مسلسل مرايا.. حذّر قبل عقود من انتشار الفيروسات وانتقد ما لم يجرؤ عليه الآخرون
شكَّل مسلسل مرايا السوري حالةً وعلامةً فارقةً في الدراما السورية الرمضانية. وتمكَّن الفنان ياسر العظمة بجرأته وموهبته أن يحجز مكاناً متقدماً على لائحة المسلسلات التي شكَّلت الذاكرة المعاصرة والثقافة الشعبية الفنية.
على مدى 18 موسماً، قدَّم الفنان عظمة لوحة كوميدية تلو الأخرى بمشاركة كوكبة من الأبطال والنجوم الشباب الذين أصبحوا الآن نجوماً من الصف الأول.
اعتمد على كوميديا الموقف لينتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في سوريا، في وقت لم يجرؤ الكثيرون على انتقادها.
نقل لسان حال الناس وعبّر عن قضاياهم، فتارة تدور الأحداث في منزل شعبي، وتارة في مقهى أو داخل مكاتب شركة مرموقة أو وزارة.
ولم يتم الاعتماد فقط على أفكار ومقترحات الكتاب الذين أسهموا في نجاح العمل، بل اقتبس العظمة من روايات عالمية لأنطون تشيخوف كـ”الرهان” وعزيز نيسين.
ومن الأسماء التي شاركت العظمة تقديم العمل كل عام عابد فهد وسلمى المصري ومها المصري وصفاء سلطان وسامية الجزائري وسوزان نجم الدين وأيمن رضا وسليم كلاس وغيرهم الكثير.
بدأ العظمة أول سلسلة من مسلسل مرايا العام 1985، فألفها وأعدها، وتعاون مع الكتاب لاحقاً لكتابة وإعداد 18 موسماً على مدى 35 عاماً بالتعاون مع المخرج هشام شربتجي.
كما تعاقب على إخراجه كبار المخرجين السوريين مثل مأمون البني، حاتم علي، سامر برقاوي، سيف الدين سبيعي.
ياسر العظمة.. من القانون إلى الفن
يذكر أن ياسر العظمة هو ممثل سوري من مواليد 16 مايو/أيار 1942، وحاصل على شهادة في القانون من كلية الحقوق بجامعة دمشق.
شارك بعدد من المسرحيات، منها ضيعة تشرين وغربة مع الفنان نهاد قلعي ودريد لحام.
بالإضافة إلى تقديم عدد من الأعمال التلفزيونية القديمة منها برنامج لتصحيح اللغة العربية (أبجد هوز) في الستينات.
ومن الجدير بالذكر أن العظمة مقل في الظهور الإعلامي، ونادراً ما يشارك في لقاء إعلامي أو يصرّح.
ومن اللافت للنظر أن العظمة وفي إحدى حلقات موسم العام 1986 حذر من انتشار الفيروسات، بعدما رفض مصافحة السمان الذي تتعرض يداه لمختلف أنواع الجراثيم والميكروبات، أو زحام الأسواق والاحتكاك بالناس في الشوارع.
وقال في أغنية مسلسله “خيي لا تصافحني بنوب لا تلمس يدي.. يمكن في عندك ميكروب واللمس بيعدي”.
وكان آخر جزء من السلسلة عرض العام 2013، أي بعد عامين من اندلاع الثورة وعرض الجزء ما قبل الأخير. وتم تصويره بالجزائر، لكنه لم يحقق نسبة مشاهدة عالية كالأجزاء التي سبقته.
مسلسل مرايا عكس حال المجتمع العربي بأكمله
أخيراً، نجح مسلسل مرايا في عرض مئات القصص والحكايا الناقدة والساخرة، والتي تسرد في الوقت نفسه معاناة المواطن السوري البسيط الذي له صولات وجولات مع المؤسسات الحكومية وبيروقراطيتها.
كان ينتقد أطباع الناس تارةً وسيسات الحكومة تارةً أخرى، يعكس في مراياه أبسط التفاصيل اليومية الأسرية وحتى صراع الإنسان مع نفسه.
ومن هذه الهموم اليومية انتقل أحياناً إلى انتقاد كبار التجار والوزراء ورجال الدولة وكيف يتعاملون مع الناس البسطاء.
كان حريصاً في المحتوى الذي ما زالت تشاهده العائلة بأكملها، فلا يدخل المضمون الجنسي الخادش، وحتى تدخين السجائر كان محصوراً بالشخصيات الشريرة كي لا يبدو وكأنه يشجع عليه.
ويبدو أن مرايا ياسر العظمة للمجتمع كما رآه ستبقى حية في الذاكرة السورية والعربية لكل من شاهده وأسقط عليه حاله وواقعه، وإن كان يعيش ضمن حدود دولة أخرى.
عربي بوست