الناشطة الاجتماعية رجاء خروس.. معلمتان كانتا طريقي إلى الله
صاحبة الجلالة _ محاسن عبد الحي
يختبر الله سبحانه وتعالى الإنسان بالابتلاء والمصائب فالمؤمن يصبر احتساباً لوجه الله تعالى مهما كانت مصيبته كما قال تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت *2-3*.. كما أنه خص الصابرين بالأجر الكبير والمكانة العظيمة في الدنيا والآخرة فكان الابتلاء دافعاً للارتقاء بالعلاقة مع الله كما افتتحت الناشطة الاجتماعية رجاء خروس حديثها لصاحبة الجلالة.
تقول.. نشأتُ ضمن بيئة ريفية محافظة، وتديني جاء من باب العادة لا أكثر، ولكن بوجود شخص مؤثر وملهم بحياتي تحول إيماني إلى يقين وعمل فعلي، فالكلمات التي تخرج من القلب تصب في القلب حيث جاءتنا معلمة لمادة الفلسفة في المرحلة الثانوية، فشرعتْ مع كل نظرية فلسفية تشرحها وتفسرها تربطها بالدين، فتعمق مفهوم الذات الإلهية في عقلي وقلبي أنا وجميع صاحباتي في الصف، وبدا كلامها حبل نجاتي وطريقي لمحبة الله، لا كما يصوروه لنا، وإنما محبة وعلم وعمل، فألقى الله منذ ذلك الحين في قلبي نور الإيمان الذي يصحبه عمل نافع وأجرى الله على لساني دعاء رددته مراراً "اللهم اجعلنا مغاليق للشر مفاتيح للخير".
لم تكن قصتي الوحيدة لتثبت علاقتي بالله، وإنما رزقني الله بمدرّسة اللغة الإنكليزية "خديجة اسعيد" التي أُعدها بمثابة أخت كُبرى لي، انتشلتني من الحالة النفسية الصعبة التي رافقتني جراء إلزامي تطبيب والدتي في مرضها العضال بعام 1992م،
ومن بعدها إصابة أختي بالمرض عينه وتوفاهما الله تعالى، بفترات متقاربة وبينهما توفي والدي، فعانيت سلسلة مستمرة من الابتلاءات لم أكن أستطيع أن أرفع رأسي من مصيبة لتأتي الأخرى لتجهز عليّ، فأهملت نفسي وتخليت عن طموحي.
لكن لم يشأ الله أن ارتمي بغيابات جب اليأس جاءتني المعلمة وقالت: "الحياة تستحق أن تكون رجاء فيها" كلمات خرجت من قلبها لتصب في قلبي، وشُحذتْ همتي من جديد وعدت بدافع أكبر للحياة، والتجأت إلى كتاب الله فشعرت بمواساة إلهية بين طياته كلما قرأت سورة يوسف " الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿1﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿2﴾ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴿3﴾" استمتع بمعانيها واستمد القوة من فحواها، وتزيدني يقينا بالله.
أما على الصعيد الأسري كان زورقي للنجاة ومجذافي للعبور لتكملة رحلتي بالارتقاء إلى الله أخي الصغير "بلال" المصاب بمتلازمة داون الذي عهدت رعايته بعد والدتي _رحمها الله_ فجاءتني فكرة التقرب إلى الله بالعمل النافع واخترت العمل المجتمعي، والهدف الأساسي منه رفع الوعي العام ونشر ثقافة حب الوطن الصحيحة بدءاً من رمي القمامة بالمكان المخصص ورعاية الممتلكات العامة وصول إلى إنشاء جيل قادر على حماية المجتمع من الأفكار التي تؤدي لزعزعته.
وبعد مفارقة بلال للحياة بعام 2014م بدأت بمبادرتي الأولى بإزالة الكتابات والجمل المسيئة عن جدران مدينة التل بعد عودة الحياة لطبيعتها، كانت مبادرة فردية استثمرت تواجدي على منصات التواصل الاجتماعي لأعلن عن مشروعي وما لبث أن توسع ليشمل ثلاثة فرق ورعاه حينها مجلس مدينة التل برئاسة الأستاذ "جهاد سلعس" وبمشاركة رابطة شبيبة التل وفريقي الخاص فنانات مبدعات من بلدتي.
ثم توالت المبادرات بتكريم أبناء الشهداء وأيتام مدينة التل، ومبادرة دعم المركز الثقافي ببعض أعمال الترميم وإنشاء نادي أصدقاء المركز، ومبادرة دعم الأسر المنتجة وتثقيف ربات البيوت بالتعاون مع مركز الدعم النفسي والأمانة السورية للتنمية، وآخر مشاريعي حتى لقائي هذا مبادرة إنشاء حدائق عامة عائلية مجانية لأبناء المدينة. ولن تتوقف سلسلة الأفكار لدي لأنها تتغذى من حبي للذات الإلهية والنفع العام، ويحضرني دائما أحاديث النبي صل الله عليه وسلم "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس"، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".