من التربية الأولى تبنى شخصية الطفل
ماذا يستطيع طفل في عمر ثلاث سنوات أن يتعلم عن المال؟ لا يعتبر الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات صغاراً جداً على البدء في تعليمهم بعض الأمور عن المال. في الإمكان على أقل تقدير أن تشرح لهم الأم أن المال شيء يمكن مبادلته بشيء آخر. في إمكان الأم إعطاء طفلها بضعة ليرات يشتري بها لوح شوكولاتة أو لعبة، أثناء وجودهما معا في السوبر ماركت، مثل هذا التصرف يبين للطفل كيف يستخدم المال، ولو كان من الصعب عليه استيعاب مزايا المشتريات الخفيفة. إن إعطاء طفل في هذه المرحلة العمرية مصروفاً أسبوعياً مثلاً قد لا يعني له شيئاً، لأن مفهومه للزمن لم يتطور إلى درجة كافية تمكنه من فهم فكرة الحصول على دخل منتظم. ومع ذلك، قد يستفيد الطفل في هذه في هذه المرحلة العمرية من بعض التمارين ذات العلاقة بالمال. عندما يتعلم الطفل العد، تستطيع الأم أن تبين له العلاقة بين الفرنك والليرة، ثم بين النصف ليرة، والخمس والعشرين ليرة. كما تستطيع الأم أن تلعب مع طفلها لعبة البيع والشراء. فيمكنها مثلا عرض بضعة أشياء على طاولة من مثل: ألواح صغيرة من الشوكولاتة، سكاكر، بسكويت، مصاصات.. الخ، ومن ثم إعطاء طفلها أوراقاً مطبوعة تمثل الليرات، ثم تبيع لطفلها أي شيء يختاره وتطلب منه أن يدفع قيمته من الأوراق التي يملكها. وهذه وسيلة جيدة لتعليم الطفل وظيفة المال. يتفق علماء النفس عموماً على أن موقف الشخص من المال هو في الحقيقة امتداد لمواقفه من أشياء يملكها. فعليه يمكن للأم مساعدة طفلها على تطوير إدراكه للمال وقيمته من خلال ما يملكه من ألعاب وغيرها، وهذا الأسلوب أكثر فعالية من أسلوب استخدام المال. على سبيل المثال إن حث الطفل في عمر ما قبل المدرسة على مشاركة الأطفال الآخرين ألعابه وأشياءه، وفي الوقت ذاته الاهتمام بها وبنفسه، ينمي حسه بمسؤولية الحفاظ على أشيائه ما يساعده على تطوير موقفه من المال. إن إدراك الطفل لقيمة أشيائه الخاصة يولد لديه الإحساس بقيمة أشياء الآخرين. لذا إذا ما تركت الأم لطفلها حرية اكتشاف بيئته المنزلية فإنه سيحرص على عدم إلحاق الضرر بمحتويات المنزل من أثاث وأشياء ثمينة. المصروف أو الخرجية على الأم أن تبدأ بإعطاء طفلها مصروفه بشكل منتظم عندما يلتحق بالمدرسة. ويفضل إعطاؤه المصروف أسبوعيا. ويعتمد مقدار المصروف على توقع الأم لما سيشتري طفلها أثناء غيابه في المدرسة. فإذا كان عليه دفع ثمن وجبة الغذاء والمواصلات، فعندها يجب أن يكون المبلغ أكبر مما لو كانت هي التي تدفع هذه النفقات. في كلتا الحالتين يحتاج الطفل مبلغاً من المال خاصاً به ليصرفه أو يوفره على النحو الذي يراه مناسبا. إن إعطاء الطفل مبلغا يعادل فقط ثمن وجبة الغذاء لا يعلمه شيئاً عن كيفية التصرف بمصروفه الخاص، إذ تقتصر العملية في هذه الحالة على مجرد نقل المبلغ من يد الأم إلى يد أمين الصندوق في المطعم أو الكافتيريا. إذ تفوق