هل باتت كرة القدم في سوريا “تطعم خبزا”؟
تحولت كرة القدم مؤخرا إلى صناعة حقيقية باتت تتخذ لها حيزاً مهما في الاقتصاد العالمي، كقطاع اقتصادي بقدر ما هي قطاع رياضي.
وباتت “الساحرة المستديرة” مهنة حقيقية لا تقل عن أي من المهن الأخرى، وأضحت علماً أكاديمياً يُدرس ويجاز به المتميزون، وحرفة ذات عوائد مادية مجزية في عموم العالم.
ولأننا في زمن العولمة، لم تكن سوريا استثناء عن بقية دول الأرض، وباتت كرة القدم مصدر رزق أساسي تتنافس فيه الأندية في دفع المبالغ لضم اللاعبين لصفوفها، ويتنافس فيه اللاعبون باستعراض إمكانياتهم، للرفع من قيمتهم السوقية.
وفي السنوات الأربع الأخيرة زادت بشكل ملحوظ المبالغ المدفوعة للاعبين، فبينما قدر أغلى لاعب في سوريا سنة 2016 بـ20 مليون ليرة سورية يتقاضاها اللاعب سنويا، بات اليوم الدخل السنوي لأقل لاعب محترف في سوريا ما بين 8 إلى 10 ملايين ليرة.
ووصلت مداخيل بعض اللاعبين السنوية مستويات قياسية، تخطت بها حاجز المئة مليون ليرة سنويا، دون الحديث عن الأرقام القياسية التي يتقاضاها اللاعبون السوريون الناشطون في الخارج، حيث القبض “بالأخضر”.
وبينما تعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة، بات الأهالي أمام واقع جديد، فكرة القدم لم تعد تلك “التسلية اللي رح تخلي الولد يبطل يدرس”، بل أصبحت بابا للشهرة والنجومية وحتى للرخاء المالي.
وكثيرا ما عرف جيل الثمانينيات والتسعينيات عبارة “الطابة ما بتطعمي خبز يا ابني” من أهاليهم كجواب عن طلب الابن الانتساب لمدرسة كروية، إلا أن حجة الابناء باتت دامغة في إثبات أهمية كرة القدم كمهنة وصنعة في عيون آبائهم، من خلال دخل لاعبيها العالي.
ورغم ذلك يرفض المهندس محمد سيك في كلام لتلفزيون الخبر، قائلا :”كرة القدم مجازفة كبيرة، فمن بين 20 لاعبا في فئة الشباب، الفئة الأخيرة قبل بلوغ الاحتراف، لا يستطيع أكثر من 5 لاعبين تجاوز تلك المرحلة “.
وتابع سيك :”في فئة الشباب يكون عمر اللاعب 18 عاما، وفي حال لم يستطع الانتقال للفئة الأعلى، يكون قد أضاع عمره كله “عالفاضي”، ولن يستطيع تدارك ما فاته من دراسة وشهادة جامعية، ويعود ليبدأ من الصفر”.
وأضاف سيك: “من الصعب أن يوفق اللاعب بين دراسته وتمارين كرة القدم، التي تأخذ من وقته يوميا 4 ساعات بين تدريب ولياقة، كما أن قوانيننا لا تحمي اللاعب في حال تعرضه لإصابة قد تنهي حياته الكروية مبكرا”.
بينما يرى مخبري الأسنان جورج حداد أن “الموهبة هي الأساس في قراري بخصوص أبنائي، إن تواجدت لديهم الرغبة والموهبة الكروية، أدعمهم وأشجعهم، لكن لن أدفعهم إلى كرة القدم، فقط لأنها مصدر رزق سخي”.
وقال حداد لتلفزيون الخبر: ” يمكن للاعب إن أراد أن يوفق بين دراسته واحتراف كرة القدم، ولا مشكلة لدي في الأمر، بشرط تواجد الموهبة أولا”.
وختم حداد: “يبقى التوفيق بمشيئة رب العالمين، ولن أمنع أولادي إن أرادوا احتراف الكرة، لمجرد أنهم مهددون بإصابات مبكرة تنهي مسيرتهم ورزقهم باكرا، وهذا أمر معرض له صاحب كل حرفة”.
وترى هبة “خريجة أدب انكليزي” أن “كرة القدم اليوم باتت مهنة ومصدر رزق مثل أي مهنة ثانية، إضافة للقيمة الاجتماعية التي تمنحها للاعب، لذا في حال أراد أحد من أولادي احترافها لن أمانع، شرط أن تكون الأولوية للدراسة”.
وقالت هبة لتلفزيون الخبر: “يبقى شرط النجاح الدراسي قائما لأوافق على استمرار ابني باحتراف كرة القدم حتى سن الثامنة عشر، بعدها إن قرر ابني أن دراسته الجامعية ستعيق نجوميته في كرة القدم، أترك له حينها أن يقرر مصيره بيده، كشاب بالغ راشد”.
وأشار محمد كاظم وهو مدرب فئات عمرية كروية إلى أن “الأهالي في سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة اتجهوا بشكل أكبر لتعليم أبنائهم كرة القدم، وهو مابات ملحوظا في المدارس الكروية، وبعضهم يسجل ابنه في مدرستين كرويتين ليزيد من قدراته الفنية”.
وتابع كاظم: “معظم الأهالي يدفعون أولادهم لتعلم كرة القدم كمهنة ومصدر رزق، والكرة باتت اليوم المهنة الأكثر رغبة للتعلم، وبعض الأهالي من ميسوري الحال، يهمهم أن ينال أولادهم الشهرة والنجومية، بغض النظر عن الدخل المادي منها”.
وتطرق كاظم لتخوف بعض الأهالي من أن تسهم إصابة اللاعب في نهاية مستقبله الكروي باكرا، وقال “الطب الرياضي الحديث تطور، وبات يتعامل مع أخطر الإصابات بسلاسة، ويمنح اللاعب القدرة على الاستشفاء منها، والعودة للملاعب بشكل طبيعي”.
وأضاف : “حتى في حال قرر اللاعب إنهاء مسيرته مبكرا بسبب إصابة، فإنه يكون قد راكم خبرة ومعرفة كروية، تساعده في تطوير نفسه كمدرب أو محلل أداء لاحقا، “وما في شي بيروح هدر”، وكل الأمر مرتبط بطموح اللاعب وشغفه”.
وختم كاظم :” بنتي الصغيرة متعلقة جدا بالرياضة، وأشجعها على لعب كرة السلة أو الكرة الطائرة، وإن أرادت احتراف إحدى اللعبتين فلها ذلك، خاصة وأن في الأمر استمرارية لعادات وتقاليد عائلتنا الرياضية”.
يذكر أن عدة شركات ورجال أعمال سوريين اتجهوا في السنوات الثلاث الأخيرة لرعاية الأندية المحلية ماديا، وتغذية خزائنها بالأموال، حتى قاربت ميزانية بعض الأندية السنوية المليار ليرة سورية.
الخبر