مع الله ستون عاماً ونيف ما ندمت لحظة باتباع طريق الله
صاحبة الجلالة _ محاسن عبد الحي
كيف تعرفت على الله؟! سؤال مُشكل صراحةً، لأن الله عز وجل الخالق العظيم، ونحن أصغر من أن نعرف مخلوق من مخلوقاته، فكيف نعرفه هو سبحانه! ويحضرني قول ربي جل جلاله من سورة فاطر: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ (15).. بهذه الكلمات بدأ المربي ومدرّس اللغة الإنكليزية الأستاذ فاروق صبحي آق بيق حواره لموقع صاحبة الجلالة.
المترجم الشخصي للشيخ أحمد محمد أمين كفتارو رحمه الله يقول..
بدأت رحلتي بالتعرف على الله مذ كان عمري خمسة عشر عاماً، أخذني ابن عمي معه لدرس الشيخ أحمد محمد أمين كفتارو-رحمه الله-، وكان ذلك عام 1953، تمتعت كثيراً بدرس العلم، وعندما عدت للمنزل قال أخي حدثني ماذا قال الشيخ؟ قلت له: كلام جميل! ولكن لا أعرف أن أعيده عليك.
ومع الحضور المستمر وبالتدريج بدأت أفهم ما كان يدعو له الشيخ، وزبدة علمه ذكر الله، صحبته وبدأت بالذكر صباح مساء، لأصل لقوله تعالى في سورة آل
عمران: ﴿ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾
في سن المراهقة ما كنّا نعمل السوء كنّا نلهو فقط، وعندما ذكرت لأصدقائي بأني التزمت مع الشيخ كفتارو هاجوا وماجوا وأخذوا يطعنون بسيرته، تركتهم وذهبت، وشاءت الأقدار أن التقي بهم بعد ما يزيد عن خمسين سنة، لنعود للحديث نفسه، واعترافهم أنهم أخطأوا الطريق ومنعهم تعصبهم لأفكارهم من اتباع الصالحين المصلحين.قال تعالى في سورة القصص ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (56) أي من شاء اختيار طريق الهداية يوفقه الله لهذا الطريق، ونحن علينا الدعوة له فقط.
فالطرق إلى الله لا تعد ولا تحصى،بشرط الاخلاص لله والقيام بشروطها وآدابها وأخلاقها، والطريق الأقرب عندي ذكر الله، لأنه من أكثر ذكر الشيء وصل إليه، والذي يحب الشيء يكثر ذكره، وفي حديث لأَنس بن مالك رضي اللَّه عنه، أن رجلاً أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: "متى السَاعة؟ قال: ما أَعددتَ لها؟، قال: ما أعددتُ لها من كَثير صلاة ولا صِيام ولا صَدقة، ولكنّي أُحبّ اللَّه ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت".
والإنسان في هذه الحياة تتملكه الرغبات الجسدية، وينسى بأنَّ له روحاً مع تعاظم مغرياتها، ولكنه ما إن يدخل لرحاب الإيمان والتقوى والصلاح، يرى أن كل هذه الدنيا بما فيها، هي وسائل للوصول إلى المرام، وهو الاستقامة على الدين والالتزام بشرعه والدعوة إليه، وهذا صار نبراسي طيلة عمري، فأين ما حللت ضيفاً في إحدى المناسبات الاجتماعية أو في المسجد أنصح وأعلم الناس بما لدي، فالإنسان دائما ينشد الأمور العالية الطيبة وتتغير نظرته للحياة وأنا الآن أعيش بسعادة لا تنقطع.
النقطة المفصلية في حياتي الدعوية جاءت عندما تخرجت من قسم اللغة الإنكليزية عام 1959م، وكان الشيخ كفتارو يدعوني لأترجم له في حال أتاه ضيف يتحدث الإنكليزية، ومن وقتها وأنا أعمل مترجم شخصي للشيخ حتى توفاه الله عام 2004م، وذات مرة أتاه عميد كلية Earlham في مدينة Richmond بولاية Indiana في أمريكا وهو يدرّس الأديان ومن بينها الإسلام،دعاه للسفر والدعوة إلى الله برابطة جامعة البحيرات الكبرى الشمالية وعددها أربعة عشر جامعة،وفعلاً سافرنا لمدة شهرين.
تعلمت من صحبة شيخي الكثير من آداب الحوار، وكيف يوافق وكيف يخالف، وحسن إدارته للمجلس ورغبته بإيصال المعلومة بأسلوب لطيف، فيه كل الحب والإخلاص أثرت بي هذه الرحلة وجعلتني أتوخى الطريق الصحيح في أسلوب الدعوة إلى الله.
والآن عمري تجاوز الثمانين، ما ندمت لحظة لسلوكي طريق الله، وأقول للشباب بأنَّ الحياة قصيرة والمغانم كثيرة، ففي أي طريق اخترته فليكن عنوانك دائماً، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.