ليست شماتة لكنها العدالة مروى الغميان تروي قصة اعتقالها
في اعتقالي الثاني، اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري 215. كنت أهبط أدراجاً لا تنتهي، أدراجاً وأنا غارقة بالظلام بسبب الطماشة، حتى فقدت القدرة على عدّ الطوابق أو تمييز الاتجاهات. شعرت وكأنني أنحدر ببطء نحو قاعٍ سحيق، قاع لا رجعة منه، ولا ضوء في نهايته.
أدخلوني إلى زنزانة فارغة، موحشة، صامتة كالقبر، لا ينقضي فيعا الوقت. جلست وحدي، لا أعلم ما ينتظرني، ولا ما يُراد بي. كنت هناك، جسداً معلقاً بين الجدران، وروحاً تتخبط في العتمة، يرتجف كل ما فيّ من هول المجهول.
وفجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل تيسير، المجرم الذي لا تزال ملامحه تطل من شقوق ذاكرتي، لا كما يظهر في هذه الصورة، بل كما كان في ذروة سطوته، متجبراً متلذذاً بالرعب الذي يزرعه. لم يكن إنساناً… كان وحشاً في هيئة بشر، خطواته تسحق الصمت، وصوته يشق الروح قبل أن يمس الجسد. في تلك اللحظة، لم أرتجف برداً ولا ألماً، بل رعباً خالصاً تسلل إلى صدري حتى خنق أنفاسي.
لا تسعفني الكلمات لوصف ذلك الرعب، كيف زحف كالدخان في جوفي، كيف شعرت أنني عارية من كل شيء سوى الخوف… ذاك الخوف الذي لا يرحم، الذي ينزع عنك جلدك طبقة طبقة، ويتركك تهمس في داخلك: “متى ينتهي هذا الكابوس؟”
أقول له الآن: جاء دورك لتدخل تلك الزنزانة، لتعرف كيف يهوي القلب في كل لحظة، كيف ينتظر الإنسان شيئاً لا يعرفه، لكنه يعلم أنه مؤلم… الآن، ستفهم كيف يرتجف الجسد قبل أن تُمسّه يد، وكيف ينام الخوف في روحك فلا يغادرها.
إنها ليست شماتة… إنها عدالة تأخرت كثيراً، لكنها حين وصلت، داوت شيئاً مما تهشّم في داخلي.