بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

جائزة دار التكوين للإصدار الشعري الأول و«الأسود الذي لا ترينه»

السبت 21-01-2017 - نشر 8 سنة - 1007 قراءة

تستحق دار التكوين الضوءَ احتفاءً بها، إذ تنفرد من بين دور النشر بالاهتمام بجيل الشباب، لأنها مضت وأحيت جائزة الديوان الأول، في زمن ابتعدت فيه دور النشر عن الاهتمام حتى بالمخضرمين في الإبداع الأدبي، فعلى الرغم من أن دور النشر الخاصة لاتزال تعتذر من الشعراء ولا تقبل طباعة دواوينهم على نفقتها، وهي في الأعم الأغلب منها لم تعد تطبع أي كتاب إلاّ فيما ندر لبعض المؤلفين الذين صار عمر تجربتهم الإبداعية سنوات طويلة وتجاوزت مؤلفاتهم الثلاثين كتاباً، على الرغم من ذلك عادت دار التكوين إلى إحياء «مسابقة الدار للديوان الأول»، والجائزة التي تقدمها هي طباعة الديوان، فمنحت في دورتها الثانية نهاية العام المنصرم، بعد أن توقفت عقب دورتها الأولى، منحتها للشاعر المغربي (محمد يويو) عن مجموعته «الأسود الذي لا ترينه»، وللشاعرة السورية (رامه عرفات) عن مجموعتها «حرب، ورقة، مقص»، وقد صدر الديوانان مؤخراً بعد فترة من إعلان نتائج المسابقة. وكانت الدار قد منحت جائزة الدورة الأولى عام 2009 للشاعر العراقي «عمر الجفال» من العراق، عن مجموعته «خيانات السيدة حياة»، وللشاعرة السورية «لينا شدود» عن مجموعتها «لا تشِ بي لسكَّان النوافذ».

واللافت للنظر أن المسابقة تُمنح لشعراء قصيدة النثر، ربما لأن صاحب الدار «سامي أحمد» شاعرٌ يكتب هذه القصيدة، وهذا حق له، واللافت أيضاً أن نصيب السوريين من الجائزة في دورتيها تناله شاعرتان! والمسألة الثالثة اللافتة في جائزة هذه الدورة الأخيرة أن الفائزين من مواليد العام ذاته 1987!.

تكونت لجنة تحكيم المسابقة من الشعراء (نزيه أبو عفش، محمد مظلوم، عادل محمود، سامي أحمد). ويذكر أن عدد المشاركين في هذه المسابقة بلغ 117 مجموعة شعرية توزعت على البلدان التالية: سورية، العراق، مصر، المغرب، الجزائر، تونس، فلسطين، لبنان.

تأويل متعدد

ومما جاء في كلمة اللجنة في حق ديوان الشاعر محمد يويو: ما يميز هذا الشاعر اعتناؤه بالقصيدة، فهي تتحرك بترسّل، وتنمو على مهل، بين تلك البدايات الغامضة، حتى النهايات القابلة للتأويل المتعدد، وبذلك تتفادى قصيدتُهُ اللهاثَ والتداعي، في اختزال داخلي وأناقة مبسطة في البناء، وتتناغم فيها الفكرة مع الصورة بانسياب أليفٍ.

يقول الشاعر يويو في قصيدته «أيها الخيزران»: «أيها الخيزرانُ الحارسُ/ لثلومِ الغابة/ أنْبئ تلكَ الشمسَ الصغيرةَ/بأن تطلقَ فستانَها/فقد مرَّ النهرُ من هنا قبل أن تعبرَ/ والإوزةُ الفضيّةُ/ أخذتْ خلخالَهَا قبلَ الواقعة/ بقليلٍ…/ وطارتْ…/ نحوَ الجهةِ التي تغمسُ فيها الغابة/ رجليها في الحِنِّاء». وإذ تبدو عبارته مسترخية، وصُورُهُ ملتقطة بتأنٍ، فإنها متوترة من الداخل بذلك «الأسى الشفيف» بفعل صورة غير مبهجة عن العالم، يعتكف إزاءها صوت الشاعر نحو الداخل ويستغرق في التأمل، واستلال حيرة الأعماق، ليقدم لنا تجربة أليفة لقصيدة المونولوج، لكنه ليس المونولوج أحادي النبرة تماماً، -والكلام للجنة التحكيم- حيث الفرد والآخرون بلا صخب ظاهر يتسللون في ذلك الظلام الداخلي.

