مع الله كل الطرق توصلني إلى الله.. والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق

صاحبة الجلالة _ نيرمين مأمون موصللي

إن أساس العلاقة بين العبد وربه قائمة على مبدأ واحد لا ثاني له ألا وهو (هو رب وأنا عبد) فعندما أتيقن هذا المعنى كل الطرق توصلني إلى الله والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق

الإعلامي ومقدم البرامج في قناة نور الشام أنس ذو الغنى في حديث خاص لصاحبة الجلالة يروي كيف بدأت علاقته مع الله فيقول:

قد لا أدرك هذا المعنى و أنا طفل صغير على الرغم من أنني خلقت على الفطرة و لكن ما أن أكبر و أدرك حقائق الأشياء حتى أجد أن الله قد أحاطني بعنايته و فضله مذ كنت جنينا في بطن أمي فقد ساق لي رزقي و لم أبصر الحياة بعد عن طريق حبل سري يقوم مقام أجهزة الإنسان جميعها و هو ما يسمى بالغشاء العاقل و ما إن أخرج إلى الحياة حتى يقطع عني ذلك الباب ليفتح لي بابين جديدين من الرزق يدران لي رزقا فيه من الغذاء الكامل المتغير طعماً و دسما و حرارة ضمن الرضعة الواحدة ثم يغلق تلكما البابين ليفتح لي أبوابا شتى مما لذ و طاب من الأرزاق ...وهذا ملمح من ملامح العناية الإلهية التي لا تعد و لا تحصى و قال الله سبحانه وتعالى و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ...

قد أنظر في نفسي و في خلقي فأرى عجائب صنع الله فيَّ و قد أعطاني عقلاً و سمعا و بصرا متقلبا بهذه النعم التي لا أدرك عظيم و سابغ فضلها إلا إذا رأيت من فقدها أو حرم منها و بذلك أدرك بعقلي القاصر كل ذلك لأستشعر عندها معنى عبوديتي لله سبحانه وتعالى و هو القائل و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فعندما أدرك ذلك كله أتيقن تماماً أن في عبوديتي لله أكون حرا و قد قال أحد الصالحين ( كن عبدا لله فإن عبد الله حر ) و إن لم أكن عبدا له سأكون عبدا لغيره و غيره لا يملك لي ضرا و لا نفعا و لا حياة و لا نشورا لإنه عبد مثلي شاء أم أبى يعتريه الضعف مهما بلغ من القوة و الفقر مهما بلغ من الغنى ...و هذا المعنى لا يدركه إلا أصحاب القلوب السليمة و الأرواح الطيبة و العقول الذكية و طريق الوصول إلى تلكم المراتب العظيمة طريق واحد لا ثاني له ألا و هو أن يستحضر العبد ذكر الله تعالى و هو يعمل في شتى مجالات الحياة فيسأل نفسه دائماً هو  في الموضع و الحال الذي يرضى ربه عنه أم يسخط عليه و لا ينحصر هذا المعنى بأن أمسك سبحة و أذكر الله بعدد من التسبيحات و التهليلات و التكبيرات مع عظيم فضلها و أجرها ...لا ...إنما يكون ذلك بأن لا أرى فاعلاً و لا مدبرا و لا مصرفا و لا مسيرا لهذا الكون إلا الله سبحانه وتعالى فأنظر إلى هذا الكون الفسيح بكل ما فيه بعيني بصري و لكنني مدرك لعظمة خالقه و مدبره و مصرف أحواله ببصيرة قلبي و هذا ما أدركه أعرابي عندما  سُئِلَ أعرابي، كيفَ عرفتَ الله؟

فقال: البَعَرَةُ تَدُلُّ على البعير، والأَثَرُ يَدُلُّ على المَسير، فَسماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، أفلا تَدلُّ على العَلّي الخَبير! و الله تعالى يقول: ﴿أَمَّن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنبَتنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهجَةٍ ما كانَ لَكُم أَن تُنبِتوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلونَ﴾.

﴿أَمَّن جَعَلَ الأَرضَ قَرارًا وَجَعَلَ خِلالَها أَنهارًا وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حاجِزًا أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ﴾﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفاءَ الأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾﴿أَمَّن يَهديكُم في ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ وَمَن يُرسِلُ الرِّياحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمّا يُشرِكونَ﴾﴿أَمَّن يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُل هاتوا بُرهانَكُم إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ و بعد ذلك كله يتفق العقلاء و أصحاب الفطرة السليمة بأن ذلك لا يتحقق إلا بدوام ذكره سبحانه وتعالى بل حتى بكثرة ذكره جل و علا وهو القائل ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا﴾ ﴿وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا﴾

وقديما قالوا الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون إذا فارق الماء فإن وصل العبد لهذا المقام باتصاله بربه عندها تزكوا نفسه ويطهر قلبه فيستمد العون والتوفيق والمدد منه سبحانه وتعالى.

و بذكر ربه يستدفع الآفات و تستكشف الكربات وتهون المصائب الملمات فيتلقى أقدار الله  بالشكر و الحمد و الرضى عنه سبحانه وتعالى و بدوام العبد ذكر ربه لا يخشى غما و لا يشكُ هما لطالما علم أن الله معه في جميع أحواله في خلوته و في جلوته مستشعرا معنى الحديث القدسي ( و أنا معه إذا ذكرني ) و رسول الله ﷺ يقول : مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ ) عندها يهيمن على القلب معنى أنه لا شيء أحب إليه من الله خالقه و فاطره و معبوده و وليه و مولاه و مدبر أمره و رازقه ومحييه و مميته إلا الله سبحانه و تعالى.

و بعد ذلك كله لو نظرنا نظرة المتأمل لأولئك الذين أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه فلم يزدادوا إلا بعدا إلى بعدهم و مرضا إلى مرضهم لما أعرضوا عن ذكر الله فلجؤوا إلى غيره و اتخذوا أربابا من دونه من شياطين الإنس و الجن و قد قال الله عز وجل في حقهم ﴿وَمَن يُعرِض عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكهُ عَذابًا صَعَدًا﴾

فانتشلوا منهم الهناء و الصفاء و اقتلعوا أطناب الحياة الهادئة فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم فلا يقر لهم قرار و لا يهدأ لهم بال و جدوا بزعمهم الأنس بغير الله فما ازدادوا إلا بعدا إلى بعدهم و ضلالة إلى ضلالتهم غارقين في بحار غفلتهم و الله عز وجل يقول: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾ أعاذنا الله و إياكم من أحوال هؤلاء و جعلنا من الذين يأنسون بذكر ربهم إنه خير مأمول و أكرم مسؤول