بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

السلطة والسخرية.. لماذا يخشى الحكَّام من الكوميديا؟

الخميس 01-06-2017 - نشر 7 سنة - 5683 قراءة

على مر التاريخ – وحتى أيامنا – تعامل الكثير من رؤساء الدول مع السخرية والنقد الكوميدي بشكلٍ قاسٍ، وقابلوه بالرفض والإنكار، حتى لو كانت السخرية لا تخصُّ السياسة التي يتبعها الرئيس، فلماذا لا يتعامل الرؤساء مع الكوميديا بقدر حجمها، ولماذا يرفضونها، وكأنها تهديدٌ لهم، وهل هناك أسباب نفسية قد تجعل رئيس الدولة ينظر إلى الكوميديا والسخرية على أنها تهديد يجب أن يخشاه؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا التقرير.

في دراسةٍ نفسية قام بها الطبيب الأمريكي جوناثان ديفدسون عن الاضطرابات النفسية التي تصيب رؤساء الدول نتيجة المسئوليات الضخمة التي تُلقى على عاتقهم، إلى جانب تأثير الشعور بالسلطة المطلقة، والقوة على عقل والحالة النفسية للرؤساء، اكتشف الطبيب الأمريكيّ الذي استشهد بـ 37 حالة من رؤساء الولايات المتحدة أنّ 50 % من الرؤساء الذين تمت الدراسة عليهم كانوا يعانون من اضطراباتٍ نفسية، مثل القلق المزمن، والاكتئاب والنرجسية.

اضطراب الشخصية النرجسية والتقدير المفرط للذات

السخرية

في مقالٍ له على أحد الـمواقع الطبية؛ شرح الطبيب رونالد ريجي؛ كيف يمكن لرؤساء الدول أن يصابوا باضطرابِ الشخصية النرجسية. وأكَّد أن هذا النوع من المرض النفسي، عندما يصيب شخصًا مسئولًا وفي يده مقاليد الكثير من الأمور الهامة؛ يكون الاضطراب النرجسي لديه من النوع المُفرط، ويرجّح الطبيب القائم بالدراسة؛ أنّّ الشخص – في بعض الحالات – يكون مصابًا بالفعل بهذا الاضطراب قبل أن يكون في مركز قوة؛ الأمر الذي يجعله راغبًا في السلطة بإصرارٍ قوي.

وفي دراسةٍ أمريكية أخرى؛ أكد الباحثون القائمون عليها أنّ الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية ليس لديه روح دعابة، ويكون من الصعب عليه فهم السخرية، والمزاح والكوميديا، ولهذا السبب تعتبر السخرية أو الكوميديا الناقدة في نظره ليست إلا سبًا وقذفًا أو نقدًا لاذعًا؛ بعد أن يجردوه – بسبب مرضهم النفسي- من البُعد الفكاهي الذي يقدمه الشخص الساخر أو الإعلامي الكوميدي.

ولذلك قد تجد الرئيس، الذي يعاني من هذا المرض، يتعامل بجديةٍ وصرامةٍ مفرطة مع البرامج الساخرة الكوميدية التي تنتقد سياسات نظامه؛ ويعاقبهم نفس معاقبة القوى السياسية المُعارضة.

النرجسية لها بُعدٌ آخر يجعل رؤساء الدول يخشون من السخرية ويكرهونها، لأنَّه – حسب التعريف الطبي لمرض اضطراب الشخصية النرجسية – فإن الشخص المصاب به لديه تقديرٌ مفرط لذاته وكينونته؛ الأمر الذي يولد داخله إحساسًا بالارتقاء عن باقي البشر؛ ولذلك يرى أن السخرية منه – حتى وإن لم تشكل خطرًا عليه – فهي إهانة لتلك الذات التي يقدرها بشكلٍ مُفرط.

القلق المُزمن.. ورؤية الأشياء من وجهة نظر سيئة

السخرية

يمكن للمصاب بالقلق المزمن أن يشعر بالرعب تجاه شيءٍ لم يحدث

القلق المزمن هو الشعور الدائم بالخوف من المواقف الطبيعية اليومية؛ هذا الخوف يؤدِّي إلى تسارع في ضربات القلب، وصعوبةٍ في التنفُّس، ويضع المريض في حالةٍ دائمة من توقُّع الأسوأ. وقد قام الطبيب النفسي الشهير وليام جيمس، في القرن التاسع عشر، بوصف وعي الإنسان وكأنَّه بقعة من الضوء؛ لأن الإنسان تحيط به الكثير من الأحداث والافكار، ووعيه – تلك البقعة من الضوء – يتم تسليطها على الأشياء التي يريد الإنسان أن يركز عليها أو يفكر بها، والتي ستحدد وجهة نظره للأمور من حوله، ولكن مريض القلق المزمن يجد صعوبة في قدرته على التحكم في بقعة الضوء الخاصة بوعيه، و يتحكم في توجيهها بدلًا عنه القلق والخوف المصاحب لهذا الاضطراب النفسي.

ولذلك إذا كان هناك رئيس دولة يعاني من القلق المزمن، وهي احتمالية تصل إلى 50 % كما ذكرنا في بداية التقرير – بالقياس على رؤساء أمريكا – فهذا الرئيس عندما يستمع إلى السخرية منه، من قِبل إعلامي مَرح أو ممثل كوميدي؛ تنتابه حالة من الذعر قد تصل إلى نوباتِ ذعرٍ ليلية؛ الأمر الذي يجعله في حاجةٍ ماسَّة لإيقاف هذا النقد الذي يؤثر على حالته العقلية والنفسية؛ لأن وعيه – كمريض قلق مزمن- اختار أن يُلقي بقعة الضوء على الجانب السيئ في السخرية؛ فيشعر أن المقصود من هذه السخرية هو إثبات فشله كرئيس للدولة، وعادةً ما يُصاب الرؤساء بهذا المرض بعد توليهم الرئاسة؛ لأن – حسب ما هو مذكور بالدراسة الطبية – مريض القلق المزمن آخر ما يتمناه هو تحمل مسئولية شيء هام، أو أن يكون مشهورًا وعُرضه للنقد.

الاكتئاب ثنائي القطب.. أحدهم لن يحب الكوميديا

السخرية

مريض الاكتئاب الثنائي القطب.. يمكنه أن ينتقل من حالة الفرح للرغبة في الانتحار في دقائق

في الدراسة الطبية التي شخَّصت الأمراض النفسية التي من الشائع أن تصيب الرؤساء أكثر من أي أمراضٍ نفسيةٍ أخرى؛ كان لمرض الاكتئاب، وخاصَّة الاكتئاب ثنائي القطب، نصيب الأسد في نتائج هذه الدراسة؛ لأنَّك تستطيع أن تجد من بين كل 100 رئيس دولة؛ 25 منهم مصابين بهذا المرض.

التعريف الطبي للاكتئاب ثنائي القطب: هو الإصابة بحالةٍ مزمنة ومتطوِّرة من التقلُّب المزاجي، فالمريض قد يجلس يضحك معك من قلبه على نُكاتٍ ساخرة أطلقتها أنت عليه؛ ويذهب إلى دورة المياه بعد 10 دقائق ويتذكر تلك النكات؛ فيشعر بالغضب والكره الشديدين تجاهك وتجاه الحياة؛ إلى درجةٍ قد تدفعه للانتحار، ولكن عندما يكون الشخص المريض بهذا النوع من الاكتئاب؛ هو رئيس دولة كاملة؛ فالانتحار لن يكون الحل، بل الانتقام من الذين سخروا منه أو تناولوا بعض نقاط الضعف في قراراته السياسية؛ لأنّ السلطة هنا هي التي تتحدَّث.. ويكون هو الحل الأنسب بالنسبة له من وجهة نظره، وتسيطر عليه رغبة في التخلص من هذا الشخص الكوميدي أو الساخر، وحجبه عن الجماهير.

هل عرفتَ الآن لماذا يخشى الرؤساء من الكوميديا!

ساسة بوست 


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية