مع الله.. الدكتور عصام التكروري
صاحبة_الجلالة _ خاص
العقل هو النعيم وهو مناط الحُكم على الأشياء، وأنّ الايديولوجيا التي تُفرّق بين البشر ـ أرضية أو سماوية المَنشأ ـ هي جهنمٌ يصطلي بها اتباعها وتلحق بالأرض العذاب.. بهذه الكلمات وصف الدكتور عصام التكروري تجربة مر فيها بريعان شبابه وذلك ضمن زاوية مع الله .
ويروي الدكتور عصام القصة فيقول: حدثَ ذلكَ حينما كنتُ أتابعُ تعليمي الثانوي في مدرسة العناية الرسمية ـ التي أصبحتْ اليوم الجناح الجنوبي لكنيسة الزيتون في باب شرقي حيث تقوم اليوم كلية اللاهوت الخاصة ـ يتمُ الدخولُ إليها عبرَ طريقين: الأول: رئيسي،عبرَ بوابة كنيسة الزيتون، الثاني : مُرتجل، عبر بوابة حديدية أشبه بقضبان السجن. حرية الاختيار هذه تعودُ إلى أنَّ المدرسة كانت تجمعُ أبناءَ الدياناتِ الثلاث حيثُ كان صفي يضمُّ خمسةَ موسويين وسبعةَ مسلمين و حوالي إثنين وعشرين مسيحياً، وكنّا نتلقى التعليم ذاته باستثناء مادتين : مادة التربية العسكرية ومادة التربية الدينية، فقط في هاتين المادتين كانَ كلُّ واحدٍ منّا يتذكر أنَّه مسلم أو مسيحي أو يهودي.
وتابع .. في مادةِ التربيةِ العسكرية كانَ طلابُ صفي ينقسمون إلى قسمين: أصدقائنا الموسويين يغادرونَ المدرسة كونهم لا يخضعونَ للخدمة الإلزامية، بينما يبقى فيها المسلمون والمسيحيون، أما في مادة التربية الدينية فكنّا نتفرق شيعاً ثلاثاً : الموسويون يغادرون إلى بيوتهم، المسلمون إلى غرفةٍ صغيرةٍ في زاوية الدرج، أما المسيحيون فيبقون في الصف كونهم العدد الأكبر. هذه "التفرقة" كانت المُنغصَ الوحيدَ الذي كنًّا نشعرُ بوطأته جميعاً إلى أن جاءَ يومٌ واتفقنا على أنْ نطلبّ من أساتذة التربية الدينية (المسيحية والإسلامية) بأن يضعوا حداً لهذه التفرقة، وأبدينا استعدادنا جميعاُ (مسيحيين ومسلمين وموسويين) لحضور درس التربية الدينية أي كان، وبالتناوب بين درس الديانة المسيحية والديانة الإسلامية، وللأمانة كانت استجابة مدرس مادة التربية الإسلامية ـ الأستاذ زيدان رحمه الله ـ هي الأسرع إذ رحب بأصدقائنا الموسويين والمسيحيين لتصبحَ حصة التربية (التي كان يتخللها أحيانا وجبة فول من عند "أبو عاطف ") تضم خمسة مسلمين وعددا من الموسويين والمسيحيين ممن رغب بالحضور.
ورأى الدكتور عصام أن أجملُ ما في الأمر هو أنَّ مدرسَ مادة التربية الإسلامية لم يتقيد بالمنهاج لتصبح حصة الديانة فرصة للتركيز على القيم الإنسانية الجامعة، وليصلَ عدد الحضور في الأسبوع الرابع إلى حوالي العشرين طالباً وذلك قبل أن يتدخل موجّه المدرسة ويضع حداً لتلكَ التجربة (والتي أسميها اليوم ب "سوريا المُنيرة") بدءاً من مُدرّس مادة التربية الإسلامية الذي نالهُ ما نالهُ من توبيخ و"خِلافه"، وانتهاءً بنا كطلاب حيثُ تمَّ اختيار خمسةً من بيننا (مسلمين ومسيحيين فقط ) لمقابلة الموجّه الذي أمرنا بالاصطفاف برتلٍ أحادي، ومن ثم بدأ يبين لنا فداحةَ الذنب الذي ارتكبناه مُستخدما جُملاً هادئة تنتهي كل منها بعبارة " ممنوع النقاش"، وما أنْ أطمئنَ إلى أننا أصبحنا "مغلوبين على أمرنا" حتى بادر كل منا بصفعة هي من "فراق الوالدين" قبس، صفعةٌ تألّمَ لها المسيح وأخوته الأنبياء في عليائهم، صفعةٌ أعادتْ كلّ واحد منّا إلى دينه المؤسساتي، البعض اكتفى بها و أدار ظهره لكلِّ مبادرةٍ تحملُ طابعاً تعددياً ، والبعض سعى للتعرف على الله من خلال دينه، والبعض الآخر سعى للتعرف عليه من خلال المنتج العقلي لخلقه والموجود في فلسفات الإلحاد والوجودية بتلوناتها المتعددة ، هذا الفريق ـ والذي انتمي إليه شخصياً ـ مازالَ مفعماً بقناعة وحيدة تقول أنّ الحياة أرحب بكثير من أن تقف عند نص وتفسير من أي نوع ، وأنّ العقل هو النعيم وهو مناط الحُكم على الأشياء، وأنّ الايديولوجيا التي تُفرّق بين البشر ـ أرضية أو سماوية المَنشأ ـ هي جهنمٌ يصطلي بها اتباعها وتلحق بالأرض العذاب.