هجوم عنيف على الحكومة بسبب موازنة 2021
قراءة أولية في الموازنة الأولى للحكومة للعام 2021
الدكتورة: رشا سيروب
أقر المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2021 بإجمالي اعتمادات 8.5 تريليون ل. س أي بزيادة قدرها 112.5% عن موازنة العام 2020، وتعتبر هذه الموازنة هي الموازنة العاشرة للحرب والأولى لحكومة حسين عرنوس، وكما جرت العادة دائم ا ما يتم بداية الإعلان عن أرقام النفقات دون ذك ر مصادر الإيرادات التي تُعلن بعد عرضها على مجلس الشعب.
لذا سنحاول في هذه الورقة تقديم قراءة أولية وفق ا للبيانات المتاحة لموازنة 2021.
الموازنة الأضخم في تاريخ سورية
تعتبر هذه الموازنة هي الم وازنة الأضخم بتاريخ سورية من حيث القيمة ونسبة الزيادة، حيث بلغت قيمة الاعتمادات الإجمالية الأولية في موازنة 2021 ما مقداره 8500 مليار ليرة سورية مقارنة مع 4000 مليار ليرة سورية العام الماض ي، أي بنسبة زيادة 112.5%، الشكل أدناه يبين تطور اعتمادات الموازنة خلال الفترة 2010-2021:
المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات الموازنة العامة للدولة، سنوات مختلفة
هل بإمكان هذه الأرقام أن تلبي" طموحات" الحكومة كما ورد في بيانها الوزراي؟
من أهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد السوري هو تحوله إلى مستورد لمعظم السلع الحياتية وكذلك للسلع ا لاستراتيجية التي كانت سورية مصدّر لها وكانت تحقق الاكتفاء الذاتي، مما انعكس على تدهور القوة الشرائية لليرة السورية مع كل تذبذب في سعر الصرف، والذي بدوره كان له تأثير واضح على المستوى المعاش ي للمواطن، وهو ما لحظه البيان الوزاري حيث وضع من أولوياته "السعي لتحسين الوضع المعيش ي"، كيف يمكن تحسين الواقع المعيش ي من خلال اعتمادات الموازنة.
كيف يمكن تحسين الواقع المعيش ي للمواطن وما زالت مخصصات ا لإنفاق الاستثماري في أدنى مستوياتها؟ وكيف يمكن للقطاع الخاص )رأس المال جبان( أن يجرؤ على الاستثمار وتوسيع نشاطه الاستثماري في سورية وهو يرى أن القطاع العام ما زال محجم ا عن الاستثما ر وتعجيل دوران النشاط الاقتصادي.
لقد توزعت اعتمادات الموازنة بين 7000 مليار ل. س اعتمادات جارية و1500 مليار ليرة سورية اعتمادات استثمارية، ويبين الشكل أدناه تطور توزع الاعتمادات بين الجارية والاستثمارية خلال الفترة 2010-2021.
تطور الاعتمادات الجارية والاستثمارية في سورية خلال الفترة 2010-2021
المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات الموازنة العامة للدولة، سنوات مختلفة
يظهر الشكل أعلاه ،أن المخصصات الاستثمارية في موازنة العام 2021 تعتبر الأقل مقارنة بالعشر السنوات السابقة ، من أقل النسب في تاريخ سورية، كيف يمكن تحريك النشاط القطاع الاقتصادي العام بمخصصات تبلغ قيمتها 1500 مليار ليرة سورية جزء منها غير مخصص لقطاع معين )احتياطات استثمارية(، علم ا أن نسب التنفيذ في السنوات السابقة لم تتجاوز في الوسطي 40%.
بلغت نسبة الاعتمادات الاستثمارية 17.65% وكأننا بذلك نعود إلى العام 2013 الذي بلغت عنده نسبة ا لاعتمادات الاستثمارية إلى إجمالي ا لاعتمادات 19.88% كانت في حينها الأقل.
الدعم الاجتماعي يشكل 50% من ا لنفاق الجار ي:
بلغت اعتمادات الدعم الاجتماعي 3500 مليار ليرة سورية وهي تعادل ما نسبته 50% من الإنفاق الجاري، ويتوزع الدعم في موازنة 2021 إلى 50 مليار ليرة سورية لصالح الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، و50 مليار ليرة سورية لصالح صندوق دعم ا لإنتاج الزراعي، 700 مليار ليرة سورية دعم الدقيق التمويني، و2700 مليار ليرة سورية دعم المشتقات النفطية.
وتبلغ نسبة الزيادة في الدعم الاجتماعي 838.34% عن الدعم الوارد في موازنة 2020، هل حق ا ما زال المواطن يشكل أولوية لدى الحكومة مما دفعها إلى زيادة حجم الدعم؟
إن ارتفاع مقدار الدعم لا يعني زيادته ككتلة حقيقية، فهو ليس إلا ارتفاع في الأسعار الناتج عن تغيير سعر صرف الدولار الرسمي من 500 ل. س إلى 1250 ل. س باعتبار أننا أصبحنا مستوردين للنفط ومشتقاته ومستوردين للقمح والسلع الأساسية.
يضاف إلى ذلك أنه تم إعادة إدراج فروقات أسعار المشتقات النفطية والتي تم إخراجها من موازنة 2020 بذريعة أنه إجراء أكثر اقتصادية وعلمية، والتي كانت تعادل حينها 25% من إجمالي اعتمادات الموازنة.
مآخذ على موازنة العام 2021
رغم ضخامة الرقم المخصص كاعتمادات أولية لموازنة 2021 والبالغ 8.5 تريليون ليرة سورية، غير أنه لم يتم التصريح والتوضيح عن معايير إعداد الموازنة خاصة أن قطع الحساب عن السنوات السابقة لم يصدر لتاريخه، ومن بديهيات التخطيط- على اعتبار أن الموازنة العامة هي خطة قصيرة الأجل- الاستناد إلى بيانات تاريخية "فعلية "وليس" مقدّرة" كما هو الحال في موازنة 2021، علم ا أن القانون المالي الأساس ي ينص أنه على يجب إعداد الميزانيات
الختامية من قبل الجهات الحكومية خلال ثلاث أشهر من انتهاء السنة المالية، وتعد وزارة المالية الحسابات الختامية بعد ستة أشهر من انتهاء السنة المالية بعد إقرارها من الجهاز المركزي للرقابة المالية.
لغاية اليوم يوجد سنوات مفق ودة من قطع الحساب "الحسابات الختامية "فعلى أي أساس يتم تقييم عمل الحكومات في ظل غياب الأرقام الفعلية والحسابات الختامية التي نص الدستور صراح ة في المادة 82 منه )تُعرض الحسابات الختامية للسنة المالية على مجلس الشعب في مدة لا تتجاوز
عاما واحدا منذ انتهاء هذه السنة ....
الموازنة ليست شأن ا حكومي ا منفص لا عن الشأن الاجتماعي العام، فالموازنة أحد أهم العناصر المؤثرة في تحقيق النمو الاقتصادي أو تثبيطه، وعلى المستوى الاجتماعي هي أداة إعادة توزيع الدخل والثروة بين المواطنين،
وهو ما زال غائب ا عند إعداد الموازنة، فلم يتم ذكر ما هي المعايير الكمية المستهدفة من إنفاق هذا المبلغ "الضخم ،"ما هو معدل النمو المستهدف، أو معدل البطالة المستهدف ،أو معدل التضخم...وغيرها من المؤشرات الكمية التي تبنى على أساسها الخطط.
على ما يبدو أن موازنة العام 2021 شأنها شأن موا زنات السنوات السابقة، لم تختلف عن السابقات إلا في الأرقام؛ وهو ما يشير إلى أن النهج الحكومي المتبع هو تطبيق سياسة "الحد الأدنى" في ال وقت الذي يعاني فيه المواطن من تدهور مستمر في مستوى معيشته لم نجد من خلال الإنفاق الفعلي نيّ ة حكومية صارمة وصادقة في تخفيف وطأة هذه الحرب، ولم تستطع الموازنة العامة للدولة أن تمارس دورها الفعلي في كونها أداة اقتصادية ومالية لإعادة توزيع الدخول وتحقيق العدالة الاجتماعية.