التخلي عن الدولار والتسويات بالعملة الوطنية والبداية تمويل 99% من المستوردات بالليرة السورية
لا يزال الاقتصاد السوري يعاني من توحش العقوبات الأحادية الأمريكية التي حاصرت الاقتصاد وتسببت بمعاناة كبيرة للمواطنين من جراء الحصار المفروض والذي تسبب بتراجعات كبيرة في المستوى المعيشي للمواطن من جراء تراجعات متتالية لسعر الصرف خلال سنوات الحرب والحصار على سورية.. وكان العديد من المسؤولين في الحكومة قد طالبوا العالم بالتخلي عن الدولار واستقبلوا بحماس قرار روسيا ربط الروبل بالذهب وإمكانية بحث التسويات المتبادلة مع روسيا بالعملات الوطنية.
ويقول الدكتور حيان سلمان المحلل الاقتصادي : “سورية كانت أول من دعا العالم إلى التخلي عن هيمنة الدولار، لأنه الأداة الرئيسة في الهيمنة الأمريكية على النظام الاقتصادي العالمي، ومنذ عام 2011 أضافت سورية بقرار جريء الروبل الروسي واليوان الصيني إلى محفظتها من النقد الأجنبي”، ويرى الدكتور حيان سلمان في تصريح خاص لـ ” تشرين ” أن القرارات الاقتصادية الجريئة التي تتخذها روسيا بحكمة ودراية وتخطيط استراتيجي رداً على العقوبات الأمريكية والغربية الأحادية التي طالما كانت كالسيف على الرقاب بحق الشعوب من منطق العربدة الأمريكية وعلى طريقة المافيا الاقتصادية الغربية بدأت تجد من يقف بوجهها ويصحح الأوضاع الفوضوية التي فرضتها الدول المستبدة، ومن هنا كان قرار البنك المركزي الروسي مؤخراً بشرائه الذهب من البنوك التجارية الروسية في الفترة من 28 آذار وحتى 30 حزيران بسعر ثابت وقدره 5000 روبل للغرام الواحد، إجراء هام وجريء واقتصادي وبمنزلة إعلان لتشكيل عالم جديد متحرر من سيطرة الدولار .
ولفت الدكتور حيان إلى أن “سورية تتعاون مع روسيا بما يخدم مصالح الجانبين بما في ذلك المجال المالي، وبحث التسويات بالعملات الوطنية يحتاج بحثاً تقنياً بين المختصين من الجانبين”، لكنه أكد على المستوى العالي للعلاقات بين البلدين في جميع المجالات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها من مجالات التعاون بين البلدين الصديقين.
وأكد الدكتور حيان أن المركزي وسّع في 13 من آذار الحالي، عدد المواد التي يمولها عبر شركات الصرافة المرخص لها بتمويل المستوردات، على أن تستثنى من ذلك المستوردات التي صدرت بوالص الشحن الخاصة بها قبل نفاذ هذا التعميم، ما يسمح بتمويل نحو 99% من المستوردات بالليرة السورية من خلال شركات الصرافة عبر التسجيل على تطبيق المنصة المخصصة لذلك.
وأضاف: في 28 من شباط الماضي، قررت لجنة إدارة مصرف سورية المركزي تمديد العمل بالقرار الصادر في 31 من آب 2021، والمتعلق بشروط تمويل مستوردات القطاعين العام والخاص، مع تعديل بعض البنود.
وفي القرار الصادر في 31 من آب 2021، اشترط المركزي تمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك عن طريق حساب المستورد المفتوح بالقطع الأجنبي بأحد المصارف العاملة في سورية، أو من حسابات المستورد المصرفية الموجودة في الخارج، أو عبر المصارف السورية المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، أو إحدى شركات الصرافة.
مجلس الذهب العالمي :
وعن احتياطي سورية من الذهب أشار الدكتور حيان إلى أن مجلس الذهب العالمي “World Gold Council” كشف مؤخراً عن حصص الدول العربية من إجمالي احتياطات الذهب في العالم، ضمن تقرير شمل 98 دولة.
ووفقاً للتقرير، حلّت سورية بالمرتبة العاشرة من دون أي تغيير في الاحتياطي لها الذي بلغ 25.8 طناً، وكانت سورية احتلت المرتبة التاسعة عربياً في احتياطي الذهب للعام 2017 متفوّقة على البحرين والإمارات وقطر، حسب تقرير مجلس الذهب العالمي.
بينما احتلت المرتبة الثامنة عربياً، من حيث احتياطات الذهب خلال العامين 2015 و 2016.
