مسؤول: الأسعار في سوريا تدرس بشكل دقيق
كنت جالساً كأي مواطن مثالي في ظلام التقنين وأقلب في قنوات الراديو الصغير بحوزتي الذي يعمل على البطاريات وإذ بأذني المتعبة من الشعارات، تحط على لقاء مع مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك “نضال مقصود” وهو يتحدث عن الأسعار فقال حرفياً: «الأسعار الحالية تدرس بشكل دقيق وتعبر عن تكاليف إنتاجها أو استيرادها».
أطفأت الراديو عند هذه الجملة المعبرة جداً، وتساءلت على أي قاعدة تدرس هذه الأسعار، للوهلة الأولى توقعت أنها تدرس على قاعدة رواتب أوروبا فتذكرت أننا نسينا وجود أوروبا على الخارطة، فعدت إلى هدايتي وعرفت أنها تدرس وفق رواتبنا المتخنة بالزيادات والمنح والتي تعبت الدولة من دفعها لنا.
فكرت في سعر سندويشة الفروج المشوي الذي يريد أولادي تناوله منذ بداية “رمضان” فتبين لي أنه 30 ألف وفي أحسن الأحوال يكون 27000، وهو مايبدو أن تسعيرته درست بعناية لكي تكون ثلث راتبي لا أكثر ولا أقل بالظبط ثلثه، فإذا أطعمت أولادي هذا الفروج مرة واحدة بالشهر فإن قيمته تعادل 10 أيام عمل لي، حتى تسعيرة أيام عملي مدروسة جيداً كل عشرة بفروج.
ثم تذكرت أنني صامد وبلادي فيها حرب فهبطت من الفروج إلى الفلافل، حيث أن مطعم الحي كان قد وضع سعر السندويشة أمس 1800 ليرة، ونحن 5 أفراد في هذه الأسرة الوطنية المثالية التي تحب العلم والمعرفة ودراسة الوطنية والتاريخ ومنشورات الرفاق، أي أن عشاءنا ليوم واحد يعادل 9000 ليرة سورية، وهو مبلغ مدروس بعناية لكي يكون أقل من 10000 بحيث يبقى لدي ألف ليرة لأذهب بها إلى دوامي وأعود باليوم التالي حيث أن إيجار السرفيس من منزلي إلى مكان عملي هو 500 ليرة مع العودة يصبح 1000 وهو مبلغ أيضاً مدروس بعناية بحيث يكلفني بالشهر حوالي ثلث راتبي، الذي أصبح ثلثه ثمن فروج وثلثه مواصلات وباقي ثُلث.
الثلث الباقي أشتري فيه كل المواد الأخرى التي أحتاجها والمدروسة بعناية، مثلاً أشتري سلة السورية للتجارة والتي درس سعرها بعناية، أو لا لا أعتذر هذه قميتها 80 ألف لا أستطيع شرائها (قد راتبي تقريباً)، بل أشتري بالثلث الباقي، خبز وماء حتى البصل والبندورة والملح لا يكفيني هذا الثلث لتوفيرها.
في نهاية الأمر أعود لأوروبا التي يبدو أن حكومتنا نسيت أنها على الخارطة سياسياً، لكنها ماتزال تعتمد رواتبها وكأن دخل المواطن السوري أوروبي فتبني تحديد الأسعار المدروس على رواتب أوروبا.
هاشتاغ