الدكتور الياس نجمة يقدم رأيه بالأداء الحكومي : الحكومة تتعامل مع التضخم بعقل اداري وبيروقراطي
صاحبةالجلالة - خاص
نأمل أن لا يغيب عن الحكومة أن التضخم يأكل الموارد المالية للدولة أكثر مما يأكل موارد الأفراد، بسبب طبيعتها النقدية. وعدد كبير من مواردها يتضاءل لعدم تمكنها من التكيُّف والتماشي مع ارتفاع الأسعار. علماً أن السلع والخدمات التي تقدمها الدولة فقدت قسم كبير من قيمتها النقدية في السوق، وهي لن تستطيع معالجة هذا الأمر بزيادة أسعار ما تُقدمه من سلع وخدمات إلى ما لا نهاية.
ومع الأسف استمرت الحكومة في التعاطي مع ظاهرة التضخم بعقل إداري وبيروقراطي، وعبر إجراءات لا تُطبَّق إلا بقوة السلطة، وليس عبر الآليات الاقتصادية. في حين أن التضخم هو ظاهرة مالية اقتصادية بامتياز، والمطلوب التعامل معها عبر سياسات مالية ونقدية، لا تستند فقط على إجراءات التقييد الكمِّي، وإنما تستخدم أدوات التحليل الاقتصادي والنقدي التي تستجيب للخصوصيات الاقتصادية المحلية، والإقليمية أيضاً.
وربما كانت الإجراءات التي عمدت لها الحكومة في الآونة الأخيرة لزيادة إيراداتها من خلال رفع أسعار المواد التي تتحكم بها، سبباً أساسياً في زيادة الكلف والمزيد من صبّ الزيت على النار على صعيد التضخم ككل.
كما ساهمت التضييقات المالية والمصرفية والبيروقراطية في رفع الكلف أيضاً، علماً أن فوائدها مؤقتة وأضرارها دائمة، ومن المفيد تجنُّب ذلك حتى في أصعب الظروف، نظراً لإسقاطاتها النفسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي المجمل إن إصرار الحكومة على التعاطي مع التضخم على أن مصدره زيادة التدفقات النقدية يهمل جانباً كبيراً من الأسباب الأكثر خطورة، التي جعلت منه تضخماً جامحاً لا تستجيب له إجراءات التهدئة التقليدية.
الدكتور الياس نجمة استاذ مادة السياسات المالية والنقدية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق