ركود في تجارة الألبسة… والدخل لا يتناسب مع الأسعار …!!
يحاول مصطفى الباشا تحقيق التناسب بين راتبه الشهري وأسعار كسوة العيد لزوجته وأطفاله، لكنه يفشل في تحقيق هذه المعادلة المستحيلة، بعد اكتشاف الهوة الكبيرة بين مرتبه الشهري وأسعار السوق.
الأسعار لاتناسب الدخل
الباشا موظف حكومي في وزارة التربية منذ 20 عاماً ويتقاضى اليوم 115 ألف ليرة ، اكتشف أن راتبه بالكاد يكفي لشراء بنطالين وكنزة من الجودة المتوسطة، لذلك سيضطر إلى الاستدانة لتأمين مصاريف عائلته في حال شرائه القطع الثلاث .
يقول الخمسيني في حديث لـ “تشرين” أعتزم اللجوء إلى سوق البالة لشراء ملابس العيد، بعد قيامي بجولة في الأسواق ورؤية الأسعار الجنونية ، مشيراً إلى أن اقتناء الملابس الجديدة أصبح من أشكال الرفاهية في هذا الوقت، لذلك فإن أغلب أصحاب الدخل المحدود باتوا يشترون ملابسهم من البالة ، فأسعارها تناسب دخلهم إلى حد ما ، رغم عناء البحث عن المقاسات المناسبة .
تختلف قليلاً الأوضاع المعيشية لأصحاب المهن عن الموظفين في بعض الأحيان. عائدة القاسم 35 عاماً ، تعمل في شركة خاصة ، استطاعت شراء بعض الملابس ، تقول اشتريت قميصاً وبنطالاً لزوجي بمئة ألف ليرة، كما اشتريت بنطالاً لي بـ 69 ألف ليرة ، الأسعار مرتفعة جداً ولم أستطع شراء باقي كسوة العيد، يجب أن أحسب ثمن الطعام والشراب أيضاً.
الأسعار بالأرقام
تشهد أسواق الملابس الجديدة ركوداً كبيراً على وقع الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار الكبير ، ويعاني المواطنون من ضعف القدرة الشرائية، حيث بلغ سعر البنطال الجينز النسائي 50 ألف ليرة ، والكنزة ما بين 20- 40 ألف ليرة والتنورة ما بين 35- 45 ألفاً , ووصل سعر الفستان إلى 150 ألفاً، وبالنسبة للملابس الرجالية فبلغ سعر البنطال الجينز 60 ألف ليرة و بنطال القماش 50 ألف ليرة، وتراوح سعر القميص ما بين 25 – 75 ألف ليرة والكنزة ما بين 20- 45 ألفاً .
يقول سائر المعاذ صاحب محل في سوق الحمراء لـ ” تشرين”: أسعار الملابس أصبحت “شبه جنونية” هذا العام، فمحلات بيع الألبسة شبه فارغة بسبب ارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية عند المواطنين، مشيراً إلى أن أغلب المواطنين لا يستطيعون اقتناء الملابس، باستثناء بعض الشرائح وأصحاب الدخل المرتفع ، لتتحول المحلات “للفرجة” فقط، من دون الاقتراب منها للشراء.
الحكومة تسعى لإنقاذ ما تبقى
لا يمتلك معظم المواطنين القدرة على شراء ألبسة جديدة للعيد القادم بعد أيام قليلة، إذ باتت الملابس من الكماليات، مقابل تأمين الحاجات الأساسية.
يقول عماد القباني رئيس لجنة الجمارك والتموين بغرفة تجارة دمشق في تصريح لـ ” تشرين” : إن التكلفة زادت على المصنع بسبب حوامل الطاقة ، وإذا أردنا المقارنة بالأسعار على السنوات الماضية نرى اليوم أن سعر الملابس أرخص من الأيام الماضية على سعر الصرف و لكن المواطن اليوم يعاني من ارتفاع الأسعار و هذا واقع، و لأن المواطن لاعلاقة له بسعر الصرف , فدخله بالليرة السورية وأيضاً ارتفاع أسعار المواصلات و قلة العمالة .
مبيناً أن الارتفاع الأكبر على المنتج سببه أجور الشحن التي وصلت إلى خمسة أضعاف عن الفترات الماضية و جميعنا يعلم أن جميع المواد الأولية ارتفعت عالمياً بنسبة تتراوح ما بين 30- 50% و ارتدادها على واقع اسواقنا في ظل الحصار الاقتصادي الجائر يسبب ارتفاعاً بسعر المنتج بنسب أكبر، لافتاً إلى أن نسبة الأرباح اليوم أقل من الأيام الماضية سواء للمصنع و للتاجر، بالإضافة إلى الجهد المبذول لإتمام الإنتاج، فالأسواق مفتوحة ويحاول التاجر العمل على تقليب البضاعة وتيسير البيع ولو كان خاسراً .
وأكد القباني أن الحكومة تسعى لدعم المهنة وتسهيل إجراءات استيراد المواد الأولية وهذا يكون إيراده للسوق المحلي من باب المنافسة و يساعد بتصدير المنتج ، متوقعاً أن يكون هناك انخفاض لكثير من المنتجات خلال شهرين بعد إنهاء معوقات حوامل الطاقة والذي بدوره سينعكس على قطاع الألبسة بشكل إيجابي .
أسباب بالجملة
أرجع العديد من الصناعيين سبب ارتفاع أسعار الألبسة بشكل رئيسي إلى عزوف كثير من الصناعيين وأصحاب الورش عن الإنتاج بسبب انقطاع الكهرباء وارتفاع سعر المازوت وحتى انقطاعه في كثير من الأحيان، ما يمنع الورشات من تشغيل مولدات الكهرباء.
حيث أوضح رغيد الحلبي رئيس رابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج أن القطاع يواجه تحديات داخلية وخارجية متعددة هي نتيجة مباشرة للحرب التي انعكست نتائجها وظهرت حالياً : ” نقص في اليد العاملة، وتراجع قيمة العملة، وأزمة وقود، وارتفاع في تكاليف الإنتاج، وتقلّص السوق الوطنية، وإقفال الأسواق الأجنبية”
وأشار الحلبي إلى صعوبات تواجه قطاع الألبسة، وأهمها عدم توافر الطاقة أو غلاؤها في بعض الأحيان، إذ إن الكثير من معامل الألبسة تتوقف عن العمل خلال الفترة الحالية بسبب هذه الأمور، إضافة لعدم توافر المواد الأولية ، حيث إن الإنتاج المحلي محدود وغير كاف ، لذلك يتم الاستيراد من الهند والصين والتي ارتفعت بنسبة 30% ، مبيناً أن هذه الصعوبات لها تأثير مباشر على سعر الألبسة أولاً وفي الحجم أو الوجود ثانياً، إضافة لذلك هناك ضعف في القدرة الشرائية للمواطن بسبب الغلاء.
وأوضح أن كل معامل الألبسة التي تعمل حالياً بأقل 50%من طاقتها الإنتاجية نتيجة الصعوبات التي يواجهها قطاع الألبسة، لذلك يقوم الصناعيون بتخفيض هامش الربح المخصص 25 % بهدف تصريف بضائعهم، مؤكداً أن الأسعار ارتفعت حوالي 20% من المعمل وذلك بسبب ما يستخدمه المصنع من نوع طاقة للإنتاج ، فالبعض يستخدم الطاقة الشمسية أو البطاريات وهنا تكون التكلفة أقل من الذي يستخدم الموالدات ويشتري المازوت من السوق السوداء بأكثر من 4 آلاف ليرة لليتر الواحد .
ويتوقع الحلبي عدم ارتفاع الأسعار أكثر قبل فترة العيد، فهي بحسب تعبيره وصلت لأعلى سعر، مؤكداً اختلاف الأسعار بين سوق وآخر وذلك بحسب الصنف والنوع والمنافسة للبيع وتصريف البضائع .
الألبسة من الكماليات
يعتبر موسم الألبسة الحالي هو الأضعف منذ 10 أعوام ، حيث سجّلت نسب البيع تراجعاً كبيراً منذ مطلع شهر رمضان.
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور عمار اليوسف أن شراء ثياب العيد بات من الكماليات للصغار، فالكثير من العائلات تناسوا شراءها منذ سنوات، فراتب الموظف لم يعد يكفيه لتأمين المواد الغذائية اليومية، ما جعله عاجزاً عن إدخال الفرح بلباس العيد.
