من هم الأكثر أجراً ودخلاً في سورية؟.. المصرفيون.. الأطباء.. أصحاب الحرف وخبراء الصيانة مديرو مصارف تصل رواتهم لـ25 مليون ليرة ! … الفئة الأقل دخلاً هم موظفو الحكومة
ازدادت الهوة في الدخل بين فئتين هما الأقل أجراً والأكثر أجراً، لتصل الفوارق إلى عشرات الملايين من الليرات، حيث يحقق المديرون العامون للمصارف الخاصة دخلاً شهرياً لايقل عن 18 مليون ليرة شهرياً والمتوسط 25 مليون ليرة ويمكن أن يصل إلى 35 مليوناً للمديرين من حاملي الجنسية الأجنبية، في وقت لا يتجاوز سقف راتب المدير العام للمصرف الحكومي 156 ألف ليرة، وفق الزيادة الأخيرة في الأجور، وكذلك الحال بالنسبة للأطباء في المشافي الحكومية الذين لا يحصلون على أكثر من سقف الحد الأعلى للأجور لفئتهم، أما في المشافي الخاصة فقد يتجاوز الأجر الشهري عدة ملايين ليرة، وهذا الحال ينطبق حتى على المعلمين في المدارس الحكومية ومن الاختصاصات المطلوبة حيث يقبض مدرس الرياضيات في المدرسة الحكومية مبلغ مئة ألف ليرة مهما كانت خبرته، والمدرس ذاته لا يقل راتبه في أي مدرسة خاصة عن نصف مليون ليرة سورية.
أجرينا استقصاء في عدد من المحافظات بين القوى العاملة والحرفيين وتبين لها أن أغلب الحرفيين لم يتأثروا كثيراً بسعر الصرف، وتحسنت أجورهم تبعاً لارتفاع الأسعار، حيث زادوا التكاليف وفق نسب مواد الإنتاج واليد العاملة وهي جزء من مستلزمات الإنتاج، حيث حافظ أصحاب المهن المطلوبة على أجور جيدة وصلت الآن في كثير من المهن إلى مليون ليرة سوري، مثال ذلك أصحاب الخبرة في صناعة الألبسة والمنتجات الكهربائية والبلاستيكية، ويمكن أن يتجاوز ذلك بأضعاف مضاعفة للأشخاص الذين لديهم خبرة واسعة، ومثال ذلك صناعة الألبان والأجبان، ورؤساء خطوط الإنتاج في صناعة المواد الغذائية في القطاع الخاص يمكن أن يتجاوز راتبهم مليوني ليرة سورية، وكذلك الحال في المطاعم يصل راتب الشيف المميز إلى 1.5 مليون ليرة سورية في دمشق، وأقل عامل في أي مطعم يصل أجره إلى 400 ألف ليرة سورية، وأقل راتب في القطاع الخاص 300 ألف ليرة سورية لأي عامل مهما كان عمله من دون أي خبرة.
أما بالنسبة للتعليم في القطاع الخاص والدورات الخاصة فأقل راتب شهري هو 500 ألف في أي مدرسة أو معهد خاص، وهناك البعض من كبار المدرسين في القطاع الخاص يحصل على مليون ليرة سورية، وبين عدد ممن تم سؤالهم عن أسعار الدروس الخصوصية أن ساعة المواد العلمية عند كبار المدرسين تصل إلى 25 ألف ليرة سورية، وبشكل عام لا يوجد درس خصوصي في أي مادة ولأي مدرس كان ولو لم يكن خبيراً بأقل من 5 آلاف ليرة سورية.
أما بالنسبة لأصحاب الحرف الخاصة من إصلاح مكيفات وسيارات وغسالات وغيرها فالأجر هنا مفتوح وحسب اتفاق صاحب العمل والحرفي، ولكن الأكيد أن أغلب الحرفيين يمكن أن يتجاوز دخلهم اليومي 200 ألف ليرة سورية، حيث علمنا أن فك محرك سيارة وإعادة تركيبه من دون أي قطع يكلف مليون ليرة سورية، وهو لا يستغرق أكثر من ثلاثة أيام في أبعد حد، وفحص شبكة كهرباء السيارة من دون أي إصلاح لا يقل عن 10 آلاف ليرة، وأجور تركيب إشطمان من دون قيمته 25 ألف ليرة سورية.
في القطاع العام تبقى الأجور محدودة ومرتبطة بالقانون، حيث لا يمكن أن تتجاوز الحد الأعلى لسقف الفئات الوظيفية التي أصبحت الآن 156 ألف ليرة سورية، لكن أكد لنا عدد من العاملين في القطاع العام أن أغلبهم اليوم لا يعتمدون على الراتب، فإن لم يكن هناك استفادة من العمل الوظيفي (فساد) بحيث أن عمله ومكانته لا تسمح له بذلك، فإن أغلب العاملين في القطاع العام يعملون في مكان آخر وربما أكثر من عمل، وهم لا يستطيعون ترك عملهم، إما بسبب عدم الموافقة على الاستقالة أو الإجازة بلا أجر، أو لأنهم ينتظرون الإحالة إلى المعاش والحصول على معاش تقاعدي، لكن هناك إجماع من أغلبية من تحدثنا إليهم أنه لا يوجد موظف في القطاع العام يعتمد في حياته على الراتب الذي يقبضه في تأمين معيشته لأن أقل عائلة تحتاج إلى مصروف يصل إلى خمسمئة ألف ليرة شهرياً في ضوء الارتفاع الجنوني للأسعار.