قيمة تجربة الطفل في تقرير ماذا سيفعل بالمبلغ الفائض أسبوعيا قيمة مجرد نقل المال من يد إلى يد. إن إعطاء طفل في المرحلة الابتدائية مبلغاً زائداً من المال، يجعل منه متسوقاً جيداً وخاصة إذا ما علمته الأم ذلك. وعلى الأم أن تساعد طفلها مقارنة جودة الغرض الذي ينوي شراءه وسعره مع غرض آخر مماثل. وعليها السماح له بالقيام ببعض الخيارات الصغيرة بنفسه، مثل شراء هدية لصديق أو لعبة له. وعندما يصبح أكثر نضوجاً، عليها أن تترك له الخيار الأكبر في شراء ملابسه ومستلزماته الخاصة. وإذا دعت الضرورة، فعليها لفت نظره إلى وجود ملابس ومستلزمات أفضل من حيث الجودة والسعر، فهي بذلك تعد طفلها لاتخاذ الخيارات العقلانية. عندنا تسمح الأم لطفلها بالقيام بمشترياته بنفسه، فعليها أن تتوقع ارتكابه بعض الأخطاء، من مثل شراء لعبة هشة تنكسر في اليوم التالي، أو شراء كمية كبيرة من الشوكولاتة، أو شراء ملابس غير ملائمة. وهنا على الأم أن تسمح لطفلها بارتكاب مثل هذه الأخطاء، على أن تبذل بعدها قصارى جهدها لتجعل من أخطائه تجارب يتعلم منها، بدلا من القول «قلت لك ذلك». المناقشات المالية العائلية إن إشراك الطفل في عمر المرحلة الابتدائية في مناقشات لبعض الأمور المالية العائلية وسيلة جيدة لتعريفه بالخيارات التي يواجهها البالغون. على سبيل المثال، على الأم أن تشرح لطفلها أن تكلفة العطلة العائلية تعتمد إلى حد بعيد على المكان الذي يختارونه لقضاء عطلتهم، وأن تكلفة أسبوع خارج البلاد تعادل تكلفة أسابيع داخلها، ثم تطلب منه أن يختار. يجب إشراك الطفل في سن المراهقة في المناقشات المالية العائلية بانتظام. ولكن، ونظرا لصغر سنه، يجب عدم مناقشة التفاصيل الصغيرة في حضوره من مثل، دخل العائلة الإجمالي، أو المبالغ التي يجب على الأهل دفعها، ولكن ينبغي تعريفه بالضغوط المالية التي تواجهها العائلة. عند إشراك الطفل في الأمور المالية العائلية، على الأم أن تدرك ما يلي: أولاً، ألا تتوقع أن يتحمل طفلها جزءاً من الأعباء المالية. ثانياً، ألا تجعله يشعر بالذنب حيال مصاريفه. أما إذا كان لابد من اقتطاع جزء من مصروفه نتيجة ظروف مالية صعبة تمر بها العائلة، فإنه يجب إشراك الطفل في مناقشة الأمر برمته وهو الأمر الذي يكسبه خبرة جيدة. تعليمه قيمة الادخار يمكن للأم البدء في تعليم طفلها قيمة الادخار عندما يصبح في المدرسة الابتدائية وبعد أن يتمكن من إدراك مفهوم المال وقيمته. ولاشك أن تعليم الطفل عادة الادخار بانتظام في سن مبكرة يعتبر الأساس لادخاراته في المستقبل. ويمكن للأم الاستعانة بالمقترحات التالية لتعليم ابنها قيمة الادخار: 1- يتعلم الطفل الدرس الأول عن توفير المال وادخاره عند اصطحاب أمه له عند ذهابها إلى محلات البقالة. فنحو ثلث ميزانية البيت تنفق على البقالة والأدوات المنزلية. ومن هنا فإن الإنفاق بذكاء في محلات البقالة يمكن أن يوفر مبلغا لا بأس به. وحتى تساعد الأم طفلها على تعلم هذا الدرس، عليها أن تشرح له أسباب اختيارها شراء أنواع معينة من الأطعمة من دون غيرها، وعليها لفت نظره إلى أنها تتأكد من العروض الخاصة على المواد التي تنوي شراءها. 2- على الأم اصطحاب طفلها أيضاً إلى المحلات الأخرى، وأن تعلمه ضرورة التخطيط مسبقاً لعملية الشراء وضرورة مقارنة جودة وأسعار المنتجات بعضها مع بعضٍ. إن التخطيط المسبق لعملية الشراء يجعل من إنفاق المال أمراً ممتعاً ومثمراً للغاية، على حين يؤدي عدم التخطيط إلى هدر الكثير من المال إذا ما تم شراء أشياء لا تحتاج إليها العائلة أو إذا ما كانت القيمة الحقيقية لهذه المنتجات دون المبلغ الذي أنفق. 3- على الأم أن تسمح لطفلها باتخاذ قرارات في الإنفاق سواء أكانت جيدة أم سيئة، ثم تتناقش معه حول سلبيات وإيجابيات قراراته قبل أن تسمح له بإنفاق المزيد من المال. عليها أن تشجعه على الاعتماد على حسه السليم عند شراء غرض ما، وأن تعلمه الانتظار حتى موسم التنزيلات إذا ما أراد شراء غرض قيم، وأن تبين له أن شراء الأشياء وقت التنزيلات يوفر له المال ليشتري به أغراضا أخرى يحتاج إليها. 4- على الأم أن تعلم ابنها البالغ كيف يقيم الإعلانات التي تعرض على التلفزيون، أو التي تبث من محطات الإذاعة، أو التي تنشر في الصحف. فعلى سبيل المثال، عدم الاكتفاء بما يقوله الإعلان بل التأكد مما إذا كان المعلن عنه جيداً ويفي بالغرض، والتأكد إن كان هناك منتج بديل أفضل من حيث الجودة والسعر. وعليها أن تفهمه أن المنتج لا يقاس بسعره، بل بجودته، وأن المنتج الجيد هو جيد سواء أكان غالياً أم رخيصاً. 5- على الأم أن تشرح لطفلها وتوضح له مفهوم الاستثمار. على سبيل المثال، يمكنها إقناعه باستخدام جزء من مدخراته في شراء مستلزمات صنع البسكويت لبيعها لأصدقائه في المدرسة، ثم تقوم بالاشتراك معه بمقارنة المبلغ المتحصل من البيع بالتكاليف، وتبين له فائدة الاستثمار في مشاريع صغيرة مماثلة. 6- ومن المهارات الأساسية الأخرى التي يجب تعليمها للطفل هي مهارة الاحتفاظ بسجلات تحفظ بها الأوراق الخاصة بالأموال المدخرة أو المستثمرة التي أنفقت. حتى تسهل على الأم الأمر على طفلها، يمكنها أن توفر له مغلفاً لكل شهر من السنة وآخر كبيراً للسنة بأكملها، ثم عليها أن تشجع طفلها على الاحتفاظ بإيصالات كل مشترياته ونفقاته الشهرية ووضعها في المغلف الخاص بكل شهر، ثم تطلب منه جمع ما أنفق وكتابة ملاحظاته الخاصة على النتيجة والاحتفاظ بها في المغلف الكبير. فهي بذلك تعلمه معرفة كيف أنفق مصروفه الشخصي، وأين أنفق أكثر مما يملك، وما يجب عليه فعله لتغطية العجز الحاصل. الأهم من ذلك كله، على الأم ألا تستعمل مدخرات طفلها لشراء احتياجاتها الخاصة أو احتياجات الأسرة. إذ بفعلها هذا، تحبط رغبة طفلها في التوفير. وفي حال مرت العائلة بظروف مالية صعبة واحتاجت للاستعانة بمدخراته، على الأم أن تطلب من طفلها إقراضهم بعض المال وأن تعمل على إعادته في أقرب فرصة ممكنة.