الدم الذي أصبح أرخص من الماء جرائم الأقارب … صورة سوداء عن المجتمع
شهدنا خلال العامين الماضيين العديد من جرائم القتل والاغتصاب البشعة ارتكب بعضها بطرق وحشية ولكن هذا أمر طبيعي يحدث في كل بلدان العالم وليس فقط في سورية لكن غير الطبيعي والشاذ في تلك الجرائم هي أنها "جرائم صلة رحم" أي أن الجاني والضحية برتبطان بصلة الدم والقرابة.
ومن خلال بعض الجرائم التي نشرتها صاحبة الجلالة ضمن زاوية كواليس المجتمع خلال تلك الفترة نستذكر جميعنا الجريمة التي هزت بلدة حفير الفوقا بريف دمشق حيث استعانت فتاة بعد فشلها بقتل والدها عبر وضع السم له بالأركيلة بثلاثة أحداث ليقتلوه مقابل السماح لهم بسرقة المنزل والشاب الذي قتل زوجته بالرصاص لأنها رفضت الذهاب مع والدته إلى حفل زفاف في السيدة زينب والآخر في حماة الذي استدرج ابنة عمه القاصر واغتصبها وقتلها وحرق جثتها بالبنزين.
كما لا يذهب من بالنا قصة الفتاة القاصر في التضامن بدمشق التي هربت من منزلها بعد أن تعرضت للاغتصاب بموافقة "والدها" الذي أجبرها على ممارسة الجنس رغماً عنها مع الزبائن الذين يحضرهم لها لقاء المنفعة المادية وتلك المرأة في الحسكة التي سكبت البنزين على زوجها و"ضرتها" وأولادها وأحرقتهم وهم نيام .. والأخرى التي قتلت ابن ضرتها الرضيع في ريف الرقة المحرر.
ومن تلك الجرائم الغريبة أيضا قيام عم بطعن أبناء أخيه الأطفال في أماكن مختلفة من أجسادهم بسبب خلاف على دجاجة في ريف دمشق والرجل الذي قتل أخيه أمام زوجته وأطفاله.. والزوج الذي خنق زوجته بالغاز طمعا بالمنزل وبزوجة جديدة.. والشاب الذي ساعد لص على سرقة منزل والده بحمص والخال الذي قتل ابن أخته في الجسر الأبيض ورماه في بئر في جبعدين والحفيد الذي قتل جدته وقطعها وأخفاها ببرميل من أجل اسوارتي ذهب في جرمانا والرجل الذي ألقى قنبلة على منزل والد زوجته في نهر عيشة فقتلها وأصاب باقي عائلتها..الخ.
صاحبة الجلالة وللوقوف على هذه الظاهرة من جوانبها النفسية والاجتماعية بعيدا عن القانون والقضاء تواصلت مع الأخصائي في علم النفس الدكتور ياسر بازو الذي أوضح أن مدلولات وتحليل نوعية الجريمة الموصوفة التي تزايدت في الآونة الأخيرة يقود إلى الاستناد إلى التحليل النفسي _ الاجتماعي متقاطعا مع علم النفس الجنائي ليقودنا بدوره إلى عرض أولي للدافع الجرمي الذي يتضح فيه غالبا الجانب المادي والحصول على أموال ومقتنيات الضحايا ولكن الجديد في الأمر هو وجود صلات قربى بين الجناة والضحايا وهي من الدرجة الأولى والثانية ما يدل على تفكك الروابط الأخلاقية في المجتمع لدرجة سوداوية.
وبالتحليل لهذا التفكك عزا الدكتور بازو أسبابه إلى مجموعة عوامل على رأسها الحالة المعشية القاسية والغلاء المتنامي في كل متطلبات الحياة والأثار النفسية والاقتصادية والتغيرات الديموغرافية الناجمة عن سنوات الحرب الإحدى عشر إضافة إلى تفلت السلاح في الكثير من المناطق وان كان غير علني وسهولة الحصول عليه .
وأوضح الدكتور بازو أن من بين الأسباب أيضا مشاهد الحرب التي شاهدها البعض عيانا في مناطق الأحداث واختزان عقله الباطن لأصوات الرصاص والانفجارات وغيرها لتنعكس تصاعدا في الاستعداد والانتقال اللا شعوري إلى التفكير الإجرامي إضافة إلى تهاون وتراخي السلطات في الكثير من المناطق عن التطبيق الحازم وتجريم ومحاكمة حاملي السلاح عند استخدامه في حالات الابتهاج وإعلان نتائج الشهادات حيث (لم تنفع المناشدات عبر السنوات الماضية والتوضيحات الإعلامية ) حتى التخفيف من هذه السلوكيات المتخلفة والغوغائية رغم الإصابات الناجمة عنها الأمر الذي روج لمزاج شعبي محبط .
وبين الدكتور بازو أنه لا يمكن إغفال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تنامي السلوكيات المنحرفة لكن في هذه الجرائم طغت الأسباب الآنفة الذكر على هذا العامل الذي يبقى مؤثرا رغم الجهود القانونية لمكافحة الجريمة الالكترونية بمختلف أشكالها.
وأكد الخبير النفسي أن تنازع منتديات التوعية والإرشاد الاجتماعي بمختلف مسمياتها وجهاتها حول طرق حملات التوعوية والنسبة المتدنية في توجهاتها للذكور والشباب واقتصارها على العنصر النسائي قلل من فاعليتها وجدواها.
وختم الدكتور بازو بالقول.. " لقد تم ملاحظة ظهور أشكال من الجريمة كانت إلى فترة قريبة قليلة الحدوث في المجتمع السوري والتي أخطر ما فيها تفكك الروابط الأسرية وغيابها كعامل أخلاقي ووجداني لمنع الأفعال الجرمية وبالتالي لهذا السبب الكبير والمهم جدا لابد من خطة وطنية توضع بعد دراسات معمقة وشفافة للتوجيه والإرشاد (إعلاميا وقانونيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا ) وإلا فنحن سوف نتوقع الأسوأ مما يحدث حاليا" معتبرا ما طرحه نظرة تحليلية نفسية اجتماعية منفتحة على النقاش الاختصاصي بالدرجة الأولى.
هامش: معظم الجرائم تأتي من متلازمات الحياة التي يعيشها الإنسان في ظل الفقر والبطالة وانفصام الشخصية وانعدام التوجيه الأخلاقي وغياب الوازع الديني ودور الأسرة والمدرسة وإدمان المخدرات ما يتطلب من المعنيين بالجانب الثقافي والاجتماعي والديني الوقوف مطولا أمام مرآة ما يحدث كبداية تبنى عليها طرق المعالجة والحل.