كتب زياد غصن.. كلفة تأهيل الطبيب السوري: من أين جاءت الـ800 ألف دولار؟
صاحبةالجلالة _ متابعة
شكك كثيرون برقم كنت قد نشرته مؤخراً ضمن تحقيق صحفي، ويتعلق بتقديرات أجنبية حول الكلفة التي تتحملها الدولة السورية جراء تأهيل الطبيب أو المهندس لديها، والبالغة وسطياً حوالي 800 ألف دولار، وفي ضوء ذلك فإنه من المهم توضيح مصدر ذلك الرقم، أبعاده، ودلالاته.
الرقم مأخوذ من تقرير نشره التلفزيون الألماني في العام 2015، وجرى تداوله على نطاق واسع آنذاك، وجاء فيه أن عدد الأطباء السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الأزمة السورية بلغ حوالي 5 آلاف طبيب ومثل هذا العدد من المهندسين.
وبحسب التقديرات الواردة في التقرير الألماني نفسه فإن الدولة السورية تحملت كلفة وقدرها حوالي 10 مليارات دولار لتأهيل هذا العدد من الأطباء والمهندسين، هذا في الوقت الذي كانت فيه موازنة الحكومة الألمانية المخصصة لاستقبال اللاجئين السوريين وغير السوريين لا تتجاوز 6 مليارات دولار.
ويجزم المسؤولون الألمان أن وجود هؤلاء في بلادهم “الهرمة” سيحقق مزيداً من الازدهار في الناتج المحلي الإجمالي، لاسيما وأن جل المهاجرين السوريين من العمال المهرة أو الجامعيين المؤهلين تأهيلاً عالياً، فـ”الطبيب السوري يمتاز بسمعة جيدة وتأهيله العلمي يعادل نظرائه من الأوروبيين”.
وباعتقادي فإن المبلغ المشار إليه لا يتعلق فقط بتكاليف الدراسة الجامعية للطبيب أو المهندس، وإنما يشمل الإنفاق العام على تنشئة الفرد- طبيباً كان أم مهندساً- منذ ولادته وحتى تخرجه من الجامعة بدءاً من الرعاية الصحية إلى توفير التعليم المجاني فالغذاء وما إلى ذلك.. أو ما يمكن تسميته بكلفة الحياة، ولو قسمنا متوسط كلفة الطبيب أو المهندس البالغة 800 ألف دولار على 25 عاماً هي عمر الشاب لحين تخرجه من الجامعة، سيتبين معنا أن متوسط كلفة تنشئة الطبيب أو المهندس سنوياً تصل إلى حوالي 32 ألف دولار، وهي كلفة تبدو معقولة قياساً بما تستخدمه الدول عموماً من معايير وبنود في قياس كلفة تنشئة الفرد.
لكن للأسف فإنه إلى الآن ليست هناك دراسات وأبحاث اقتصادية محلية تهتم بتقدير كلفة تنشئة الفرد خلال مراحل حياته ومقارنة ذلك بالمردود الذي يقدمه عندما يدخل سوق العمل، ومثل هذه الدراسات تبدو مهمة لكونها تسهم في تصويب وإعادة هيكلة السياسات والإجراءات المتعلقة بتقديم الخدمات للأفراد، أولويات تدريبهم، وخيارات تعليمهم وفق ما يتطلبه سوق العمل في البلاد، وهذا ما يذهب إليه الباحث في السياسات السكانية الدكتور أكرم القش الذي يعتقد أنه لا توجد مثل هذه الدراسات لدينا، فهناك دراسات متفرقة ومجزأة لبعض جوانب كلفة الحياة بالمعنى الواسع أو الشامل، منها ما معروف ويتعلق بدخل ونفقات الأسرة، ومنها ما يتعلق بكلفة التعليم والصحة… الخ، وإجراء دراسة عن كلفة الحياة بحاجة إلى دراسة شبيهة بقياس الأجل المتوقع أي تتبع فوج سكاني من العمر من الصفر وحتى الممات، ويضيف في تصريح خاص لـ”أثر” أنه “في مثل هذه الحالة نحن نحتاج لأكثر من فوج نطبق عليهم ثلاثة مستويات معيشية كحد أدنى لتحسب على أساسها الكلفة وهكذا”.
وبذلك فإن سوريا لا تخسر بهجرة الأطباء والمهندسين وغيرهم من الاختصاصات العلمية والعمال المهرة ما أنفقته عليهم طوال سنوات حياتهم فقط، وإنما تخسر أيضاً العائد المعرفي والاقتصادي والاجتماعي الذي كان من المفترض أن تحققه الدولة السورية مع دخول هؤلاء في سوق العمل ووضع خبراتهم ومهاراتهم في خدمة القطاعات التي يعملون بها، أي أن البلاد وبلا أدنى مبالغة خسرت مليارات الدولارات بسبب موجات هجرة مواردها وكوادرها البشرية خلال الفترة الممتدة من العام 2013 ولغاية تاريخه.
اثر برس