الحديث عن اختصاص هندسة الديكور والإكسسوار الذي من شأنه تهيئة البيئة التي يتم بها تصوير المشاهد قريبة جداً من الواقع سواء من حيث ديكور المنازل والحدائق والشوراع وحتى الأثاث المفروش في المنازل أو الشركات وغيرها الكثير من التفاصيل التي تدور حولها أحداث المسلسل المُتابع، وللحديث بقية.
هندسة بين الديكور والإكسسوار
في الصناعة البصرية هناك ما تمّ العمل عليه وهو تهيئة مدن كاملة تضم استديوهات تحتوي على منازل وحدائق وساحات…. إلخ، وأمر كهذا معروف في هوليوود، ولكن لماذا نذهب إلى البعيد فنحن في سورية لدينا حالة كهذه، حتى لو كانت متواضعة ولا تقارن بالحالة الهوليوودية، إلا أنها كانت قبل الأزمة مكاناً مفتوحاً للزوار، وهي متحف القرية الشامية القديمة، فبعد أن تدخل أرض المطار الدولي في دمشق، وعلى مسافة 10 كيلومترات منه تصل إلى منطقة «الغسولة» التي فيها منتجعات «القرية الشامية»، التي تضم مجموعة من المتاحف التاريخية والتراثية الشعبية والمعاصرة، فضلاً عن استديو التصوير التلفزيوني الكبير، الذي يضم خمس حارات كل منها تشكل نموذجاً مختلفاً، وهي الحارات نفسها التي ظهرت في المسلسل الشهير باب الحارة، وأهل الراية، الدبور، بيت جدي، الزعيم، ليالي الصالحية، الخوالي وغيرها، إضافة إلى قائمة طويلة من المسلسلات التاريخية، هذا المكان قام بتصميمه العديد من مهندسي الديكور، ويتناوب على تجديده من حيث الأثاث والمصابيح ونبات الزينة والكثير من التفاصيل الأخرى المهمة مهندسو الإكسسوار، وطبعاً هناك فرق بين مهندس الديكور الذي هو معنيّ بالتصميم العمراني للمكان من حيث الغرف والحمامات والمداخل والمخارج والأبواب والنوافذ والجدران… إلخ، ومهندس الإكسسوار الذي هو معني بالتصميم الداخلي من حيث وضع لمسة الجمال، وبالنتيجة بين مفهومي هندسة الإكسسوار والديكور وغايتهما أن يكون المنظر للمشاهد متناسقاً ولا يوجد فيه أي نشاز بصري، وهذا ما أضاء عليه محمد علي خطيب قائلاً «أنا أعتبر الإشراف على الإكسسوار أو هندسة الإكسسوار أصعب من هندسة الديكور، لأنها تحتاج إلى الكثير والكثير من الجهد والتعب والتركيز والدقة، إضافة إلى التنسيق بين الديكور وما يحتويه المكان من أثاث مثلاً أو أدوات أو ستائر أو سجاد أو تحف وغيرها من التفاصيل التي تعطي المكان الجمالية، فالانسجام ضروري كي لا يكون هناك أي تشويه بصري يتلقاه المشاهد، وبالطبع تكون مهمة مصمم الإكسسوار صعبة ومرهقة أكثر عندما يكون التصميم المعماري غير جيد، وعليه هنا أن يرمم ويخبئ عيوب النواحي المعمارية بالإكسسوارات والتأثيث الصحيح، وبالتالي هذه الصعوبات لا يخلو منها أي عمل فني درامي أو سينمائي، وهي متعددة ومتنوعة حسب نوع العمل وفترته الزمنية».
تكامل في الهندسة
على الرغم من أن الاختصاص بين هندسة الديكور والإكسسوار مختلف إلا أنه لا يمكن للواحد أن يعمل بمعزل عن الآخر، إلا في حالة واحدة عندما يكون مهندس الديكور جامعاً لهندسة العمارة والتصميم الداخلي معاً، وبالتالي يكون عمله بدءاً من الشكل الخارجي لـ«لوكيشن» أو موقع التصوير المطلوب العمل فيه، إلى الأبواب، مفاتيح الإنارة، الستائر وألوانها أو أشكالها… إلخ من العناصر، وللحديث أكثر عن هذه الجوانب وغيرها التقينا المهندس حسان أبو عياش الذي عرّف عن نفسه قائلاً: «درست الديكور اختصاص(العمارة الداخلية) في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق1961 وتخرّجت عام 1965، بعدها بعام تم تعييني مهندساً للديكور في التلفزيون العربي السوري، وكنت أُحلت للتقاعد في عام 2003، ولكنني مستمر بالعمل في القطاع الخاص، وكنت قمت بتصميم أعمال ديكور عامة كالمعارض، والمطاعم، والبيوت، والحدائق وغيرها الكثير، كما مارست أعمالاً فنية مختلفة كالرسوم في مجلات الأطفال، وتصميم طوابع بريدية، والإعلانات، ولكن بالنسبة للأعمال التي شاركت فيها في البدايات منها مرة شاركت بلوحة (منظر من لبنان) في معرض الخريف عام1961، الذي أقيم في المتحف الوطني بدمشق، ومازلت أشارك بلوحات كهذه في المعارض الرسمية والخاصة، كما قمت بتدريس مادة الرسم لطلاب كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق منذ عام 1970 ولمدة خمس وعشرين سنة».
وأيضاً التقينا محمد علي خطيب الذي تحدّث عن نفسه وعمله في مجال هندسة الديكور والإكسسوار قائلاً: «مجال عملي في الديكور والإكسسوار التلفزيوني والسينمائي، وبطبيعتي أنا أحب عمل السينما أكثر من الدراما، ولكنني بدأت فعلياً والتزمت في تنفيذ وإشراف الديكور والإكسسوار تقريباً من عام 2001، وقبل ذلك كنت شاركت بعدة أعمال تاريخية، إذاً انطلاقتي بدخول الوسط الفني من عام 2001 حيث شاركت بكثير من الأعمال مع عدد من مهندسي الديكور وتنوع عملي بين الديكور والإكسسوار».
أعمال مشهورة
كثيراً ما أصبحنا نسمع من الأشخاص الذين يفتحون منازلهم لتصوير المسلسلات بعد انتهاء التصوير يقولون: «جماعة التصوير قلبوا المنزل رأساً على عقب»، ولابد هنا أنكم أدركتم الغاية أو السبب من هذه «الكركبة»، فكما أسلفنا ليس من السهل بناء الصورة التي يتم خلالها تصوير المسلسل الذي نتابعه سواء من الناحية المعمارية أم التجميلية، والآن سنستعرض عدداً من المسلسلات التي كانت متابعة بالنسبة لكم، وعمّا شارك فيه المهندس حسان أبو عياش ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر «خلال أكثر من خمسين عاماً، قمت بتصميم ديكورات عديدة لأعمال متنوعة سواء أكانت أعمالاً تلفزيونية، مسرحية، وسينمائية، في القطاع العام والخاص، ومن أعمالي في ديكور المسلسلات التلفزيونية: زقاق المايلة 1972، الدروب الضيقة 1981، الخشخاش 1990، أيام شامية 1992، العبابيد 1995، الخوالي 2001، ليالي الصالحية 2004، باب الحارة 2006- 2016 وغيرها».
على حين عدّد لنا محمد علي خطيب المسلسلات الدرامية التي شارك بها «من أهم ما شاركت به من الأعمال الدرامية: ليالي الصالحية، فارس بني مروان، طارق بن زياد، نزار قباني، الحصرم الشامي3، أبو خليل القباني، أسعد الوراق، دليلة والزيبق، باب الحارة في أجزائه 6، 7، 8، 9، جمال عبد الناصر، حدث في دمشق»، كما أضاف لنا مشاركاته في الأفلام السينمائية ذاكراً «فيلم مريم، رسائل الكرز، السوريون، فانية وتتبدد، الأب، طريق النحل». وأضاف: «كما لي مشاركاتي في عدد من الاحتفالات والحفلات لبعض من الفرق الفنية والمسرحية، وبعض البرامج لعدة محطات، وتنوعت صفة عملي بين هذه الأعمال، فمنها ما كنت منفذ ديكور أو منفذ إكسسوار، ومنها كنت مشرف إكسسوار».
صعوبات وجهود ضائعة
تكوين مكان بعناصره وحفظ هذه العناصر وتغيرها ليس بالأمر السهل طوال مدة التصوير، فالجهد والتعب أمور يُسامح بها ما دام المقابل جيداً، لكن وللأسف الشديد جهود من يقومون ببناء الدراما مهدورة، وحول المشاكل والمعوقات التي يعانيها مجال هندسة وتصميم الديكورات كشف عنها المهندس أبو عياش قائلاً: «في الوقت الحالي هناك تراجع في مجالنا وهناك أسباب كثيرة دفعت العديد من الفنيين للسفر للخارج، ومن أهم الأسباب ضآلة الإنتاج، فهناك ديكورات تتطلب مبالغ ضخمة لأنها مخصصة لبناء أبنية تاريخية أو بيئية، كما أنه يتم تحديد الأجور بغض النظر عن خبرة المهندس، الأمر الذي أدى إلى تدني الأجور حتى الربع تقريباً عن الأجور التي كانت تُدفع قبل الأزمة السورية، بالمقابل ارتفعت أجور الممثلين والمخرجين ارتفاعاً ملحوظاً، وهذا الارتفاع، كان على حساب الفنيين من ديكور وإضاءة وأزياء وغيرها…. وكما ذكرت الأمر أدى إلى هجرة كثير من الفنيين للعمل في الخارج، وبالنتيجة انخفاض مستوى الديكور، وأحياناً إلغاؤه من بعض الشركات المنتجة السورية وتوقف إنتاج المسلسلات التاريخية الضخمة». وأضاف محمد علي خطيب: «لا يخلو الأمر من صعوبات إنتاجية أو إخراجية، والأصعب من ذلك هو التعدي على المهنة بوجود أشخاص ساقتهم «الواسطات» إليها وارتفعوا بها وأصبح لهم اسم على حساب ابن المهنة، إضافة إلى أن الأجور غير متناسبة أبداً، فهي لا تتناسب مع الوقت الذي نعيشه، وهي أقل بكثير من قيمة الجهد المبذول في أي عمل نقوم به، سواء أكان إنتاجاً خاصاً أم من إنتاج القطاع العام».