أما الفئة التي تعتبر أعلى دخلاً وهم كبار رجال الأعمال وأصحاب الأملاك العقارية، والأطباء وكبار المحامين والمهندسين فإن نسبتهم لا تتجاوز 10 بالمئة من الشعب السوري، وهؤلاء لم يتأثر دخلهم بارتفاع الأسعار، لأن كلاً منهم يرفع أسعاره بشكل آلي مع كل تغيير في الأسعار، حيث نجد أن أسعار الأدوية ارتفعت بالقياس إلى رواتب ذوي الدخل المحدود أكثر من 10 أضعاف، وكذلك الخدمات الصحية إذ إن معالجة السن اليوم تكلف أكثر من 100 ألف ليرة، وزراعة السن مليون ليرة، والعمليات الجراحية فقط لا تقل كلفتها عن 100 ألف ليرة، وهناك عمليات نوعية تصل إلى عشرات الملايين مثل زراعة الحلزون والقلب المفتوح وفتح الدماغ وغيرها.
الأستاذ الجامعي شفيق عربش بيّن أن الفجوة بين الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً والأكثر دخلاً أصبحت كبيرة، ولفت إلى أن نسبة الفقراء ارتفعت بشكل كبير ونسبة فاقدي الأمن الغذائي أصبحت كبيرة.
ورأى عربش ذلك في حديثه لـ«الوطن» أن الأسباب التي أدت إلى ذلك يأتي على رأسها الفساد واستغلال الحرب الكونية على سورية، حيث تاجر تجار الأزمة بكل شيء مدعومين من شخصيات رسمية، وجمعوا ثروات هائلة نتيجة مصهم لدم الشعب الصامد.
ولفت عربش إلى أن الفساد كان موجوداً قبل الحرب لكن ليس بهذا الحجم، وقال: كان الشعب في الأغلبية يعيش بشكل جيد، وكانت نسبة الفقر 11 بالمئة في الحد الأدنى وفي الحد الأعلى 30 بالمئة، وأوضح أن معيار الفقر دولياً في الحد الأدنى هو 1.75 دولار يومياً والأعلى 2.5 دولار في اليوم، وأضاف: ما يعني أن 1.75 لأسرة من 5 أشخاص يعادل 9 دولارات يومياً وذلك بسعر السوق الموازي 30 ألف ليرة يومياً للأسرة وهذا صعب جداً أن يتحقق في ظل هذه الظروف وانتشار البطالة، مشيراً إلى أن نسبة الفقر الأدنى بلغت 45 بالمئة ونسبة الفقر العام ما بين فاقدي الأمن الغذائي والطبقة الهامشية تجاوزت 90 بالمئة.
ورأى عربش أن أخطر ما في ذلك هو أن نسبة الطبقة الهشة هي 30 بالمئة وأي هزة تصبح فاقدة لسبل العيش، مشيراً إلى وجود دراسات في المكتب المركزي للإحصاء خلال عام 2021 لتقييم كل ذلك.
الخبير الاقتصادي عامر شهدا أكد أن الفئة الأقل دخلا هم صغار الموظفين والعمال المياومون وأصحاب العقود الشهرية، اما أصحاب الدخل المفتوح فهم التجار وأصحاب المهن العلمية، وهناك زيادة في عدد ذوي الدخل المحدود بسبب السياسة الاقتصادية الداعمة لفئة معينة حيث حصل 10 صناعيين على 75 بالمئة بالمئة من قروض المصرف الصناعي البالغة 30 مليار ليرة.
ويرى شهدا أن القانون 8 الخاص بدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر يشكل الطريق الصحيح لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وإزالة الفوارق بين الطبقتين الأقل دخلاً والأعلى دخلاً، لأننا اليوم نشهد طفرات في تشكل الثروة بسبب اقتصاد الظل، الذي يجب العمل على إلغائه لأنه سبب كل التدهور الذي حصل في الاقتصاد السوري.
وأشار شهدا إلى تناقض عجيب في موضوع الأجور حتى في القطاع العام حيث إن فرق الراتب بين عامل في الفئة الخامسة وأستاذ جامعي لا يزيد على 20 ألف ليرة. وفي الميدان التجاري نجد أن هناك فوارق كبيرة، فبعض التجار يمكن أن يحققوا دخلاً شهرياً يزيد على 30 مليون ليرة وغيرهم لا يتجاوز دخله 5 ملايين ليرة، وأضاف إن المبالغة في أرقام كلف الإنتاج أدت إلى ثراء فاحش لدى الصناعيين، حيث إن الأسعار في بعض الخدمات والأعمال الإنتاجية الحرة أصبحت تفوق 400 بالمئة من التكاليف الحقيقية، وبالتالي هذه الأرباح أدت إلى تخريب الاقتصاد وإفقار الفئات الأقل دخلا نتيجة التضخم وفقدان الليرة للكثير من قدرتها الشرائية، وأكد أن الحل في العودة إلى مشاريع التنمية الشاملة ويجب أن تكون البداية من الريف.
أخيراً: من خلال هذه القراءة والمتابعة والآراء نجد أن من تأثر بتغيير الأسعار هم فقط أصحاب الدخل المحدود من العاملين في الدولة، يتبعهم العاملون في القطاع الخاص من الفئات الدنيا، وبقية الفئات الأخرى متوازنة نتيجة قيامها برفع أسعار منتجاتها وخدماتها بالتوازي مع كل ارتفاع تشهده الأسواق، وكذلك الحال زادت فئة قليلة جداً من أرباحها بشكل فاحش وهم تجار الحرب ورموز الفساد.
الوطن