د. بسام أبو عبد الله يكتب : «متلازمة الأسد» ترافق هؤلاء في كل تحليل، وحركة المتصيدون في الماء العكر!
الكارثة الطبيعية التي أصابت سورية وتركيا، فرضت على الجميع تقديم مقاربات جديدة تتطلب إعادة النظر في كل ما كان يُطرح طوال 12 عاماً من مشاريع سياسية، ومحاولات تنفيذ هذه المشاريع تارة بالإرهاب المعولم، وتارة أخرى بالحصار الاقتصادي الخانق، والإجراءات القسرية الأحادية الجانب، معتقدين أن ذلك سيوصلهم إلى النتائج المرجوة التي خططوا لها، وأعلنوها دون أي أسرار تُذكر، لا بل مولوا هذه المشاريع بمئات مليارات الدولارات، حسب ما قال وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، ومع ذلك كله يُصر بعض من يسمون أنفسهم «معارضة سياسية» في الخارج، على الاصطياد بالماء العكر في كل مرحلة، وفي كل تحول، ويبنون على كل كلمة تقال، أو مقابلة تُبث مطولات وتحليلات لا أساس لها من الصحة من خلال عملية «القص واللصق» التي يقومون بها لإثبات صحة ما يتوهمون به، وما يسعون إليه من خلال طرح أفكارهم عبر برامج موجهة هدفها الاستمرار بالطروحات القديمة نفسها.
هنا سأحاول إيضاح مجموعة نقاط أساسية:
1- لا يوجد شماتة لدى أحد في سورية بكارثة الزلزال، فالموت حق، والكوارث الطبيعية يمكن أن تضرب أي دولة في العالم صغيرة أم كبيرة، وبالتالي فإن ادعاء البعض أن هناك شماتة لدى أي أحد هو مجرد افتراء، وهلوسة نفسية لدى قائليها، أما أن وقوع الزلزال ونتائجه الكارثية على تركيا قد تؤدي إلى مقاربات مختلفة، فهذا استنتاج طبيعي أمام هول المأساة، ولا مكابرة في ذلك لدى أي أحد عاقل وحكيم، والأمر لا يرتبط بتركيا فقط، وإنما أيضاً بسورية، ذلك أن الأعباء الهائلة التي أنتجها الزلزال على كاهل السوريين، هي أمر يتطلب التفكير بطريقة مختلفة حكماً بالنسبة لسورية وتركيا، والفاعلين الأساسيين في المنطقة.
2- يحاول بعض هؤلاء المتصيدين الصغار الادعاء أن الدولة السورية تشعر بالزهو، والعنجهية تجاه المقاربة الجديدة التي تُطرح الآن، وكأننا نحن من صنع الزلزال، وبالتالي نتعاطى بهذه العقلية مع مأساة أهلنا، أو جيراننا، وهذا تفكير مرضي يحتاج لعلاج نفسي قبل الزلزال وبعده، ويمكنني أن أسميه «متلازمة الأسد» أو «الأسد فوبيا»، كما هو الحال مع «إيران فوبيا» و«روسيا فوبيا» و«الصين فوبيا»، لأن هذه العقدة لا تدخل ضمن إطار علم السياسة، إنما ضمن إطار علم النفس، وبالتالي أحب البعض ذلك أم لم يحب، فالرئيس بشار الأسد هو رئيس الجمهورية العربية السورية، ولابد لكل من يريد التعاطي بالشأن الإغاثي، أو الإنساني من أن يمر عبر قناة الدولة، وهي القناة المعترف بها قانونياً وشرعياً ودولياً، بغض النظر من مواقف الغرب الجماعي المريضة التي تشكك بكل من لا يتفق مع سياساتها أو يواجه مخططاتهم.
3- يذهب هؤلاء إلى حدّ الاستعداد للقبول بما يسمونه إدارة غير سورية، لما بعد الزلزال، وكأننا في عصور الانتداب، وهؤلاء نتيجة للمرض النفسي الذي يعيشونه، مستعدون لبيعنا جميعاً بالمزاد العلني مقابل تنفيذ هواجس العقلية الثأرية لديهم التي لم تتغير منذ 12 عاماً، ما قبل الزلزال، وما بعده، والأساس ليس لدى هؤلاء الصغار إنما لدى معلميهم ومموليهم، ومشغليهم، وتخيلوا أن أحدهم يدعو لذلك من خلال «إدارة عربية» لمرحلة ما بعد الزلزال!
4- يريد هذا البعض أن يقوّل الناس ما لم يقولوه، ويقدموا أي كلام لمحلل سياسي على أنه موقف رسمي سوري جرى تمريره لفلان للإعلان عنه، وهذا وهم آخر يقع به هؤلاء في كل مرة، ويبنون عليه تحليلاتهم وتنبؤاتهم التي كثيراً ما تكون أقرب للدعاية، ومهاجمة الآخر منه للتحليل العميق المستند للمعلومات، ولابد هنا لهؤلاء من أن يفهموا أن الشاشات السورية مليئة بالآراء المختلفة التي قد لا تتفق مع بعضها، فأين الموقف الرسمي؟ الموقف الرسمي تعبر عنه الجهات الرسمية السورية، وليس الإعلاميين أو الصحافيين كما يعتقد البعض، وحتى لو قرأنا معلومة هنا أو هناك، فهي لا تقدم صورة كاملة عن الموقف الحقيقي.
5- «متلازمة الأسد» ترافق هؤلاء في كل تحليل، وحركة، وتصرف، فإذا ابتسم الرئيس خلال زيارته لعُمان في أثناء الاستقبال الرسمي له في مسقط، فهذا تعبير عن «قمة العنجهية» كما ادعى أحد هؤلاء الصغار، وأنا هنا لا أفهم ما علاقة الأدبيات والسلوك الراقي بما يسمونه «عنجهية»، وهل الابتسامة للمضيف كتعبير عن المودة والتقدير هي «عنجهية»! أمر غريب عجيب، ما يقوله هؤلاء، ويروجون له في كل تحول مهم، لأنه يزعجهم، ويُظهر خيبتهم، ولو على حساب دماء ملايين السوريين، وآلامهم، وأوجاعهم.
6- يسعى هؤلاء المتصيدون في الماء العكر لتقديم تهويماتهم، وتحليلاتهم كما يرغبون، ويتخيلون، وليس كما هو الواقع، والفرق كبير بين التحليل الرغبوي والواقعي، وهنا لابد من أن أشير إلى أن الحديث عن وفاق وطني بالطبع مطلوب، ولكن ليس للمجيء بعملاء أميركا، أو أي دولة أخرى كما يتخيل هؤلاء الذين تحدثوا عن ذلك علناً، وقالوا إن وجود ممثلين لأميركا وتركيا وغيرها، سيعني نهاية النظام السياسي في سورية! تخيلوا معي كيف يفكر هؤلاء، وماذا يريدون؟ وإلى ماذا يطمحون؟ وبدلاً من أن يركزوا جهودهم، وعملهم على دعم السوريين في كل مكان، وتعزيز اللحمة الوطنية بلغة جديدة ومقاربة مختلفة، يصر هؤلاء الصغار جداً على التأكيد لنا أن العالم كله سيتغير، ولكن هم لن يتغيروا، ففي كل دول الأرض يتوحد الناس في وقت الكوارث إلا من يسمون أنفسهم «معارضة الخارج»، فهؤلاء لم ولن يتغيروا، ليس لأنني أريدهم أن يؤمنوا بما أؤمن، أو يعتقدون ما نعتقد، ولكن لأن المعارضة السياسية التي تقوم على اجتثاث الآخر، ليست معارضة، وإنما هي أقرب لجسور الخارج في الداخل.
7- لتذكير هؤلاء بنيات وخطط هذا الغرب الجماعي، فقد كشفت «بي بي سي» قبل أيام نقلاً عن وثائق حكومية بريطانية أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، أبان حرب العراق، كانا يعرفان قبل سنتين من الاحتلال أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل، ومع ذلك استمروا بكذبتهم، وترويجهم للعالم كله أن الخطر قادم من بغداد، حتى غزوا العراق واحتلوه، وقتلوا وجوعوا ملايين العراقيين، ولذلك هل يعقل أن هؤلاء الصغّار مازالوا يروجون لنا عن البعد الإنساني لدى الغرب، ويريدون إقناعنا أن التنازل عن السيادة لإدارات أجنبية أو عربية هو المخرج الذي يرونه! وأن هؤلاء إنسانيين بغض النظر عمن يحكم سورية! والحقيقة أن هذا الكلام يدل على عمى سياسي واضح.
8- إن من يعتقد أن فتح المسار الإنساني قد يكون بوابة لفرض حل سياسي، كما كانوا يرونه قبل 12 عاماً، هو واهم وملتبس، فتعمق مأساة السوريين وحاجاتهم يجب أن تدفع الجميع للإدراك أن الفوضى ليست في مصلحة أحد، وأن وجود مؤسسات الدولة، أي دولة، هي حاجة منطقية لكل عاقل، أما التفكير على طريقة هؤلاء البعض، فهو أقرب للتفكير المرضي منه للتفكير السياسي الواقعي.
لا زهو، ولا عنجهية لدى أحد قبل الزلزال ولا بعده، ولكن كنا وما زلنا ندافع عن وجودنا وبقائنا، وهذا الوجود والبقاء لن يستمر إلا بامتلاك الحس الوطني العالي، وبتعاوننا جميعاً كسوريين للخروج مما نحن فيه، وهذا هو الطبيعي، أما من ما زالوا يعيشون عقدة «الأسد فوبيا»، فقد آن لهم أن يتخلصوا من هذه العقدة التي تثبت لنا في كل مرة أنهم ينفذون استراتيجية مقصودة تقوم على شخصنة المسألة السورية، بهدف التضليل، وإخفاء الأهداف الحقيقية للعدوان والحرب على بلدنا، وتأجيج مشاعر الكراهية، وهذه الاستراتيجية أصبحت مكشوفة ومفضوحة، وتجارة هؤلاء التي تقوم على الاصطياد في الماء العكر تكاد تكون مملة ومكررة، ولا جدوى منها.
الحل بوحدة السوريين داخل بلدهم، والتخلص من عقدة الدونية تجاه الغرب والمُشغِّل، والتوقف عن تحليل «القص واللصق»، وانتظار كل كلمة وهنة، وتحليل للبناء عليه، وبث المزيد من لغة الكراهية والتفتيت والتقسيم.
توقفوا عن لغة «الشيطنة» تجاه أبناء بلدكم، وعودوا لرشدكم، إذ لا يمكنني إلا أن أقول لكم «كفى يعني كفى».
الكاتب : د. بسام أبو عبد الله