لماذا تهرب النساء..!؟ الحب ... الخلافات العائلية ...الهروب من الفقر و الرغبة بالمغامرة
منذ بداية العام الجاري ونحن نسمع ونقرأ أخبارا عن عمليات خطف لنساء وفتيات في المحافظات السورية ليتبين فيما بعد أنها عمليات خطف مفبركة أو عمليات هروب من المنزل دافعها إما خلافات عائلية أو ضغط أسروي أو للهروب مع شخص تكون الفتاة على علاقة حب معه ويكون مرفوضا من قبل الأهل.
وعلى سبيل الذكر وبهدف توضيح الصورة نستذكر بعض من تلك الحالات من إرشيف الأمن الجنائي حيث نشرت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ ١٤/ ٧ / ٢٠٢٠م حادثة خطف وقعت بحق امرأة وابنتها في ضاحية قدسيا بريف دمشق بعد خروجها من منزل أهل زوجها ليتبين فيما بعد أنهن غادرن بمحض إرادتهن إلى محافظة أخرى بسبب خلافات عائلية.
وجميعنا يذكر خبر خطف الفتاة راما أثناء ذهابها لتقديم امتحان التعليم الاساسي لمادة اللغة الانكليزية في السيدة زينب بريف دمشق حيث كثرت الاقاويل وتعددت الروايات مما آثار الرعب والهلع بين المواطنين ليتضح لاحقا بأنها هربت مع شخص بعد إيهامه لها بأنه سوف يقدم على الزواج منها.. ومثلها قصة خبر فقدان فتاة قاصر في بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق وتعرضها لعملية خطف من قبل أشخاص مجهولين ليكتشف فيما بعد أنها كانت على علاقة بأحدهم طيلة عشرة أشهر وهربت معه بمحض إرادتها .
والغريب في الأمر أن الموضوع لم يقتصر على الهروب أو الاختفاء للإيهام بالخطف وإنما تعداها إلى تمثيل متقن في بعض الأحيان لعملية الخطف أمام الناس كما حدث في قصة فتاة كفر بطنا التي أقدم الخاطفون على سحبها من يد والدتها عنوة وهي تصرخ قبل أن يضعوها في سيارة مجهولة ويولون الأدبار ليكتشف فيما بعد أنها فبركت عملية الخطف مع شاب تحبه كان أهلها قد رفضوا تزويجها به.
حالات كثيرة شهدناها هذا العام ولم تقتصر أسبابها على الخلافات العائلية أو "الهروب مع الحبيب" وإنما كانت في بعض الأحيان للانتقام والتشفي كما فعلت إحداهن في ناحية المليحة حيث حرقت يداها وفبركت عملية خطف وطلب فدية بهدف الانتقام من زوجها وأشقائه أو للهروب من واقع مؤلم في المنزل كما حدث مع الطفلة نغم في منطقة كشكول والتي هربت من بسبب إجبارها من قبل والدها على العمل معه من الصباح الباكر يومياً بسبب الضيق المادي ما دفعها للهرب والنوم في الشارع لمدة يومين وجرح يدها بشفرة لإقناع ذويها بأنها كانت مخطوفة.
تلك الحالات الغريبة تدق ناقوس الخطر وتتطلب الوقوف مليا أمام هذه الظاهرة والتفكر بالأسباب التي يمكن أن تدفع فتاة أو امرأة إلى المغادرة أو الهروب من منزلها متجاهلة ما قد يجره هذا السلوك السلبي عليها وعلى من حولها من تداعيات حسية ومعنوية.
وللوقوف على حيثيات الموضوع ودوافعه من وجهة نظر علم النفس تواصلت صاحبة الجلالة مع الدكتورة شروق العريضي الأخصائية في الإرشاد النفسي التي رأت أن
موضوع الاختطاف أو الخطف الوهمي والمفبرك ظاهرة موجودة في مجتمعنا منذ زمن لكن نادرة الوجود أما في المرحلة الراهنة فقد ازداد عدد الحالات وكثرت وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت سببا رئيسا في الإعلام عن هذه الحالات.
ولفتت الدكتورة شروق إلى أن الظاهرة التي كانت دخيلة على بيئتنا ومجتمعنا هي الاختطاف مع طلب الفدية والتي تكررت وانتشرت في محافظاتنا السورية ومعظمها حالات خطف حقيقية فوصلت الحال بالفتيات وكل الأشخاص بشكل عام إلى تمثيلها واستخدامها في حالات الاختطاف المفبرك.
وأوضحت الإخصائية في الإرشاد النفسي أن أشكال وأسباب الاختطاف الوهمي متعددة ولعل أبرزها هو إنعدام الأمن والآمان الذي يعد من الحاجات الاساسية في هرم الحاجات النفسية، حيث أن انعدامه يجعل الفتاة تحاول الهرب من الواقع غير الآمن إلى واقع أكثر أمناً. وانعدام الأمن والأمان يعود لعدة أسباب، منها الخلافات العائلية التي تؤدي بالفتاة إلى الخروج من جو الاسرة الضاغط إلى جو أكثر طمأنينة وخاصة أن الضغوط الأسرية على الفتاة أكثر منها على الشاب فهي لا تتمتع بالحرية والاستقلالية التي يتمتع بها الشاب في مجتمعنا.
وأضافت الدكتورة شروق أن السبب العاطفي كذلك سبب مهم بانعدام الأمن والأمان وأكثر الاسباب حضورا في موضوع الخطف المفبرك ومن مظاهره رفض الأهل للشاب الذي تحبه الفتاة أو اختلاف الأديان والطوائف الذي للأسف سُلط الضوء عليه في الأزمة التي تعيشها بلدنا الحبيبة.
وبينت الاخصائية في الارشاد النفسي أن هناك سببا اقتصاديا ماديا نادرا مانراه بارزا في هذه الحالات لكن الوضع الاقتصادي السيء للأهل والأسرة أو الزوج يؤدي بالفتيات والزوجات للهروب من هذه الظروف إلى مكان أكثر راحة مادية واقتصادية.
وشددت الدكتورة على عدم إغفال عامل التكنولوجيا الذي يعتبر سببا مهما في زرع وتعزيز فكرة الهروب والاختطاف الوهمي، من خلال المسلسلات والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتحيز إلى أنها ظاهرة مبررة ضد الظلم الذي تتعرض له الفتاة.
واعتبرت الدكتورة شروق تناول هذه الحالات في وسائل التواصل والمجلات والصحف والصفحات المتابعة أمر هام للغاية لتوضيح أسبابه ومظاهره ونتائجه السلبية على كل من الفتاة والأسرة والمجتمع مما يفيد في الحد منها وتخفيف نسبة انتشارها إلى أدنى المستويات.
بدوره رأى الإخصائي النفسي الدكتور ياسر بازو أن القراءة النفسية الاجتماعية لهذه الحوادث تشير بدون لبس إلى تداعيات الأزمة التي مرت على سورية موضحا انه وبتحليل هذه الحوادث يمكن تحديد العديد من الداوفع التي تقف ورائها كالسوشال ميديا والترويج اللحظي لقيم وعادات ( الحرية الشخصية والمقارنة مع الدول (المتحضرة) والاضطراب الحاصل في الترابط الأسري الذي توسع عموديا وأفقيا جراء الأزمة إضافة إلى الوضع المعيشي المتزايد بصعوبته يوما بعد يوم.
وتابع الدكتور ياسر .. أن ضعف الثقافة التربوية وتفكك العلاقة ما بين الوالدين من جهة والوالدين والأبناء من جهة ثانية يعتبر أحد تلك الدوافع يقابلها تقصير الجهات الفاعلة في تنفيذ نشاطات الدعم النفسي والتدريب على مهارات الحياة واقتصارها إلى حد كبير على مراكز مدفوعة الثمن .
وبين الأخصائي النفسي أن القوى الأمنية تهتم بالحوادث بعد وقوعها وهذا أمر عادي وواجبها لكن هل يتم قراءة دوافع هذه الحوادث علميا (نفسيا واجتماعيا ) من قبل المعنيين؟؟
وأعرب الدكتور بازو عن استغرابه من تخصيص الإعلام أوقات بث تلفزيوني لمحاورة البعض في مواضيع (الطاقة - التنمية البشرية -ظواهر مجتمعية وغيرها ويكون الضيوف إما مبتدئين أو اتبعو بضعا من الدورات التي لا تغني ولا تسمن حيث لايقدمون سوى عبارات مكررة فيما الطرف الآخر( المذيع والمذيعات ) يحاورون بعضهم ويكيلون عبارات المجاملة لبعضهم والاجتهاد في إظهار المظهر الخارجي ما جعل هذه الحوارات قليلة المشاهدة وعديمة النفع.
وأما بالدوافع المتعلقة بالتربية والتعليم فرأى الدكتور بازو أن لهذا الجانب شجون ومعانات منها ماهو متعلق بالحالة المعيشية للمدرسين ومنها ماهو متعلق بالإشراف والتدقيق في تطبيق البرامج والمناهج وتحديد كفاءة المعلمين ودور وفعالية المرشد الاجتماعي والنفسي ما يجعل تلك الظواهر السلبية تطفو على السطح بأشكال سلبية متعددة (سرقة- احتيال- تدخين ومخدرات ) وهذه الحالات من التمرد هي احتيال على الأهل والسلطات وأخطرها الخطف أو القتل لأجل المال.