بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

الورود الدمشقية.. عطور مقطّرة من أرضٍ مُباركة

السبت 30-04-2022 - نشر 3 سنة - 2036 قراءة

لم تكن مناسبة عادية أن تُدرِج منظمة “اليونسكو” “الوردة الشامية” ضمن قائمة التراث الإنساني الثقافي اللامادي للشعوب، وبالتالي يكون “إنتاج الزيوت من الوردة الدمشقية” أول موضوع يذكره كتاب “التراث الثقافي اللامادي السوري” الصادر عن الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الثقافة بإشراف الفنان التشكيلي طلال معلا، وذلك بعد أن توجهت الأمانة إلى حماية وتطوير زراعة الوردة الشامية عن طريق تأسيس جمعية أهلية تعنى بها على مستوى قرية “المراح” التابعة لناحية النبك في ريف دمشق الشمالي.

ويعد الورد الدمشقي المعروف علمياً باسم “روزا داماسينا” من أقدم أنواع الورد في العالم، وشذاه الفواح جعله المصدر التجاري الرئيس لاستخراج عطر الورد الذي تخصصت منطقة الشرق الأوسط بإنتاجه منذ القدم، لاسيما في عصر الإمبراطورية الرومانية… ويستوطن هذا النوع من الورود البراري في منطقة الشرق الأوسط ويعتقد الباحثون إن أول نبتة منه وصلت أوروبا جاءت من مدينة دمشق ولذلك أطلقوا عليه اسم “ورد دمشق”. وقد برع العرب في تقطير عطر الورد وكانوا أول من استعمل الكحول الإثيلي لاستخلاص الزيوت العطرية حيث تمكنوا من تقطير الكحول من السكر المتخمر وطوروا تقنية التقطير التي لم تعرفها أوروبا إلا في العصور الوسطى. ‏

وقد عطّر الورد الدمشقي نسائم أوروبا في القرن الثاني عشر عندما حمله الصليبيون معهم إثر حملاتهم على المشرق، وأدى ذلك إلى استعادة زراعة الورد شعبيتها من جديد في أوروبا بعدما فقدت أهميتها إثر انهيار الإمبراطورية الرومانية ، وأثبت الورد الدمشقي قدرته على تحمّل برودة المناخ الأوروبي وصار المفضّل في رياض النبلاء وحدائق التجار الأثرياء، وبدأ العطارون الأوروبيون باستعمال بتلاته تجارياً لصنع العطور والمساحيق والعقاقير.

وكانت الوردة الدمشقية “روزا داماسينا بيغيرا” التي يطلق عليها الفرنسيون اسم “الفصول الاربعة” أول وردة في أوروبا تُنتج محصولين من الأزهار خلال فصل الصيف مساهمة بشكل كبير في رواج صناعة تقطير عطر وماء الورد الذي تشتهر به منطقة جنوب فرنسا حتى الآن، وهي تتميز بلون وردي فضي صاف وأوراق خضراء ناعمة الملمس. ومن بين أنواع الورد التي حطت جذورها في أوروبا “روزا داماسينا فير سيكولور” التي أطلق عليها البريطانيون اسم وردة “يورك ولانكاستر” و”عمر الخيام” و”أصفهان” و”مجد جيلان” وجميعها زهري اللون، و”مدام هاردي” الناصعة البياض ذات العبير الزكي، و(ليدا) الموشحة بالأحمر القاني على أطراف بتلاتها كحسناء أنهت زينتها للتو.. ‏

وتسمية الورد فن رفيع بحد ذاته يكاد يتبع “بروتوكولاً” خاصاً يليق بالوردة التي تعتبر بحق ملكة الأزهار، إذ يتبارى المتخصصون في هذا المجال في اختيار أوصاف رومانسية لها أو أسماء مشاهير وأماكن محببة لديهم، في حين لا يكفي جمال اسم الوردة وشكلها ولونها وحده للمفاضلة بين نوع وآخر، لأن رائحة الوردة تبقى العامل الأهم في اختيار أجمل الورود، ولذلك تتفوق الورود الدمشقية على غيرها برائحتها العبقة وأريجها المميز والذي جعل منها أهم الورود المستعملة في استخراج عطر الورد الثمين.. ‏لتبقى الزهور أجمل هدية عبر العصور وتبقى صديقاً لكل إنسان في الأفراح وفي الأتراح، أودعها الله أسرار الجمال والفتنة ووهبها لبني البشر رمزاً صادقاً وحياً أبداً للحب والوفاء ورِقّة المشاعر ورهافة الحسّ من خلال باقة أو حتى وردة مهداة.

تشرين


أخبار ذات صلة