فوضى الميديا
لا أحد يدري ما الذي تغير في هذا العالم، فكلنا نذكر “من سيربح المليون” وما شابهه من برامج مطلع الألفية في نمط من الترفيه المعرفي وزيادة ثقافة المتلقي، اليوم تغير كل شيء ليصبح الهدف تعبئة الوقت وتضييعه، فبعد المليون جاءت برامج الهواة واختبارات الأصوات لتقدم نمطاً ترفيهياً مختلفاً ينحصر باختيار السوبر ستار ومحبوب الجماهير، قبل أن نصل لهذه المرحلة من الفوضى والتفاهة من صراخ رامز ومبالغاته إلى برامج الفضائح وإعادة اجترار المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي.
فوضى بصرية سمعية وحتى أخلاقية، وانعدام لأي قيمة تذكر في برامج اليوم، وحتى الأعمال الدرامية التي تنتهج الاستسهال والاستخفاف والسطحية تحول المتلقي إلى مجرد متفاعل مع أشياء لا تضيف إلى ذاكرته أو روحه شيئاً، فيولد لدينا نموذجان من البشر، متطرف يعيش في عصور عتيقة، ولا مبال لا انتماء أو هوية له، ونموذج آخر معبأ فكرياً بثقافة فارغة تشكل خطراً حقيقياً على مفهوم الثقافة النافعة.
هكذا يضربون عمق الأرواح ويعبثون بالعقل الباطن للجمهور الذي يصبح عاجزاً عن التمييز بين السيئ والجيد وبين الحق والباطل، مجرد أرقام مشاهدات ومصدر للدخل والإعلانات، إنه زمن الفوضى العارمة التي تسبق العدم حد الفناء الأخير.
نسخ البرامج الغربية كان له وقع سيئ على جميع المجتمعات العربية، فمن يقارن بين “ستوديو الفن” وما شابهه من برامج الهواة يعلم أنه كان أقل إبهاراً وتكلفة ولكنه أكثر جمالية، لا حلول سحرية لترتيب فوضى الميديا.