د منير الحمش لـ صاحبةالجلالة: الموبايل ليس رفاهية بل خدمة اقتصادية الفاسدون أصبحوا فنانين على حساب المواطن و الخزينة "جمركة الهواتف" بابٌ كبيرٌ للفساد ضحيته "المواطن".. فمن المستفيد ؟!
صاحبةالجلالة خاص _ كاترين الطاس
كثيراً ما نقرأ ونسمع عن تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية عموماً التي وضعت الإنسان في قلب تحولات كبرى لم يكن يتخيلها.. فالعالم تغير فعلاً، ولكن؛ هنا يجب أن نقف قليلاً لنتذكر أننا في سوريا أي في كوكبٍ آخر منفصل عن العالم الخارجي..
فعندنا نحن تطورٌ "من نوع آخر" لم يسبق لجميع دول العالم أن يسمعوا به، وهو "جمركة" الهواتف المحمولة.. بابٌ كبير للفساد أوجدته الحكومة خلال الأزمة التي مرت على سوريا ولا زالت تبعاتها تخنق المواطن يومياً بقرارات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها "لا تمت للواقع بصلة"..
وتعد تكلفة جمركة الهواتف "فلكية" فأقل هاتف جمركته تتجاوز المليون ليرة، عدا عن رفع رسوم تلك الجمركة كل فترة، ففي هذا العام فقط رفعت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، أسعار الجمركة 4 مرات دون أي تصريح أو توضيح أو حتى إعلان رسمي، بالإضافة إلى قيام شركتي الاتصالات (أم تي إن وسيريتيل) برفع أجور المكالمات والباقات أيضاً، ما زاد الخناق على المواطنين بشكل كبير.
ورفع أسعار الجمركة جعل “الموبايلات” المهرّبة تنافس تلك المستوردة بشكل نظامي، بسبب الفروق الكبيرة في الأسعار، إذ تزيد أسعار الأخيرة بنحو 40% على الأولى، والفرق الوحيد بينهما هو إمكانية العمل على شبكات الاتصالات في سوريا، التي تتراجع خدمتها بالنسبة لتغطية المكالمات وسرعة الإنترنت بشكل دائم.
طرق ملتوية "كسر IMEI"
“رامي” (صاحب محل موبايلات في دمشق)، قال في حديثه لصاحبة الجلالة، إن “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد تتقاضى أرباحاً وضرائب تفوق البلد المصنع للموبايل، كون سعر الجهاز (مجمرك) وصل إلى أرقام خيالية"، مضيفاً: "ولهذا لجأ المواطنين إلى تغيير رقم IMEI، وهو ما يعرف (بالجمركة البرانية)".
وتابع: "يلجأ بعض من يحصل على جوالات حديثة عن طريق التهريب إلى مختصين بـ "ضرب الأيمي imei" للجهاز الجديد، وهو تبديل الأيمي للجهاز الجديد بأيمي لجهاز قديم معرَّف على الشبكة، وانتشرت هذه الحيلة بشكل متسارع في سوريا خلال سنوات الحرب رغم مخاطرها الأمنية واضطرار من يلجأ إليها لإعادة العملية كل سنة أو أقل".
بدورها، أشارت الهيئة العامة للاتصالات في وقت سابق إلى أن "40 % من عمليات كسر الأيمي، تتم في مناطق خارج سيطرة الدولة"، محذرة المقبلين على هذه الخدمة من احتمال مشاركة "الأيمي" مع أحد الهواتف التي يستخدمها "إرهابي" وأن الخارجين عن القانون عادة ما يستخدمون أجهزة مشغلة على الشبكة بطريقة "كسر الأيمي"، التي تتسبب في الوقت ذات بمشاكل تقنية وجنائية.
من المستفيد ؟
صاحبة الجلالة التقت مع الباحث الاقتصادي، ورئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، الدكتور منير الحمش، للبحث حول هذا الموضوع، والذي أكد بأن "طرح هذا الموضوع في غاية الأهمية ليس من زاوية فرض ضريبة أو زيادة رسوم جمركية على مادة ما أو سلع مستوردة فحسب، إنما من زاوية أشمل ونظرة أوسع، أي من خلال مسألتين: الأولى تتعلق بالسياسات المالية والضريبة، والثانية تتصل باستراتيجية الدولة تجاه المواد والسلع ومدى توفرها بما يلبي حاجات السوق والتأثير على استهلاكها
من حيث الكمية والسعر".
وأكمل الحمش قائلاً: "في هذا الإطار تطرح موضوعات على جانب من الأهمية في مقدمتها الأهداف المراد تحقيقها من الضرائب والرسوم.. ومن هذه الأهداف تأمين إيرادات للخزينة العامة لمواجهة متطلبات الإنفاق العام بما في ذلك تقديم الخدمات العامة.. كما أن من بين الأهداف المتوخاة المساعدة في تنفيذ توجهات السياسة
الاقتصادية وأهداف التنمية بوجه عام والتي تتضمن التوجه العام نحو تخفيض أو زيادة استهلاك مادة ما أو سلعة ما"، لافتاً إلى أن "الضريبة تلعب دوراً أساسياً في زيادة إيرادات الدولة لمواجهة حاجات الإنفاق العام وسد عجز الموازنة، على أن يتم التنسيق مع الأهداف الأخرى المراد تحقيقها من الضريبة والتي من أهمها النظرة الى المادة أو السلعة المعنية من حيث الحاجة إلى زيادة استهلاكها أو تخفيض هذا الاستهلاك.. ويكشف هذا التحليل هامة الدور الذي تلعبه الضريبة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية بوجه عام".
الرؤية للمسؤولين "غير واضحة"!
وأضاف: "في الحالة المطروحة أي في مسألة رفع الرسوم الجمركية على الموبايلات على النحو الحاصل مؤخراً، فإن ذلك يأتي في إطار توجه عام في الدولة لزيادة الايرادت لمواجهة تصاعد احتياجات الإنفاق العام وخاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية والحصار، ولكن عدم وضوح الرؤية لدى الجهاز التنفيذي وعدم وجود خطة اقتصادية واضحة ومصادق عليها أصولا ومع شيوع حالة الفساد، جعل الجهات التنفيذية تعيش في حالة (هوس) لزيادة الإيرادات في سباق فوضوي غير مسبوق.. ومن هنا نفسر التهافت الحاصل في تحقيق زيادة في الأسعار وفي التعريفات في الأسواق بما فيها من حالات احتكار واستغلال".
وختم رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية حديثه لصاحبة الجلالة بالقول: "والموبايل لم يعد سلعة رفاهية أو وسيلة تسلية، فهو في تحقيقه خدمة الاتصال يقوم بفائدة اقتصادية واجتماعية، وخاصة في ظروف سوريا حالياً ووجود الملايين من السوريين النازحين واللاجئين خارج البلاد، ولكن الفساد والفاسدون أصبحوا (فنانين) في اقتناص الفرص لتحقيق المكاسب على حساب المواطن وخزينة الدولة لهذا نجد شيوع حالات التحايل ومنها الحالة المذكورة".