“السوريون يغزون سوق العملات الرقمية”.. ما الأسباب؟
أظهر تقرير دولي عن عدد مستخدمي العملات الرقمية بحسب بلدان الولوج أن 177 ألف شخص من سوريا يملكون ويتداولون في سوق العملات المشفرة، متجاوزين بذلك دول عديدة، منها النمسا والإمارات، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن ماهية هذه الأسواق وأسباب ارتفاع نسبة السوريين المتداولين بها.
ماهي العملات الرقمية؟
بهذا الخصوص، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي محمد، لتلفزيون الخبر: “لا شك أن موضوع العملات الرقمية (المشفرة) لها بعض المزايا كما لها العديد من المحاذير، فجميع المعاملات تتم بين متعاملين مستقلين موجودين في كافة دول العالم، دون وجود لأي وسيط أو تسهيل”.
وتابع “محمد”: “بالتالي هي عمليات تتم بموجب المدفوعات عبر الإنترنت من طرف لآخر دون المرور بأي مؤسسة مالية، أو أنظمة رقابية، أو تدقيق على كيفية هذه الحوالات والأشخاص الذين يقومون بها”.
وأضاف الاختصاصي: “هذا التداول يتم عبر عدد من المنصّات، والتي تمّ افتتاحها لهذا الغرض، وهدفها الوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين في كافة دول العالم، لكنها تقوم بتقييد خدماتها في عدة بلدان، لأهداف معينة سواء مالية أو غيرها”.
منافذ لا يمكن ضبطها
وأوضح “محمد”: “عندما نتحدث عن أهداف غير مالية، فهذا متعلّق بكون العملات المشفرة والتداول بها يعني تجاوز النظام المصرفي الدولي، النظام الذي يعتبر بمثابة بوابة للدول لفرض عقوباتٍ على بعضها البعض، وهذا التداول ينظر إليه من منطق الهيئات الرقابية أو البنوك المركزية كمنفذ لا يمكن ضبطه”.
وتابع الاختصاصي: “المنصّات المتوفّرة للتداول في سوق العملات الرقمية تختلف فيما بينها ببعض الشروط، لكنها تعتمد مبدأ شراء العملات الرقمية عن طريق عملات مادية عالمية معتمدة، أهمها الدولار، اليورو، الروبل، اليوان الصيني، والروبية الهندية”.
مسببات غزو السوريين لأسواق التداول الرقمي!
بهذا الشأن، قال الاختصاصي: “لا بد بدايةً من التنويه أن سوق العملات الرقمية يستحوذ على اهتمام شريحة واسعة من المواطنين في الدول التي تُعاني تدني في المستويات والمؤشرات الاقتصادية، ارتفاع مؤشرات الفقر، وغير ذلك..”.
وأضاف “محمد”: “بعض نتائج الإحصائيات واستطلاعات الرأي أكّدت أن البلدان التي تُعاني عدم الاستقرار تهتم بالعملات الرقمية بشكلٍ أكبر من البلدان المتقدمة، كطريقة للهروب من عملاتها المحلية إلى عملات أخرى، إضافةً إلى كون مستويات الاستثمار في هذه الدول تكون بحدها الأدنى إن لم تكن معدومة”.
وتابع الاختصاصي: “بطبيعة الحال، سوريا من بين هذه الدول التي تتسم بانخفاض مؤشرات الاستقرار الاقتصادي، وتدني الاقتصاد بشكلٍ عام، وبناءً عليه السوريين سواء داخل أو خارج سوريا يهتمون بهذا السوق، نظراً للقفزات التي حققتها خلال السنتين الماضيتين على وجه التحديد”.
وأوضح “محمد” أن: “بعض المنصّات وجراء العقوبات المفروضة على سوريا على اختلافها، قامت بالتقييد تجاه السوريين بناءً على توصيات معينة، بالتالي اليوم هناك تقييد للسوريين في الوصول إلى بعض المنصّات الرقمية أو إغلاق لحساباتهم، في حين لا تزال منصات أخرى تسمح لهم ببيع وشراء هذه العملات المشفرة”.
