الدولة مستمرة بضرب الفساد ... اكتشاف فساد بمئات المليارات
بعد أن تم اكتشاف عمليات فساد اعتقدنا أنها كبرى في عدد من المحافظات السورية ولاسيما حلب واللاذقية تتعلق بتزوير بيانات عقارية ومخالفات بالجملة وإحالة أغلبية المتورطين إلى القضاء، والبحث عن المتوارين، كشف مصدر مطلع على ملف التحقيقات الجارية، أن الدولة السورية وضعت يدها مؤخراً على ملف فساد بمئات المليارات من الليرات تتعلق بنهب أموال وثروات الدولة، والتلاعب بالعقود وتهريب المال إلى خارج سورية مما ساهم في مزيد من الضغط على سعر صرف الليرة خلال السنوات الماضية.
وكشف المصدر فضل عدم الكشف عن هويته، أن الملف الأبرز الذي تم الكشف عنه مؤخراً كان في المؤسسة العامة للجيولوجيا وفي مادة الفوسفات تحديداً، حيث تم توقيف المتورطين جميعاً واسترداد مبالغ بمئات المليارات من الليرات وستتم إحالتهم إلى القضاء، مؤكداً أن الدولة مصممة على ضرب الفساد بيد من حديد، ولن يكون هناك أي مجال للتهرب أو التسامح في ملفات كبرى كهذه.
ولفت المصدر إلى أن ملف الفوسفات الذي تم الكشف عنه مؤخراً يتضمن العديد من المخالفات ومنها على سبيل المثال: عقد صيانة وإصلاح تم توقيعه ومن ثم تزويره وتنفيذه، ومن النتائج التي توصل إليها التحقيق تبين أنه إضافة إلى التزوير، تم تسليم المتعهد (منفذ العقد) كميات غير مستحقة من مادة الفوسفات وبسعر أقل بكثير من السعر العالمي المعتمد نتيجة فروقات أسعار سعر الصرف.
وأضاف المصدر: «التحقيقات بدأت من خلال التدقيق بعقد تم توقيعه بين المؤسسة العامة للجيولوجيا وشركة سورية مسجلة بريف دمشق بهدف صيانة وترميم خمسة معامل ومدة التنفيذ 6 أشهر بقيمة إجمالية بلغت قرابة 12 مليار ليرة، وبما أن الدولة تعاني صعوبات نقدية، تم الاتفاق مع الشركة على مقايضة قيمة العقد من مادة الفوسفات المنتج محلياً ووفقاً لمواصفات محددة، وقد أثبتت التحقيقات أن المتعهد قام وبالاتفاق مع عدد من موظفي المؤسسة العامة للجيولوجيا بتزوير هذه المواصفات والحصول على أصناف من الفوسفات غير المستحق وتصديره والاستفادة من قيمته من خارج أحكام العقد!».
ومن المعلومات أن المتعهد لم يكتفِ فقط بسرقة أصناف من الفوسفات غير المستحق، بل إنه بدلاً من تنفيذ العقد الموقع مع المؤسسة العامة للجيولوجيا والمحدد بمدة 6 أشهر وفق دفتر شروط محدد، تم إعداد ملحقين للعقد، و55 محضر تسوية، ما أدى إلى تمديد المدة العقدية من ستة أشهر إلى سنة وشهرين بتبرير ليس له أي مؤيد قانوني من قبل لجان التأخير، وحين بدأت التحقيقات في الشهر التاسع من العام الماضي، لم يكن العقد قد أنجز بعد، لا بل تم الكشف عن العديد من المخالفات للشروط الفنية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن معظم أعمال الصيانة التي تم تنفيذها عبارة عن أعمال ترميم إنشائية بيتونية ومعدنية ودهان وأعمال تشحيم وتبديل زيوت! كذلك تم تقديم تجهيزات ميكانيكية لا تحمل أي لوحة تعريف للمواصفات الفنية والمنشأ، بالإضافة إلى أن بعض التجهيزات مجددة وليست جديدة!
المصدر أشار إلى أنه طوال هذه الفترة كانت الشركة الموقعة للعقد تستفيد من كميات الفوسفات التي تمنح لها مقابل أعمالها (غير المنجزة وغير المطابقة للمواصفات الفنية المطلوبة)، ولعل الفضيحة الكبرى تكمن في تثبيت سعر الصرف عند توقيع العقد وكان آنذاك قرابة 400 ليرة مقابل الدولار الواحد، وبما أن العقد كان بالليرة السورية ومع تراجع قيمة الليرة كانت الشركة تحصل على أموال مضاعفة، حيث لا يجوز تثبيت سعر الصرف عند توقيع العقود بل يجب أن يأخذ في الاعتبار تبدل هذا السعر وفق النشرة الرسمية لمصرف سورية المركزي، واستفاد المتعهد مع هذه الثغرة، حيث حصل على «امتياز» غير منصوص عليه في أي بند من بنود العقد، سمح له بتصدير كميات من الفوسفات من دون سند قانوني وقبض ثمنها بالقطع الأجنبي خلافاً للأنظمة والقوانين التي تمنع أي شركة سورية بالتعامل بالقطع الأجنبي وبسعر صرف ثابت وهو «400 ليرة سورية»، الأمر الذي مكّنه من تحصيل مبالغ كبيرة من دون الإفصاح عنها.
المصدر بين أن الدولة شكلت لجنة فنية لدراسة كل المخالفات التي وردت في هذا العقد وتوصلت إلى العديد من النتائج التي تثبت تزوير العقد المبرم ومنح امتيازات غير قانونية للمتعهد، وعليه تم توقيف عدد كبير من موظفي الشركة العامة للجيولوجيا والتحقيق معهم حول ما توصلت إليه لجنة الخبرة، وبعد تقييم المبالغ التي نهبت وتلك التي أدت إلى فوات المنفعة العامة.
وختم المصدر بالقول: «تم استرداد مئات المليارات من المتورطين كافة وإحالتهم إلى القضاء حيث سينالون ما يستحقونه من عقاب، مؤكداً أن هناك العديد من اللجان التي تعمل حالياً للكشف عن ملفات فساد كبرى في عدة مجالات والتحقيقات جارية لكشف كل ملابساتها، وأن الأيام والأسابيع القادمة ستثبت أن لا تسامح مع الفساد، وكل هؤلاء الذين ظنوا أن الدولة منشغلة في حربها سيكتشفون أنه لا يمكن لأحد أن يغفل عن الفساد، وستتم المحاسبة عاجلاً أم آجلاً وسيتم استرجاع المال العام المنهوب والحقوق المهدورة، ولعل ما حصل منذ يومين تجاه مركز تجاري في الميدان خير مثال على ذلك، فبإمكان رجل ثري أن يشتري ذمم وترخيص ويحوي تسويات، لكن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، والتحقيقات جارية لمعرفة من رخص ومن سمح ومن أجرى تسويات في غير مكانها».
ووعد المصدر بتزويد الإعلام بمزيد من الملفات التي يتم العمل عليها حالياً، حيث يجب أن يكون الرأي العام على اطلاع بالحر.ب التي تشنها الدولة على الفساد، ويجب ألا تبقى حبيسة «وشوشات» تقال هنا أو هناك، فخلال السنوات الماضية تم استرداد المئات من المليارات من دون الإعلان عن ذلك، والدولة مستمرة في حربها هذه ولن تتوقف حتى محاسبة كل المتورطين.
الوطن