الانهيار يتسارع والمصارف ترفض طلبات بسحب 7 مليارات دولار إلى الخارج: هل يتمّ تشريع منع تحويل الأموال؟
لم يعد ينفع الكلام المُنمّق عن «تجنّب الانهيار» الاقتصادي. لا يوجد أمامنا سوى مؤشرات سلبية، لمسار انحداري بدأ يتسارع منذ الـ2016. الهندسات المالية كانت البداية، لتُستكمل مع الإجراءات التقشّفية وأزمة الدولار، وأخيراً طلب جمعية المصارف سنّ قانون لتشريع القيود على التحويلات المصرفية («كابيتال كونترول»). إنّها الأزمة الشاملة التي أنهت أكذوبة «الاقتصاد الحر»، ولا ينفع معها سوى حلول تُصيب بنية النموذج الاقتصادي. دخل لبنان مرحلة بالغة الخطورة من الناحية المالية. أمس، استسلمت المصارف أمام حاكم مصرف لبنان لعجزها عن تلبية طلبات المودعين الكبار، بتحويل نحو سبعة مليارات دولار إلى الخارج. سلامة الذي كان أبلغ المصارف قراراً شفهياً بمنع التحويلات إلا لحاجات محددة وبسقوف متدنية، لم يعد يقدر على ضبط الأمر. صحيح أن سقف التحويلات خلال أيام عودة المصارف إلى العمل لم يتجاوز إلى الآن سقف 700 مليون دولار، إلا أن رسائل خطيرة وردت إلى المصارف جعلت سلامة ينتقل إلى «الخطة ب». منذ عودة المصارف إلى العمل، لجأت إلى سياسة إقناع الزبائن بعدم تحويل مبالغ كبيرة إلى الخارج. وعملت على تسهيل التحويلات التي تعالج أموراً شخصية أو تربوية أو صحية. لكنها رفضت أي تحويلات ذات طابع تجاري. وأبلغت كل من طلب كسر وديعته قبل الاستحقاق، أنه لا يمكنه فعل ذلك بحسب القانون، أما من استحقّت ودائعه، فكانت الإغراءات تتركز على رفع الفوائد التي وصلت إلى 15 بالمئة. لكن ذلك لم ينفع مع مودعين كبار، هدّدوا باللجوء إلى القضاء في لبنان والعالم ضد المصارف باعتبارها تحتجز أموالهم عنوةًوخلافاً لمبدأ حرية التحويل، وهو ما أثار ذعر المصارف التي توجهت إلى سلامة طالبة التدخل. حاكم المصرف المركزي قال إنه لا يمكنه المبادرة إلى أي خطوة «تهدد مصالح لبنان وودائعه وأملاكه خارج لبنان». لذلك، أجرى مشاورات سياسية، ثم طلب من جمعية المصارف التوجه إلى الرؤساء الثلاثة لطلب إقرار اقتراح قانون عاجل في أول جلسة نيابية، يسمح للمصارف بعدم إجراء أي تحويلات إلى الخارج، وبعدم منح الزبائن ودائعهم حين يطلبون الحصول عليها. هذا الاقتراح نقله رئيس الجمعية سليم صفير، أمس، إلى الرئيس نبيه بري الذي وعد بالعمل سريعاً على الأمر بعد التشاور مع الكتل النيابية. سلامة، الذي يريد تحقيق هذه الخطوة، يُبدي في الوقت عينه خشية كبيرة من انعكاساتها. ذلك أن المصارف سيكون في مقدورها منع أي تحويلات مع عدم الخشية من رفع دعاوى ضدها، لكن الاقتصاد في لبنان سيتعرض لضربة كبيرة. ستتراجع التحويلات إليه، كما ستضعف القدرة على الاستيراد، وهو الأمر الذي بدأ فعلياً بعد قرار المصارف وقف كل التسهيلات المصرفية للتجار الكبار، الذين يدرسون طريقة مختلفة للاستيراد، وربما يكون الأمر عبر مسارب تهريب أبرزها سوريا. عملياً، دخل لبنان مرحلة الاقتصاد الموجّه في هذه المرحلة على الأقل. وبينما يدبّ الذعر في الأوساط المصرفية والمالية والتجارية، فإن الخشية تمدّدت صوب الشركات التي تهدد بالتوقف عن العمل وبدء صرف الموظفين لديها، أو التوقف عن دفع الرواتب. فيما تواصلت الاتصالات السياسية على وقع استمرار التحركات والتظاهرات في الشارع. برّي الذي وعد بعرض اقتراح القانون الجديد على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأسبوع المقبل، لا يضمن حصول الاقتراح على تصويت الغالبية، خصوصاً أن قوى كثيرة باشرت الاتصالات لمنع إقراره كونه يزيد من المخاطر الاقتصادية والمالية في البلاد. لكن هذه القوى تعتقد أنه يمكن تجنب هذا الخيار من خلال تعجيل الاتصالات بشأن تأليف حكومة جديدة وفق مواصفات «تحد من غضب الغرب» على لبنان، وتسمح بمعاودة النشاط الاقتصادي بشكل طبيعي. لكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، إذ كشفت مصادر مصرفية معارضة للقرارات الأخيرة لحاكم مصرف لبنان، أن عملية «تهريب» الرساميل الكبيرة لا تزال مستمرة، وأن عمليات كبيرة جرت حتى خلال مرحلة إقفال المصارف. وتتهم هذه المصارف حاكم مصرف لبنان بالتواطؤ في هذه العملية. أما من لم ينتمِ إلى فئة «الزبائن المُميزين»، فقد وجد فجأة وبطريقة غير قانونية، أنّ المصارف تحتجز أمواله رهينةً لديها. ومنعاً لأي نزاع قضائي قد ينتج بين العملاء والمصارف، قرّرت الأخيرة التحرّك وطلب تشريع الـ«كابيتال كونترول». مصادر مُطلعة على لقاء برّي - صفير، توضح أنّ ما تطلبه جمعية المصارف «إقرار قانون يسمح للبنوك بتأخير الاستجابة لطلبات التحويل وتسليم الأموال، وهناك محاولات للاتفاق مع الكتل السياسية والمصارف والبنك المركزي، حول التفاصيل والمعايير».تتحايل جمعية المصارف، في طرحها، زاعمة بأنّها لا تريد «كابيتال كونترول» شاملاً، بل مُجرّد قانون يُحدّد إجراءات للوقاية وعدم فقدان السيطرة على السوق. هذه «تفاصيل»، فالأساس ليس في ما إذا كان التقييد شاملاً أم لا، بل في أصل وجوده. تقييد حركة سحب الأموال وتحويلها ليس أمراً «سيئاً» بالمُطلق، فهي خطوة تلجأ إليها البلدان، من ضمن خطة إنقاذية. لبنانياً، تكمن خطورتها في أنّها «ردة فعل» لن تُخفّف من سرعة الانهيار نحو قعر الأزمة، وستؤدي إلى إثارة الذعر لدى المودعين وربما إحجامهم عن تحويل الأموال إلى لبنان، وبالتالي استعار أزمة الدولار. القيود على التحويلات هي النداء الأول قبل إعلان نهاية الفكرة الاقتصادية التي قام عليها لبنان، والتي تقول إنّ «الاقتصاد حرّ». فكرة لم تكن واقعية، لأنّ الاقتصاد القائم على الاحتكارات والريوع، لم يكن حرّاً إلا اسمياً. حتى هذه «الخديعة» التي كان يتم التغنّي بها، شارفت على الانتهاء. كما تكشف مجدداً أن الانهيار بدأ منذ سنوات، رغم أنّ الجهات الدولية والسياسيين المحليين، لا يزالون يُخبرون الناس بأنّ الانهيار لم يحصل بعد. فبعد اجتماعه أمس مع الرئيس ميشال عون، حذّر المدير الإقليمي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة البنك الدولي، ساروج كومار جاه، من أنّ «الوضع في لبنان يُصبح أكثر خطورة مع مرور الوقت، والتعافي ينطوي على تحديات أكبر»، داعياً إلى اتخاذ إجراءات سريعة «لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي». ومن الأمور التي «طلبها» المسؤول الدولي، «تشكيل حكومة سريعاً تُلبّي توقعات جميع اللبنانيين»، نظراً إلى توقعه أن يكون الركود لعام 2019، «أكبر بكثير من التقدير السابق، بأن يُسجّل الناتج المحلي الإجمالي مُعدّل -0.2%». وفي إطار بثّ التحذيرات نفسها، اعتبر النائب السابق وليد جنبلاط، في حديث إلى شبكة «ABC» الأستراليّة، أنّ البلد «على وشك الانهيار الاقتصادي ونحتاج إلى شخصيات تكنوقراطية، كفوءة ونزيهة، لتستلم حقائب وزارية في وزارات رئيسية مثل المالية والاقتصاد وغيرهما... يجب تغيير سياسة النيوليبرالية التي دمّرت البلاد». الأخبار