بلا #فواكه... أو #حلويات.. أو حتى #دخان #الأسرة_السورية بحاجة إلى 275 ألف #ليرة لتأكل فقط.. و202 ألف إذا قررت أن تكون نباتية
زياد غصن
كان المشهد مؤلماً، سيدة في الثلاثينات تقريبا من عمرها تصطحب معها طفلين صغيرين تطلب من بائع عربة خضار أن يزن لها بمئة ليرة خيار، وبمئة أخرى باذنجان. رفض البائع بيعها بحجة أنه بذلك سيكون خاسراً، فسعر كيس النايلون لوحده يبلغ كما أدعى خمسين ليرة .
ذهبت السيدة، والتي يدل مظهرها على أنها من عائلة محترمة، تبحث عن بائع آخر يكون أكثر رحمة... أو أقل جشعاً.
ربما هذه السيدة بإمكانها أن تشتري ما يُمكنها من إعداد طبخة ما لأسرتها، إنما هناك أسر أخرى كثيرة ليس بإمكانها فعل ذلك مع هذا الغلاء الفاحش، والذي لا يزال يشهد يومياً تحولات سلبية رغم التصريحات الحكومية، وجولات وزير التجارة الداخلية وزياراته المتكررة لغرفة تجارة دمشق، والتي أثبتت أنها بلا جدوى...
من المؤسف أنه إلى الآن هناك من لا يقدر خطورة المشكلة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة أو التي يمكن أن تنجم عن ارتفاع مستويات الأسعار بالصورة التي عليها اليوم، وأثر ذلك على مستويات الفقر والبطالة والتعليم والصحة وغيرها. فالتقديرات غير الرسمية تتحدث عن أن أسعار السلع والمواد ارتفعت مع نهاية شهر حزيران الماضي بما يتراوح ما بين 45-48 ضعفاً مقارنة بأسعار العام 2010، وبحوالي ثلاثة أضعاف منذ بداية العام الحالي ولنهاية شهر حزيران مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي.
وإذا كانت البيانات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء تحدثت في منتصف العام الماضي عن وجود نحو 28% من السوريين يعانون من انعدام أمنهم الغذائي، وعن قرابة 48% يعيشون في الطبقة الهشة...فماذا حل بهؤلاء مع الارتفاع غير المسبوق الذي طرأ على أسعار السلع والخدمات خلال النصف الأول من العام الحالي؟ وكم أصبحت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع أو الذين يعجزون عن توفير لقمة العيش لأسرهم؟
لا أحد يعرف، والسبب أنه لا توجد لدينا بيانات إحصائية رسمية تُحدث بشكل يومي، وتكون بمتناول صاحب القرار والباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، وهذا يجعلنا نسأل: إذا كيف تعالج الوزارات المعنية هذا الملف؟ وعلى أي أساس تتخذ القرارات؟
هنا محاولة بسيطة لتوضيح حجم المشكلة التي يواجهها المواطن في توفير لقمة العيش، ورصد واقع وطبيعة الفقر الذي بات ينتشر بعمق، وتأثيراته على حياة الأسر والأجيال...
فمن خلال البيانات التي خلص إليه مسح دخل ونفقات الأسرة المنجز في العام 2009، والمتعلقة بمتوسط استهلاك الأسرة السورية من السلع الغذائية، جرى اختيار متوسط استهلاك ما يقر ب من 54 سلعة غذائية أساسية وحساب ما تحتاجه الأسرة اليوم إذا أرادت أن تعيش بمستوى العام 2010. وللإشارة فإن السلع المختارة لا تتضمن الفواكه، الحلويات، الدخان.. وغيرها. إذ شملت فقط ما تحتاجه الأسرة لإعداد ما تحتاجه يومياً من طعام وفقا لما كانت تفعله في سنوات ما قبل الأزمة.
وقد خلصت النتائج إلى أن الأسرة بحاجة شهرياً إلى حوالي 275 ألف شهرياً للإنفاق على طعامها فقط، وإلى حوالي 223 ألف ليرة شهرياً إذا قررت الاستغناء عن اللحوم الحمراء، وإلى حوالي 202 ألف ليرة إذا قررت الأسرة أن تصبح نباتية أو كانت هي كذلك. مع ملاحظة أنه تم استبعاد الرز والسكر التمويني من القائمة، والاعتماد على الأسعار المعتمدة منذ حوالي الأسبوع في المحلات التجارية والأسواق الشعبية.
وتظهر البيانات التي تم استنتاجها أن أكثر المواد التي يمكن أن ينفق عليها شهرياً هي: لحوم الأغنام بحوالي 34 ألف ليرة، لحوم الدجاج 20 ألف، لحوم البقر 18 ألف، الرز 13.5 ألف، الشاي 19.5 ألف، زيت نباتي 17.3 ألف، سمن نباتي 14 ألف، زيت زيتون 12.3 ألف، سكر 17.8 ألف، بن 8 آلاف ليرة، لبن 8 آلاف، جبنة 9 آلاف ليرة.. الخ.
ومع أننا اخترنا فقط حوالي 54 سلعة غذائية، فإننا سنعتبر أن مبلغ 270 ألف ليرة سيكون كافياً للإنفاق على فئة الغذاء، وتالياً فإن حجم ما تحتاجه الأسرة السورية للإنفاق على سلة احتياجاتها الشهرية وفقا لما كانت تفعله في العام 2010 يبلغ حوالي 675 ألف ليرة، علماً أن الباحث زكي محشي كان قد قدر في دراسة سابقة له متوسط الراتب الشهري لوصول القوة الشرائية لدى المشتغلين بأجر إلى مستواها المسجل في عام 2010 بحوالي 310 آلاف ليرة، وذلك بناء على المعطيات المتوفرة لبداية شهر أيار الماضي.
والسؤال... هل لدى أحد من القراء مهنة أو وظيفة حالية يمكنها أن تعطي وبشكل قانوني دخلاً شهرياً يصل لحوالي 675 ألف ليرة؟ وكيف تنفق الأسر السورية حالياً ما تتحصل عليه من دخل لا يكفي سوى لشراء احتياجات مادتين أو ثلاث مواد أساسية؟
يصر الدكتور شفيق عربش على مقولة سابقة له، وهي أن الجيل القادم في سورية سيكون فاقداً للتغذية السليمة، بالنظر إلى أن معظم الأسر السورية تعتمد على استراتيجية ملء البطون بما تيسر وتوفر للأسرة من طعام، وهذا ما يفسر حالة الازدحام على الأفران والاستهلاك المتزايد من مادة الخبز، وتراجع حالة الازدحام في الأسواق وانخفاض مبيعات المحلات التجارية..!