وأضاف اليوسف: هناك حالة ركود في الأسواق بين توقف حركتي الشراء والتصنيع، والسبب يعود لارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع القدرة الشرائية للمواطن بنسبة تصل إلى 80 بالمئة، ما اضطر البعض إلى التوجه لشراء ألبسة شعبية ذات نوعية رديئة.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى صعوبات العمل بهذه المهنة حالياً مع ارتفاع أسعار المواد الأولية لأكثر من 10 أضعاف، لتصبح على سبيل المثال كلفة تفصيل الطقم الرجالي نحو 500 ألف ليرة بعد أن كانت لا تتجاوز 10 آلاف ليرة.
وبيّن أن التسعير بات عشوائياً في السوق، ولا أحد يتقيد بالفواتير أو ببيانات الكلف، بسبب وجود هدر مالي على الطريق منذ تسلّم المواد حتى وصولها إلى السوق، ويضاف هذا الهدر لدى بعضهم على الفواتير الكاذبة لتغطية هذه النفقات.
رقابة مشددة
وحول الرقابة المفروضة على الأسواق ضمن التخبط الكبير في الأسعار تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى تنظيم 2200 ضبط خلال الشهرين الماضيين، منها 1000 لعدم إعلان أسعار و 400 ضبط تتعلق بالفواتير و 50 ضبطاً مواد مجهولة المصدر و 700 للبيع بسعر زائد والامتناع عن البيع، وتكون العقوبة حسب المخالفة وجسامتها.
بالمقابل يؤكد محمد إبراهيم مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق في تصريح لـ ” تشرين ” أن هامش الربح المسموح به ٢٥% للمنتج من كلفة الإنتاج و ٣٠% لتاجر المفرق، حيث يقوم منتجو الألبسة بتقديم بيانات التكاليف لإنتاجهم لمديريات التموين في المحافظات وفي حال الشك في ارتفاع السعر يقوم عناصر الرقابة التموينية بسحب عينات للدراسة السعرية وتحال إلى لجنة مختصة لدراستها أصولاً والتأكد من مطابقة السعر للتكاليف الحقيقية وفي حال مخالفتها يتم تنظيم المخالف ضبط الإعلان بسعر زائد ويحال الضبط إلى القضاء المختص لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة وكذلك يتم التشديد على ضرورة تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية للتأكد من عدم تجاوز هامش الربح المحدد.
وتابع الإبراهيم : كلما اشتد الطلب على مادة اشتدت الرقابة عليها، نراقب المادة من الناحية السعرية وأحياناً نقارنها بأسعار ما قبل شهر رمضان ونقارنها أيضاً من ناحية المواصفات إذا كانت مطابقة للمواصفات أو غير مطابقة. مبيناً وجود لجان مختصة بدراسة أسعار كل مادة، وخاصة الألبسة، واللجنة مؤلفة من حرفيين وأعضاء فنيين إضافة إلى أنه يرأسها معاون مدير أو مدير التجارة الداخلية في كل محافظة.
وأكد أن الدوريات خلال موسم الأعياد متواجدة بشكل دائم في الأسواق وبنظام الحملات بإشراف معاوني المدير ورؤساء الدوائر والتأكيد على ضرورة الإعلان عن الأسعار وتداول الفواتير ومؤخراً صدر قرار الوزير سمح بموجبه بالتنزيلات لأسعار كافة أنواع الألبسة والحلويات والمكسرات حتى نهاية فترة العيد بهدف توفير هذه المواد للمواطنين بأسعار مناسبة.
وختم الإبراهيم حديثه قائلاً : عندما تحدث المغالاة بالسعر ينبغي التدخل حسب المواصفات ثم السعر، ويجب توافر شكوى بادعاء شخصي من أحد المواطنين, إذ لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت تصريحاً خطياً وإلا فإن الضبط يعتبر ناقصاً وعند وجود شكوى للمستهلك الحق في إعادة القطعة عند شرائها بسعر زائد عن السعر المحدد أو إذا كانت مخالفة للمواصفات .
تشرين