ارتفاع أسعار الذهب :
وفي الأسواق السورية ارتفع سعر غرام الذهب بمقدار ألفي ليرة، بعد أن حافظ على سعر وقدره 205 آلاف ليرة سورية للغرام عيار 21 قيراطاً.
ونشرت الجمعية الحرفية للصاغة وصنع المجوهرات نشرة بأسعار الذهب، حيث سجل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً 207 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر الغرام عيار 18 قيراطاً 175 ألفاً و714 ليرة.
وأرجع رئيس الجمعية سبب ارتفاع أسعار مبيع الذهب محلياً في سورية، إلى المتغيرات الاقتصادية العالمية، منوهاً بأنه لا يمكن التنبؤ بحركة مؤشر أسعار الذهب في الفترة المقبلة، نتيجة عدم وجود استقرار في الاقتصاد العالمي، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب لكونه الملاذ الآمن في مثل ظروف كهذه.
ربط الروبل بالذهب : يقول الدكتور حيان سلمان اتخذت روسيا قراراً كرد جريء مباشر على العقوبات الاقتصادية الغربية لأنها مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وتجلى هذا القرار الهام بربط عملتها بالذهب وسبقته عدة قرارات منها؛ رفع سعر الفائدة وبيع النفط بالروبل، وأتوقع سنوسع دائرة السلع الغذائية غير الصديقة ، ولفت الدكتور حيان إلى أن ربط الروبل بالذهب يعدّ تصحيحاً للإجراءات الاقتصادية حيث إن قاعدة الذهب كان معمولاً بها منذ عام 1828م وانطلقت من أمريكا وبقيت حتى عام 1971 لكن في عام 1944 عندما حصرت اتفاقية بريتون وودز ربط الدولار الأمريكي بالذهب وظهر ما يدعى الدولار الذهبي وحدد قيمته على أساس كل أونصة ذهب تساوي 33 غراماً تعادل 35 دولاراً، أي إن سعر غرام الذهب الواحد يساوي أكثر من دولار واحد بقليل، من هنا كان السبب في «السلبطة» الأمريكية على دول العالم.. من خلال التلاعب بأسعار الصرف، ويكفي أن نقارن سعر غرام الذهب الآن على ما كان عليه عام 1944 أي عام 1944 م أي سنة اتفاقية بريتون وودز وقام الرئيس الأمريكي نيكسون بتاريخ 15/8/1971م بالسماح بطباعة الدولارات من دون أي تغطية ذهبية أو إنتاجية واعتمدت ما يسمى تعويم الدولار وكل العالم يعرف أنه لا توجد تغطية لهذا الدولار.
روسيا اتخذت قراراً جريئاً يؤدي لتشكيل عالم جديد بربط عملتها بالذهب والتخلي عن الدولار الذي لا قيمة له بذاته، وحددت روسيا أسساً معيارية علمية لهذا الموضوع وفق أن كل 5000 روبل تعادل غراماً واحداً من الذهب، وهذا الموضوع سيكون مدعوماً من قبل الثروات الروسية سواء أكانت الاحتياطات نقدية أم وقوداً إحفورياً أم ذهباً؟ ومعلوم أنه لدى روسيا أكثر من 630 مليار دولار احتياطي وتملك أكثر من 2300 طن من الذهب وهي دولة عظمى وهي ثاني أكبر منتج للغاز في العالم وثالث أكبر منتج للنفط وتبيع بحدود 11 ألف برميل .
وكل هذا سيدعم الروبل الروسي وهذا سبب انخفاض سعر صرف الدولار في روسيا .
ويضيف الدكتور حيان : بعد العقوبات الغربية على روسيا و تجميد احتياطاتها من النقد الأجنبي قد تشعر الدول العملاقة في إنتاج السلع الأساسية في العالم مثل الصين و دول أخرى إن احتياطاتها النقدية ليست آمنة وضرورة الانتقال إلى نظام نقدي جديد أكثر إنصافاً وأماناً .. وما نشاهده الآن هو بداية نهاية ربط النفط بالدولار (نظام نقدي مهيمن و متفرد ) و ولادة نظام نقدي متعدد الأطراف مدعوم بالذهب و السلع وليس العملات الورقية فقط.
و مع سقوط أحجار الدومينو فالأحداث المتوقعة؛ زيادة الطلب على الذهب المادي والتقلبات في أسواق الذهب الورقية على أساس سعر الذهب المعاد تقييمه، والابتعاد عن الدولار وزيادة التجارة الثنائية في السلع بين الدول غير الغربية بعملات غير الدولار، وربما من المبكر معرفة تأثر الدولار لكنه سيخرج أضعف من قبل .
تشرين