خير الدين الزركلي.. شاعر الوطن والحنين والغربة في كل الظروف
يشكل كتاب «الأعلام» للدبلوماسي والمؤرخ والأديب السوري خير الدين الزركلي مرجعاً لكل باحث في الثقافة العربية كما يعد من أعظم الكتب العربية التي ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري، حيث ترجم فيه لنحو 13435 علماً من القديم والجديد، معتمداً على ما يزيد على ألف وبضع مئات من المصادر والمراجع المطبوعة والخطية، فضلاً عن مئات الصحف والدوريات، وله مكانة كبيرة بين الباحثين وأهل العلم لما يحمله من دقة في تحرير الترجمة والاهتمام بإبراز أهم ملامح الشخصية المتناولة والموضوعية والشمولية.
ونظراً لأهمية الزركلي الذي يعد قامة من قامات الأدب في سورية وقيمة كتابه الذي يمثل مرجعاً حقيقياً ومرشداً للعصور بات واجباً تخليد ذكراه، أقامت وزارة الثقافة ندوة ثقافية بحضور نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، تناولت علاقة الزركلي بكتاب الأعلام والشعر الوطني، وقراءات من قصائده الشعرية التي تميزت بالجرأة والعنفوانية وجعلت منه رائد الشعر الوطني.
وأدار الندوة وأعدها الدكتور إسماعيل مروة الذي صرح أن هذه الندوة تأتي ضمن مشروع يمتد طوال عام 2017 ويضم مجموعة من الندوات، في كل ثالث ثلاثاء من كل شهر سيكون هناك ندوة وكانت البداية مع الزركلي، مضيفاً إن في ديوانه هذا لا نجد انتقاصاً لأي شخص من الأشخاص، فهو رجل عاش محكوماً بالإعدام وعاش منفياً ودفن غريباً.
شاعر مبدع
افتتحت الدكتورة العطار الندوة بقولها «نحن هنا للاحتفاء بشاعر مبدع كخير الدين الزركلي أضاعوا له حقه إلى حد بعيد وكان شاعراً بليغاً وشاعر الوطن والحنين والغربة والدفاع عن بلده سورية في كل الظروف».
وأضافت العطار «على الرغم من أهمية كتابه الأعلام كنت أتمنى لو انصرف إلى الشعر وحده، فشعره لا مثيل له وكان سيحقق شيئاً كبيراً جداً في حياتنا ولكنه انصرف إلى تأليف هذا المعجم الضخم، وحين زرته في بيروت وجدته عاكفاً على كتابته مؤمناً بأنه يصنع شيئاً عظيماً للأجيال».
لا تنسوا جذوركم
وفي مداخلة للصحفيين قال مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون:
«من لم يقرأ التاريخ لا يبن مستقبله ومن لم يعرف جذوره لا تكن له ثمار ولا أزهار ونحن أمة ابتلينا الآن في هذه الحالة التي نتمزق بها تمزقاً شديداً بأننا قطعنا من الجذور، وهذه الندوات تعيدنا إلى الجذور فاليوم حين نحضر ما خطه الزركلي من شعر وأدب وإعلام فهو يقول لنا لا تنسوا جذوركم».
مضيفاً «يجب أن نعيد إلى الإعلام إعلام الفكر وإلى المنبر ثقافة وإلى الجوامع جامعة وإلى المراكز الثقافية عودة إلى الثقافة الحقيقية، فأمة تقرأ العلم والأحكام ولا تصل إلى الحكمة والثمرات أمة بلا حياة».
مؤمناً بوطنه
معاون وزير الثقافة توفيق الإمام شدد على مكانة الشعر في هذه الأزمة من خلال الشعر الوطني متمثلاً بالقامات الكبيرة كبدوي الجبل وخير الدين الزركلي وغيرهما من القامات الوطنية بامتياز حيث عملوا في الشعر والسياسية والفكر.
ولفت الإمام إلى أن الشاعر الزركلي كان مناضلاً مؤمناً بوطنه وعمل على وحدة الأمة العربية بأفكاره وشعره ودواوينه ومؤلفاته فبقي لسورية ودمشق مكانة كبيرة في قلبه وذاكرته وها نحن اليوم نحتفي بهذه القامة الوطنية بامتياز ونحن أحفاد تلك القامات التي تميزت بحب الوطن والمقاومة والصمود.
قراءة في شعره
من جانبه قال الباحث والشاعر أحمد المفتي في مداخلة جاءت بعنوان: ساعتان في حضرة الزركلي، ما أخال أن أحداً عاش بين قرنين من الزمان تمثل وحدة الوطن في شخصه كالزركلي حيث حمل صفات وجنسيات وقوميات وتقلد المناصب وامتلك ناصية الشعر وكتب في الصحافة وعمل في السياسة وروى التاريخ وغاص في بطون المخطوطات العربية باحثاً منقباً مسجلاً سير الأعلام من أمة العرب والمسلمين وغيرهم، جامعاً تراث الأمة، مستعرضاً لقاءه خلال ساعتين من الزمن، حيث قرأ له شيئاً من مذكراته فسحر ببيانه وعلومه وبعذوبة اللفظة واسترسال الجملة.
تاريخ كتاب عظيم
واعتبر رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق الدكتور محمد شفيق البيطار أن كتاب الأعلام للزركلي واحد من أهم المؤلفات في القرن العشرين، فالمؤلف والكتاب معروفان، ويقع في 8 مجلدات تبلغ 10 آلاف صفحة من التراجم الدقيقة والعميقة، وبلغت التراجم فيه نحو 14 ألف ترجمة بين عرب ومستعربين ومستشرقين.
ولفت البيطار إلى أن الزركلي بلغ هذا المبلغ من النضج الذي جعله نافذة للعلماء والباحثين بعد أن نما على روية شيئاً فشيئاً وكبر كما كبر صاحبه حيث بدأ جمع مادة الكتاب عندما كان عمره عشرين عاماً فجمع المادة ونقحها وحررها وطبع أول طبعة بعد 15 عاماً، مبيناً أن الكتاب الخالد يحتاج إلى وقت، وبعد 30 عاماً أصدر إصداراً جديداً فجاء في عشرة مجلدات، ثم أصدره للمرة الثالثة بإضافة مجلد جديد وجمع الصور والخطوط في مجلد واحد فجاء في 11 مجلداً حيث وضع له مستدركاً واحداً عام 1970 وأراد أن يجمعهم في كتاب واحد استغرق نحو 60 عاماً.
الشاعر الأول
حسن الأحمد أستاذ الأدب القديم في جامعة دمشق أوضح أن الزركلي من القامات الشعرية البارزة في مسيرة الشعر العربي الحديث والوطني على وجه الخصوص، وهو الشاعر الذي عبر عن الأحداث الكبرى التي عصفت بالأمة والوطن في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث يكاد يكون الشاعر الأول الذي جعل لسورية صوتاً شعرياً في الشعر الحديث كما تميز بالخصوصية الشعرية التي ميزته عن غيره من الشعراء لكونه ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية التقليدية.
الوطن