وجاء أيضاً في كلام لجنة التحكيم: هو بهذا المعنى شعر التأمل والبصيرة الداخلية ونموذج واعد من الشعر الشخصي، ذلك الشعر الذي يزهد بالقضايا «الكبرى» من دون أن يخسر انحيازه لقضية الإنسان الوجودية في حيرته ومتاهته، في فنائه ومصيره.

وفي مقتطف آخر من المجموعة يقول الشاعر في قصيدة «موتى من زُجاج»: «رأينا من عادَوا منهمْ إلى النبعِ عُراةً/ من غيرِ دوائرِ الرمل/ تقولُ دائرةٌ: «أشكالها تدعو للريبة../ كلُّ القبور مستطيلة»/ سنستحدثُ أشكالاً جديدة/ المربَّعُ أخو المستطيل/ والمثلث../ بهذا سينعمُ الفانون بتسليةٍ أكبر..».

رهافة الالتقاط

أمّا ديوان الشاعرة الفائزة «رامه عرفات» فقد حمل عنوان «حرب، ورقة، مقصّ»، ومضت لجنة التحكيم تقول في مسوغات منحها الجائزة له أنها: أنموذج طيب، وإن كان قاسياً، لراهن المشهد الشعري في اللحظة السورية الحرجة، فهو شعر من باطن المأساة، لكنه لا يفتقر إلى الرؤية الواضحة وسط الدخان، قصائد يتجلى فيها الصوت الأنثوي في الحرب برهافة الالتقاط والحنو على ما هو مؤلم، من دون أن تجعل تلك الأنوثة مأزقاً شخصياً أمام الذكورة. وبهذا، فقد نجت قصيدتها، إلى حد معقول، من الندب الأنثوي والتفجُّع النفعي الذي اعتدناه مؤخراً في النصوص التي تقارب الحالة السورية. وهي تخبرنا عما نعرفه، لكن بطريقة تجعلنا نتعرَّف على ما نشعر به..  تقول رامه في إحدى قصائد المجموعة: «اكتبْ لي/ اكتبِ المسافةَ الغائبةَ بيننا وبين الموت/ اكتبْ طريقَ المساءِ في أغنيات من رحلوا/ وظنّوا أنهم آخر من بكى/ اكتب أننا أولُ السذج الحفروا قبوراً بأصواتهم/ عاشوا في آخرِ السطور وجعلوا من كلِّ فكرةٍ حذاء». بيدَ أنَّ هذا الصوت الأنثوي ليس مهيمناً بشكل تام على المناخ العام للمجموعة، إذ تستعير أحياناً صوت المذكر، ليس في الضمير المجرد، بل أحياناً بالهوية الفنية لخلق تماهٍ فني مع الموضوع، والكلام أيضاً للجنة التحكيم، تتموَّج في شعرها الصور الحادة، الخاطفة، وإن كانت تتبعثر أحياناً، وتهرب من نول النسيج، بعثرة تبدو، أحياناً، ترجيعاً لقوة الاهتزاز وفداحته في المشهد من حولها.

ومن الديوان أيضاً: «سيزورُكِ الألمُ كثيراً يا صغيرتي/ كما لو أنك خدشٌ في خشبِ السرير/ كما لو أنكِ صوتُ وقوعِ الخبر/ ستكذبين على نفسكِ/ كدواء الحمّى ومقبضِ البابِ/ والشوارعُ المفتوحةُ أمامَكِ/ ستغلقينها كما تفعلُ الحرب/ ستفرغين الماءَ من النهر/ وستعثرين على إجابةٍ لسؤالِك: لماذا يهربُ الهواءُ من الغرقْ؟/وللمرةِ الأولى ستُبَذرينَ في البكاءِ/ثم ستضحكين على الحبِّ/ كفضيحةٍ تختنقُ في قريةٍ صغيرة/ بينما تغسلين جميعَ الوسائدِ/ التي تحملُ اسمَهُ».

ونشير إلى ما يجمع بين هذين الديوانين أن الشاعر محمد قد اعتمد الجملة الأولى من قصيدته عنواناً لها فتكرر العنوان في بدايتها، في حين اعتمدت «رامه» العنوان بداية لقصيدتها لتكمل فيما بعد من دون تكرار.

أخيراً لعلنا نحتفي معاً بولادة الشاعرين محمد يويو ورامه عرفات بقراءة ديوانيهما، ولعلهما يحظيان بدراسة نقدية جادّة، إذ لا تدعي هذه الأسطر سوى تسليط الضوء عليهما مسترشدة بكلام لجنة التحكيم.

تشرين


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية