أكاديمي: رفع الدعم إن طبق كما في التسريبات سيكون ظالماً لفئة كبيرة
ثلاث ساعات، هو الوقت الذي تطلبه البحث عن رقم يتعلق بحجم الصادرات والواردات في أحد الأعوام، والذي انتهى إلى منافسة أخيرة بين ثلاثة أرقام، أحدها صادر عن رئيس الحكومة، والثاني عن وزير الاقتصاد، والثالث عن لجنة التصدير، علماً أن الفارق بين الأرقام الثلاثة ملايين الدولارات..!
في اطلاع سريع على ما صُرح به من أرقام وإحصائيات خلال شهر واحد فقط، تجد أنك أمام مسابقة أو مزاد، والأكفأ هو من يرفع الرقم أكثر، وحين يسأل صحفي مسؤول ما عن رقم، يشعر وكأن هذا السؤال هو "البعبع" الذي لا يجوز الاقتراب منه، وإن تجرأ على السؤال: "على أي أساس اتخذ هذا القرار أو ذاك؟" فالجواب الجاهز دائماً: "بعد الكثير من الدراسة والتحليل توصلنا إلى كذا وكذا..".
ما يزال غامضاً الوقت الذي تمضيه اللجان والمؤسسات بالدراسة واتخاذ القرارات في ظل غياب شبه كامل للبيانات الدقيقة.! وهو أمر يظهر جلياً في القرارات التي لا تمت للواقع بصلة، فالواضح أن التجريب و"التشليف" هو المعيار الوحيد المتبقي لاتخاذ أي قرار.
اليوم يناقَش رفع الدعم التدريجي على أنه قرار حكومي شامل، و"ذبلت" أعين المسؤولين عنه من شدة التمحيص والتدقيق، ليتمخض عن النقاشات قائمة بالفئات التي قد تستبعد لم تراعي أية حالات خاصة أو أية منطقية في اختيار هذه الفئات، ففي وقت نتجادل فيه على عدد السكان، وعدد المنشآت، وعدد الصناعيين والتجار والحرفيين والعاملين، ووسط غياب بيانات عن أي من هذه الفئات يأتي القرار الأخير على أرضية هشة فقيرة لا دعائم لها قد تنهار عند أول نسمة.
على مر السنين أثبتت الحكومات المتعاقبة أنها تكره الرقم الإحصائي –يقول الاستاذ في كلية الاقتصاد د.شفيق عربش- مشيراً إلى أنها في المقابل تعشق الاجتهاد وإعادة التجارب مرة تلو الأخرى، وهي اليوم تعمل بطريقة "الدوغما" وبغياب أية بيانات عنها، فالمهم أن تخرج بين الفترة والأخرى بقضية جديدة ومثيرة للجدل.
ويرى عربش أن الذين يعملون على موضوع الدعم لا يستفيدون من الأرقام الموجودة، فمثلاً هناك مسوح أجراها المكتب المركزي للإحصاء لم يفرج عنها بعد، إضافة إلى البيانات المتوفرة لدى شركة تكامل، والتي يمكن عبر تحليلها ودراستها، استبعاد أغلب الذين لا يستحقون الدعم بدلاً من الفئات التي نشرت بالأمس.
عندما يصرح وزير التجارة الداخلية منذ مدة بأن من فاتورته 25 ألف ليرة لا يستحق الدعم، وبعدها يقول بالأمس أن من يدفع ثمن وجبة الغداء 50 ألف ليرة يجب استبعاده، فهذا طرح شعبوي –وفق عربش- قد يتعاطف معه البعض، إلا أنه لا يقبل معياراً لتحديد من يستحق الدعم، مبيناً أن الرقم بات شماعة كما العقوبات، فكل فشل يُنسب إلى الحصار أو إلى غياب الأرقام الدقيقة.
ويشير عربش إلى أن المسوح الإحصائية التي أجراها برنامج الغذاء العالمي بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء، بينت أن نسبة الفقر في سورية تجاوزت 90%، فعندما تعلن الحكومة استبعاد 25% من السكان من مظلة الدعم فهذا يعني أنها لا تعتمد على البيانات الموجودة لديها، وتحتج بغياب الرقم الدقيق علماً أنه لا يوجد في العالم رقم دقيق 100%، فإذا كانت الأرقام تؤشر لتفاقم الفقر بسورية يجب ألا ننتظر الحصول على نسبة دقيقة بل المباشرة بإجراءات علاجاته.
ويعتبر الاستاذ في الاقتصاد أن رفع الدعم إن طبق كما في التسريب بالأمس، سيكون ظالماً لفئة كبيرة، فهو وإن كان مقبولاً لبعض الفئات، إلا أن التعميم يظلم الكثيرين، فليس كل طبيب أو محامي لديه نفس الدخل، مضيفاً: إن كانوا قادرين على تحديد جميع هذه الفئات بدقة لرفع الدعم عنهم، فكان باستطاعتهم إذاً تحقيق الإصلاح الضريبي الذي دائماً ما يصطدم بنقص البيانات.!
المشهد