تأثير الثقة بالنفس على الفيزيولوجيا
تأثير الثقة بالنفس على الفيزيولوجيا
The effect of self-confident on physiology
إشراف الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد
Prof.Dr.Rashad Murad
إعداد باحثة الماجستير الصيدلانية مايا مشرقي
مقدمة:
يتسم العصر الذي نعيش فيه بكل ما فيه من تطور وتقدم علمي وتكنولوجي بالضغط والتعقيد والقلق، حيث أُطلق عليه اسم عصر الضغوط النفسية، وتعد الضغوط خطر كبيرا على صحة الفرد النفسية والجسدية، لذا يكون من الضروري دراسة الخصائص الإيجابية للشخصية ؛ من أجل الوصول إلى أساليب تساعد الفرد على مواجهة مختلف الضغوطات والصعوبات وتطوير ذاته وتنميتها. من أهم مواضيع عمم النفس الإيجابي الثقة بالنفس.
تعريف الثقة بالنفس: هو "ثقة الإنسان في قدراته وفي صفاته وفي تقييمه للأمور" وفي علم النفس، يعرّف الإنسان الواثق من نفسه بأنه شخص يحترم ذاته ويقدّرها، ويحب نفسه ولا يؤذيها، ويدرك كفاءاته، ويثق بقدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة.
يتسم الشخص الواثق بنفسه بالتفاؤل والاطمئنان والقدرة على تحقيق أهدافه وتقييم الأشخاص والعلاقات بصورة صحيحة وفقاً لنظرته لنفسه وتقديره لذاته. وعلى العكس من ذلك، نجد من يفتقد الثقة بالنفس متخبطاً في اختياراته، ومتناقضاً في تصرفاته ومتسرعاً في قراراته. بدون الثقة بالنفس، يفشل الإنسان في أبسط المهام الموكلة إليه، ويصاب بالاكتئاب ويدخل في علاقات مسيئة أو مهلكة بالنسبة له.
تأتي أهمية الثقة بالنفس من خلال تأثيرها على عدة أمور ومنها :
- أهمية الثقة بالنفس في الدراسة:
تُعتبر الثقة بالنفس عاملاً مهمّاً من عوامل للنجاح الأكاديمي ،إذ يتوجّب غرس هذه الصفة في الأطفال بسبب دورها الرئيسي في الحفاظ على صحتهم النفسية، والجسدية، والعاطفية، إضافةً إلى دورها في مواجهة التنمّر الذي قد يتعرّض له الأطفال، والذي بدوره قد يؤثّر على مستواهم التعليمي، حيث إنّ فقدان احترام الذات والثقة عند الأطفال يؤدّي إلى فقدان الدافع للتعلّم، وبالتالي تدنّي مستواهم الأكاديمي؛ لذا من المهم مواجهة التنمّر كي تزداد دافعيّتهم للذهاب إلى المدرسة والتعلّم، وبالتالي تحقيق أحلامهم وأهدافهم وعدم التخلّي عنها.
- أهمية الثقة بالنفس في العمل:
1- أهمية الثقة بالنفس لأرباب العمل: يعتمد النجاح الوظيفي لأرباب العمل على الثقة بالنفس بشكلٍ كبير، فالثقة تُمكّنهم من القيادة الفعّالة، فصاحب العمل الواثق بنفسه يتميّز بالحزم، والإيجابيّة، والقدرة على اتّخاذ قراراتٍ إيجابية، ويستثمر الوقت في تحقيق مستوى عالٍ من العمل بفاعلية، كما أنّ ثقة صاحب العمل بنفسه تؤثّر على كيفية تفاعله مع الموظفين وبالتالي زيادة الأرباح، ومن جهةٍ أخرى فإنّ العملاء الذين يتعاملون مع صاحب العمل الواثق بنفسه لا يُشكّكون بالخدمات المُقدّمة إليهم من قِبله، ويدفعون ما يُقرّره صاحب العمل لثقتهم بجودة خدماته.
2- أهمية الثقة بالنفس للموظفين: يتميّز الموظف الواثق من نفسه بالعديد من الصفات:
الحزم: فالموظف الواثق من نفسه تكون كلماته وأفعاله مقنعةً للآخرين، لذا يتمّ أخذها على محمل الجد واتّباعها، وهذا بدوره يؤدّي إلى التطوّر الوظيفي مع الوقت.
المثابرة لأداء المزيد من الأعمال: تدفع الثقة بالنفس الموظف إلى المشاركة في العديد من الأنشطة والمشاريع الصعبة، ممّا يُشجعه على وضع أهداف جديدة وتحقيقها، كما يثق أصحاب العمل في قدرة ذلك الموظف لإدارة المشاريع الجديدة وتحفيز غيره من الموظفين.
التواصل الفعّال: تدفع الثقة بالنفس الموظف إلى التحدّث بشكلٍ موجزٍ وبوضوح في نفس الوقت، كما يكون له القدرة على نقل أفكاره وآرائه للعملاء والزملاء بطريقة واضحة وفعّالة.
- التفاعل مع الآخرين:
يتمكّن الشخص الذي يتمتّع بثقة في نفسه من التواصل مع الآخرين بشكل أفضل، إذ لا يُركّز على نظرات الآخرين له، ولا يقلق من رفضهم له، ويتوقّف عن مقارنة نفسه بالآخرين. يكون أكثر راحةً في المناسبات الاجتماعية وعند مقابلة أشخاص جدد، فهو يتمتّع بالطاقة الإيجابيّة والشخصيّة القوية التي تُساعده على مواجهة التحديّات الجديدة وتزيد من حماسه للمستقبل.
- الصحة النفسية والعقلية:
يتمتّع الأشخاص الواثقون بأنفسهم بالصحة النفسية الجيدة؛ وذلك بسبب دور الثقة في رفع مستواهم أكاديميّاً واجتماعيّاً، ودعم قدرتهم على الاهتمام بأنفسهم، وتحمّل الضغوطات، واتخاذ قرارات سليمة لا تتعارض مع مصالحهم الخاصة.
- تقليل الخوف والقلق:
تدفع الثقة الشخص إلى التفكير الإيجابيّ، وتدعم قدرته على تحقيق أهدافه، دون الاهتمام بالأفكار السلبية التي قد تُراوده أو الخوف من الفشل ، ممّا يُقلّل من القلق والخوف لديه.
- المرونة:
يُصبح الشخص أكثر تقبّلاً للأخطاء التي حدثت في الماضي ومع الوقت يتعلّم الشخص كيف يستفيد من الفشل والأخطاء من أجل التطورّ، كما تُشجّعه على تجربة أمور جديدة.
- الشعور بالسعادة:
تُساعد الثقة بالنفس الأشخاص على مواجهة الحياة بتحديّاتها بمزيدٍ من الطاقة والتصميم، وهو ما يجعلهم أكثر قدرةً على التحكّم بعواطفهم وسلوكياتهم، كما أنّهم يتميّزون بالتواصل الفعّال مع محيطهم وقدرتهم على التأثير في الآخرين، ممّا يُشعرهم بالرضا عن أنفسهم وحياتهم، وينعكس إيجاباً على صحتهم، ويُصبحون أكثر سعادةً ورضا من الأشخاص الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس.
يُشير مدرّبو بناء الثقة بالنفس إلى أنّ الأشخاص ذوي الثقة السليمة بأنفسهم يكونون أكثر سعادةً ورضى عن حياتهم مقارنةً بالأشخاص الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس، حيث تُزوّد الثقة بالنفس الشخص بالطاقة والتصميم على مواجهة الحياة، وتُساعده على بناء علاقات أفضل، بالإضافة إلى تشجيعه على العمل الجيّد والارتباط بالمحيط، كما يُمكن للأشخاص الواثقين من أنفسهم التأثير على الآخرين بسهولة أكبر، بالإضافة إلى التحكّم في عواطفهم وسلوكيّاتهم بمسؤولية أكبر، ممّا يؤدّي إلى خلق مواقف إيجابية تُعزّز من شعورهم بالرضى عن أنفسهم.
الثقة بالنفس وتأثيرها على هرمونات الجسم:
ارتبطت الثقة بالنفس العالية والاستقرار العاطفي بارتفاع مستويات هرمونات السعادة وهي :
1- السيروتونين: يرتبط السيروتونين بالأساس مع الشعور بالثقة بالنفس والإنتماء، حيث أن إفرازه يعزز هذين الشعورين.
كما يعتبر السيروتونين من مضادات الاكتئاب الأكثر شيوعا، و يستخدم في علاج اضطرابات الأكل، الهلع، الوسواس القهري واضطراب الكرب التالي للصدمة.
2- الأندروفين: تنتجه الغدة النخامية وهو معروف بالأساس "كمضاد الألم". ومن أكثر محفزات إفراز الأندورفين في أجسامنا هي ممارسة النشاطات البدنية الشاقة خاصة رياضة الركض بالإضافة إلى النشوة الجنسية الناجمة عن الجماع، وأيضا الوخز بالإبر.
3- الدوبامين: يرتبط الدوبامين بالأساس بالمواد الإدمانية كالميثامفيتامين والكوكايين، حيث تقوم هذه المواد الإدمانية عند تعاطيها على زيادة الدوبامين في الجسم والدماغ.
يرتبط هرمون الدوبامين أيضا بشكل وثيق مع شخصية الفرد، حيث تشير الأبحاث إلى كون الأشخاص ذوي الشخصية المنفتحة يحظون بمستويات أعلى من الدوبامين من أولئك الإنطوائيين.
يسمى هذا الهرمون أيضا بهرمون" التحفيز والنجاح" بالإضافة إلى "هرمون المكافأة"، حيث أنه هو الذي يحفز الشخص على القيام بالخطوات جريئة ويعطيه شعور الحماس.
4- الأوكسيتوسين: الأوكسيتوسين يسمى أيضا بهرمون الحب أو هرمون العناق، حيث أن إفرازه يتأثر بالتواصل الجسدي بين الأشخاص. لا زالت الأبحاث اليوم تدرس مدى تأثير هذا الهرمون على الرجال والنساء، إن كان متساويا أم متفاوتا.
- فوائد أشعة الشمس وتأثيرها على الثقة والصحة النفسية:
يؤثر كل من الضوء والظلام على الدماغ مؤديين إلى إطلاق هرمونات. ويُعتقد أن التعرض لأشعة الشمس يعزز من إفراز الدماغ لهرمون السيروتونين بينما يحفز الظلام الدماغ لإنتاج هرمون الميلاتونين (الذي يعتبر مسؤولاً عن المساعدة على النوم).
يمكن أن تنخفض مستويات السيروتونين في حال عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس. وأظهرت العديد من الدراسات أن هناك ارتباطاً بين المستويات المنخفضة من السيروتونين وازدياد خطر الإصابة بالاكتئاب الشديد من النمط الموسمي (والذي كان يعرف سابقاً باسم الاضطراب العاطفي الموسمي أو Seasonal affective disorder "SAD") الناجم عن تغاير الفصول.
الجهل والثقة بالنفس:
هذا الرسم البياني يسمى "تأثير دننج - كروجر" وهو يمثل علاقة الجهل مع الثقة بالنفس.
يلاحظ هنا أن الجاهل (الذي ربما قرأ صفحتين عن موضوعٍ ما) ترتفع لديه الثقة بالنفس بطريقة مبالغ فيها ليصل لقمة الجهل/ الغباء، وهذه الثقة تتراجع كلما تعلم أكثر، ومن ثم يبدأ الشخص يبني ثقته بنفسه إلى أن يصل إلى قمة الخبرة. لكنه في المحصلة يحافظ على بعض من التواضع ولا يصل لدرجة ثقة الجاهل المتخيلة!
علاقة الثقة بالنفس بهرمون الكورتيزول:
الكورتيزول هو هرمون يفرز بواسطة الغدة الكظرية ويلعب دورا هاما في وظيفة كل جزء من أجزاء الجسم تقريبا، وهو الهرمون المسؤول عن مستويات التوتر في الجسم.
ترتفع نسبة هرمون الكورتيزول أثناء التوتر والضغوط النفسية أو البدنية وسواء كان السبب هو العمل أو العائلة أو العلاقات، فإن التوتر المستمر قد يدمر صحتك. فعندما تكون مستويات الكورتيزول غير متوازنة ومرتفعة، قد يسبب ذلك تقلبات في المزاج وشعورا بالقلق والاكتئاب، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس وتقدير الذات. كما يمكن أن يسبب ارتفاع الكورتيزول زيادة في دهون الجسم والالتهاب، مما يؤدي إلى تدني مستوى الثقة بالنفس والشعور بالإحباط.
