بعد أشهر من تمويل المصارف للمستوردات.. ثبات "دون جدوى" لسعر الصرف ومكاسب "على البارد المستريح" للمستورد
عدة أشهر مضت على قرار تمويل المستوردات للقطاع الخاص كما العام عبر المصارف وشركات الصرافة المرخصة، وعدة تعديلات تلت القرار لتتوسع تدريجياً بقائمة المواد الممولة كان آخرها منذ أيامٍ قليلة، فهل جاءت النتيجة كما كانت الخطة حتى تصر الجهات المصرفية والاقتصادية على متابعة تنفيذ الآلية والتوسع بها.؟
مع بداية تطبيق الآلية في أواسط العام الماضي 2021 أعلن عن هدفين رئيسيين هما استقرار سعر الصرف وضبط أسعار السلع والمنتجات المستوردة، فكان للأول أن نجح نسبياً مقابل تدهور سريع للثاني، ومع شح المواد في الأسواق السورية منذ بداية الحرب الأوكرانية وبطء الاستيراد، تتالت التأكيدات بضرورة إلغاء العمل بتمويل المستوردات والسماح للمستورد بتأمين القطع من مصادره الخاصة أو حساباته في الخارج لضمان السرعة في انسياب المواد، إذ رآها البعض مكاسب "على البارد المستريح" تتحقق للمستوردين على حساب المستهلك وخزينة الدولة.
أولوية المواد الغذائية
ولعل أبرز الإشكاليات التي ظهرت مع التطبيق وفق العديد من التجار والصناعيين هو البطء في تمويل إجازات الاستيراد، حيث يتأخر بعضها لعدة أشهر بحجة الأولويات والتركيز على المواد الغذائية، فيما كشفت إحدى كبرى الشركات المستوردة لتجهيزات الطاقة المتجددة خلال مؤتمر الاستثمار في الطاقات إبلاغها من شركة الصرافة الانتظار لأكثر من عام ريثما تمول الإجازة.! وهو ما استبعده وزير الاقتصاد د.سامر الخليل، مؤكداً أن تمويل بعض الإجازات تأخر لثلاثة أشهر نظراً للتوجه الحكومي في شهر رمضان لإعطاء الأولوية للمواد الغذائية، إلا أنه في الأحوال الطبيعية شهرين، أما الحديث عن عام كامل فهو أمر مبالغ به، لافتاً إلى تجاوب المركزي مع طلبات التمويل الخارجي التي يقدمها المستوردون، فيما بيّن ممثل المصرف المركزي أن التمويل يتم بناءً على كتلة القطع الأجنبي المتوفرة والمعتمدة بشكل أساسي على الحوالات الخارجية.
الدواء المر
رئيس لجنة المصارف والتمويل في غرفة تجارة دمشق مصان نحاس قيّم الآلية بالمقبولة، حيث أصبح التمويل من المنصات المعتمدة من المصرف المركزي، مما ساهم بالقضاء على السوق السوداء، وحقق استقراراً في سعر الصرف، إلا أنها وفي الوقت ذاته قلصت الاستيراد والإجازات، وقلت البضائع في الأسواق، فشح المواد واضح للجميع ولا يمكن إخفاؤه، واصفاً الآلية بالدواء المر الذي لا بد منه للحفاظ على سعر الصرف.
وبيّن مصان لـ"المشهد" أن المواد الغذائية توضع في أولويات التمويل، فيما تستغرق الإجازات وسطياً 50 يوماً لتمويلها، مؤكداً أن سقف التمويل مفتوح مهما كانت قيمة الإجازة، إضافة إلى البدء مؤخراً بتمويل أجور الشحن مما يبسط من تأمين القطع الأجنبي للمستورد.
أحلاهما مر!
وعن الأسعار الآخذة بالارتفاع، أوضح نحاس أنها متعلقة بكلف الشحن العالية، وشح المواد بالعالم مما رفع أسعاها عالمياً، لذلك لم يشعر المستهلك بأثر القرار، إلا أن عدم تطبيقه كان لينعكس بأسعار أكثر من الموجود حالياً، فتكاليف الاستيراد أصبحت عالية جداً والحاوية المستوردة من الصين مثلاً ارتفعت من 2000 إلى 15 ألف دولار، معتبراً أنه يجب التركيز على الاستيراد من الدول الصديقة، وتسهيل التصدير لتأمين القطع الأجنبي الممول للمستورد وتشجيع الصناعة المحلية والتي تراجعت مؤخراً لعدم وجود المواد الأولية ونقص اليد العاملة وضعف البنى التحتية.
تشوهات
أما الاستاذ في كلية الاقتصاد بحلب د.حسن الحزوري فقد ذهب لضرورة تحرير سعر الصرف –كما فعلت إيران مؤخراً- واقتصار تمويل المستوردات لصالح القطاع العام، فاليوم يموَّل المستورد بسعر 3800 ليرة ليبيع التاجر وفق سعر 5000 ليرة من باب التحوط ولضمان مكاسبه، ويدفع المستهلك وخزينة الدولة الفرق في النهاية، متسائلاً: إذا كان التمويل يتم من الحوالات الواردة، فلماذا لا نسهل وصولها عبر القنوات الرسمية وبأسعار منطقية؟.
ورأى حزوري أنه مع تطبيق تمويل المستوردات فقد استمر التضخم والاحتكار وضعف الثقة بالقطاع المصرفي، مما زاد التشوهات الاقتصادية محلياً، مؤكداً أن السماح للمستورد بالتمويل من مصادره وفتح باب المنافسة في الاستيراد بعد وقف استيراد الكماليات وتحديد السلع المستوردة والمصدرة بدقة –وبلا استثناءات هنا وهناك- كلها خطوات يجب اتباعها لضمان انسيابية المواد واستقرار الأسعار.
وأوضح حزوري أن مشكلة الأسعار تكمن في زيادة التكاليف وليس الطلب، فالطلب موجود، ولكن هناك تكاليف كثيرة تضاف على المنتج، مقابل عجز تام من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط الأسواق
المشهد