هل هو تداول “مقونن”؟
وعن سماحية هذا التداول، أجاب “محمد”: “هناك تعاميم أو تصريحات للبنك المركزي السوري عمرها سنوات، حذّر من خلالها التعامل بالعملات الرقمية، موضحاً الأسباب حينها، أهمها عدم خضوعها لضوابط وتعليمات البنك، إضافةً إلى أنها تتداول من شخص لآخر بشكلٍ مباشر، دون وسيط”.
وأشار الاختصاصي إلى أنه: “لا يوجد إحصائيات وأرقام دقيقة، لكن لا شك منه أن هناك سوريين في الداخل يتعاملون بالعملات الرقمية، عن طريق خاصية تقنية تسمح لهم بالولوج والتداول، بالرغم من وجود تقييدات كما ذكرت سابقاً”.
أما بالنسبة لمعطيات التقرير الدولي، المنشور حديثاً، قال “محمد”: “أشار التقرير إلى عدد كبير من السوريين، واعتقد أنهم بنسبة قد تصل إلى 95 % من السوريين في الخارج، استطاعوا قبل التقييد بناء محافظ مالية وتغذيتها بالعملات المقبولة، والتداول من خلالها”.
وأوضح الخبير الاقتصادي: “يعتبر التداول بهذه العملات محلياً محظوراً، نظراً للأسباب التي ذكرتها سابقاً، والمرتبطة بالأمن والرقابة، إضافةً إلى أنها عملات غير حافظة للقيمة وفقاً للتغيّر السريع الذي يطرأ على قيمتها، فهي لا تتمتع بما تتمتع به العملات المادية من قوة إبرائية”.
سوريا تتجه لإصدار عملة رقمية محلية
وقال الدكتور “محمد”: “اعتقد أن بدء عمليات وإطلاق منظومة الدفع الإلكتروني على مستوى سوريا، من خلال المصارف وشركات الاتصالات، هو مقدمة وتهيئة للبنية التحتية لإطلاق عملة رقمية محلية وطنية، مستقبلاً، صادرة عن المصرف المركزي السوري”.
وتابع الخبير الاقتصادي: “عادةً تبدأ هذه التجارب على نطاق محدود، لتعود وتشمل كافة القطاعات لاحقاً، وهناك تجارب ناجحة لبعض الدول بهذا الخصوص”.
كيف ينعكس التداول الرقمي على الاقتصاد المحلي؟
وعن انعكاسات التداول بهذه العملات على البلدان النامية، في حال كان هناك سماحية للتداول بها سواء من قبل المنصات أو سلطات تلك الدول، أجاب “محمد”: “لا شك أن هناك تأثيرات كبيرة وخطرة، في حال السماحية بدون ضوابط”.
وأضاف الاختصاصي: “شراء هذه العملات المشفرة يكون بعملات أجنبية ذكرتها سابقاً، كالدولار مثلاً، بالتالي سيكون هناك محاولات لاستبدال العملات المحلية بعملات أخرى أجنبية، للتمكّن من التداول في السوق الرقمية”.
وتابع الخبير الاقتصادي: “هذا سيزيد بطبيعة الحال الطلب على العملات الأجنبية، مقابل زيادة عرض العملات الوطنية، ما ينعكس سلباً على العملات المحلية”.
خلاصة الكلام..
قال “محمد”: “من كل ما سبق، نستنتج أن نسبة السوريين المرتفعة، سببها السوريين الموجودين في الخارج، سواء في دول أوروبية وغير أوروبية، ممن قبلوا سابقاً قبل التقييد بالدرجة الأولى، فوصول السوري بعد التقييد إلى بعض هذه المنصّات ليس بالأمر السهل، ويتطلب الكثير من الشروط”.
يُشار إلى أن سوريا احتلت المرتبة العاشرة عالمياً في عمليات البحث عبر الإنترنت عن عملة “بيتكوين” وغيرها من أشكال النقود الرقمية، وفقاً لما نقلته صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن تحليل لموقع “TradingView”، في وقتٍ سابق.
يُذكر أن وجود عملة “بيتكوين” يعود لأول مرة إلى عام 2009، عندما اخترعها شخص، أو (مجموعة أشخاص)، سمّي افتراضياً “ساتوشي ناكاموتو”، وتعتمد مبدأ التعامل المباشر بين الأشخاص دون الحاجة لوجود وسيط، وتعتبر “بيتكوين” الافتراضية مثالية لإجراء الصفقات والتمويلات غير الخاضعة للرقابة.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر