تحالف بين المضاربين والمهرّبين لتقويض قوّة الليرة
رغم وجود بعض الأسباب الاقتصادية لارتفاع سعر صرف الدولار على حساب الليرة في السوق الهامشيّة، وهذه الأسباب عادة تكون موسمية ولاسيما في فصل الشتاء عندما يزداد الضغط على المشتقات النفطية فيرتفع سعر الصرف بنسبة بسيطة، لكن هذا لا يحدث ذلك الأثر الكبير لولا النشاط المريب للمضاربين الانتهازيين الذين يجدون فرصتهم على حساب المواطن والسوق والحكومة التي تبدأ «حربها» لتأمين المشتقات النفطية ومواجهة العقوبات الاقتصادية، فثمة دول عدّة ومجموعات متفرّغة تتحين المواسم الحساسة لتشحذ المضاربين في أسواقنا وجعلهم أدوات مكافئة تماماً للعقوبات كوسائل ضغط هائل. انتهازية «الفوركس» تبدو المشكلة معقّدة بعض الشيء، ففيها يختلط العمل المادّي بالآخر المعنوي – النفسي، لتتفاعل مختلف العوامل وتظهر على شكل رضوض مباشرة تعصف بالليرة وهي وقائع يرصدها الخبير الاقتصادي شادي أحمد الذي يوضح أن الضغط الحاصل على المشتقات النفطية الذي يرافقه ارتفاع بسيط في سعر الصرف، يجد من يتلقّفه ويعيد إنتاجه وتسويقه لإحداث حالة رخوة في سوق القطع أو سوق العملات. إذ يجهد المضاربون ليوهموا الجميع بأن هذا الارتفاع البسيط ليس بسبب سعي الجهات الحكومية لتأمين المشتقات النفطية، وإنما لأسباب تتصل بعمق الاقتصاد والعوامل المؤثرة في قوّة الليرة، ليقع المواطن تحت وطأة الضغط في شباك التضليل ويبتعد عن حقيقة أن ارتفاع سعر الصرف مرتبط بتأثر الليرة سلباً على خلفيّة جملة الملابسات التي تعتري السوق غير النظامية. وهنا يتحرّك المضاربون الذين يقومون بالمضاربة على الليرة والدولار فيبدؤون بعرض الليرة بسعر مرتفع من أجل شراء الدولار وهو يعطي إيهاماً للجمهور بأن سعر الليرة ينخفض بشكل كبير ما يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة. خطوط حمراء المسألة تبدو أخطر من مجرّد لعبة «فوركس»، لأنها تمسّ حالة سيادية في الحقيقة للمواطن والدولة، ويعدّ الخبير أحمد أن دور المضاربين لا يختلف عن دور الجهات الدولية المعادية لسورية بل يُوظّفُ في الإطار التخريبي نفسه، فدور تلك الدول التي تفرض حصاراً اقتصادياً بهدف النيل من الاقتصاد السوري والليرة يكمل دور الإرهابيين الذين عملوا على إضعاف الدولة السورية وتدميرها، وهذا يتماهى مع الآلية التي تقوم بها شبكة واسعة من المضاربين الموجودين في مختلف الأسواق غير النظامية. تحالف مع التهريب في الماضي كان بعض المضاربين مرتبطين ببعض مكاتب وشركات الصرافة وتمت معالجة الأمر من خلال إغلاق بعض الشركات ومؤسسات الصرافة وإلقاء القبض على المضاربين وتحويلهم إلى القضاء، لكن الجديد هو حقيقة أن مافيا المضاربين تغازل مافيا التهريب، ويستعرض أحمد بتفصيل دقيق التوافق الذي وصل إلى مرحلة التماهي بين المهربين والمضاربين فنحن نعلم أن المهربين عبر المعابر التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، يحتاجون قدراً كبيراً من العملات الأجنبية لتوريد البضائع التي يهربونها وهذا ما يؤمنه لهم المضاربون بغض النظر عن سعره أو تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني، وهذا يؤدي إلى زيادة كبيرة على طلب الدولار وتالياً إلى عرض كبير لليرة وانخفاض سعرها وهذا ما لا يهتم به المهرب إطلاقاً لأنه سيبيع مهرباته داخل الأسواق المحلية حسب الدولار وارتفاعه وهو غير معني إطلاقاً بمقدار ارتفاع أو انخفاض الليرة وعند هذه العقدة تتوحد غايات المافيتين! أجندة إعلامية.. لم يغب الدور الإعلامي التوعوي المنوط بكل وسائل الإعلام عن الحديث الذي أدلى به الخبير شادي أحمد الذي يلفت فيه إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور سلبي وأثر نفسي محبط بما يخص سعر الصرف. موضحاً: أحياناً تكون هناك أزمة أو ارتفاع في سعر الصرف أو حتى في أسعار المواد العادية فتبدأ وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها عن غير قصد وبعضها يقوم بوظيفته المطلوبة منه ببث الشائعة السلبية التي تؤدي إلى أثر نفسي سلبي لدى المواطنين الذين يندفعون إلى الممارسة ذاتها من خلال إعادة نشر الشائعة أولاً، وثانياً من خلال الإقبال على شراء الدولار مقابل الليرة وهذا يفاقم الأزمة بشكل كبير، وحسب رأي أحمد فإن الشائعة تؤثر في أكثر من 30% من حجم المشكلة الاقتصادية والمعيشية مهيباً بالصفحات الوطنية- والمؤكد أنها لا تريد النيل من نفسية المواطنين أو التأثير في الاقتصاد الوطني- أن تنتبه إلى خطورة إعادة بث الشائعة وتالياً فإن دورهم أخطر من دور الصفحات المعادية لأن الغرض المرتبط خارجياً أصبح معروفاً وصفحاتهم معروفة ولكن عندما تقوم الصفحة الوطنية بإعادة بث الشائعة فيكون لها دور أخطر لأنها تتمتع بمصداقية لدى المواطن وتكون عاملاً في ترسيخ هذه الشائعة السلبية سبب وعلاج بعد التوضيح والتحليل الذي قدمه الخبير الاقتصادي لما يقوم به المضاربون من دور تخريبي للاقتصاد الوطني يستعرض أحمد الأثر السلبي الذي صنعه المضاربون في ارتفاع سعر الصرف حالياً مبيناً أن سعر الصرف كان بحدود 440-450 ليرة مع بداية فصل الشتاء، والذي حصل أن الزيادة على المشتقات النفطية من المتوقع أن تجعل سعر الصرف يرتفع إلى 475 ليرة كحد أعلى وكان هذا منطقياً، لكن الذي حصل أن الضغوطات والحصار والعقوبات الأمريكية ولاسيما قانون سيزر الذي أطبق حصاراً على موردي المشتقات النفطية إلى سورية إضافة إلى زيادة الطلب الطبيعي على مشتقات الطاقة، فاقم الأزمة وهنا لعب المضاربون على وتر الأزمة وقاموا باستغلال هذه الصعوبات وطلب المزيد من الدولارات وسحبها من السوق لـ «يساوموا» عليها ما أدى إلى الارتفاع الأخير في سعر الصرف. « حذاقة وشطارة» لم يقف المضاربون عند هذا الحد بل ذهبوا بسمسرتهم إلى أبعد من ذلك وعينهم على أخضر البنك المركزي.. ويوضح الخبير أحمد أن المضاربين هدفوا عبر تحركاتهم في السوق لإجبار السلطات على اتخاذ بعض القرارات المتسرعة ولكنه يؤكد أن السلطات النقدية في سورية لم تقع في الفخ ولم تستجب لأهواء المضاربين الذين طمحوا إلى أن يقوم البنك المركزي بطرح كمية كبيرة من الدولارات في السوق ليعدل سعر الصرف وهنا سيقوم المضاربون باستنزاف هذه الدولارات وفي الوقت ذاته يحققون المزيد من الأرباح غير الشرعية، لكن البنك المركزي لم يعطِ المضاربين تلك الفرصة واستمر بتثبيت سعره الرسمي من دون ضخ في السوق ما أدى إلى قيام المضاربين بتمويل ذاتهم بذاتهم. وهنا يشدد أحمد أنه على الرغم من هذا الارتفاع في سعر الصرف في السوق السوداء لكن من المهم أن نعلم أن الاحتياطيات الأساسية للعملات الأجنبية ولاسيما الدولار الموجودة في البنك المركزي لم تتأثر ولم نفقد منها دولاراً واحداً على عكس السنوات السابقة، فعدم تدخل البنك المركزي كان موفقاً لجهة عدم التبذير والتفريط بالاحتياطات الموجودة وتوجيهها لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين والاستمرار بتمويل النشاط الاقتصادي بسعر440 ليرة بهدف ضمان تدفق السلع إلى السوق السورية كل من مكانه, ويؤكد الخبير الاقتصادي أن لكل مواطن دوراً كبيراً في الحفاظ على سعر الصرف كما كان له الدور الكبير في صمود الاقتصاد السوري، عندما يؤكد المواطن على عملته الوطنية بشكل كبير وتبقى هي عملته الأساسية للتبادل والاستثمار والادخار يكون قد أمن لذاته الاستقرار ولأبنائه الاستمرار، لأن الدولة التي تتخلى شعوبها عن عملتها المحلية ستعاني لاحقا من آثار اقتصادية مدمرة كما حدث في بلدين مجاورين عصفت بهما حروب أهلية ومحلية وتالياً غرق هذان البلدان في مديونية كبيرة، وعندما يتمسك المواطن بعملته الوطنية إنما هو يتمسك بالثروة المتراكمة منذ عشرات السنين لينقلها إلى الأجيال القادمة، وتالياً يجب ألا ينصاع المواطنون إلى الخطاب التحريضي والشائعات الاقتصادية وفي الوقت ذاته ألا يقوموا بالتبديل السريع للدولار الذي سيسهم في إضعاف القوة الشرائية لليرة وتالياً للمواطن. عض أصابع وبهذا الصدد يقول أحمد إن أحد الخبراء الاقتصاديين المهتمين بالمشهد الاقتصادي السوري يقدم رؤيته الموشورية لموضوع المضاربين وسعر الصرف فيرى أن إعلان الحكومة عن عزمها مكافحة التهريب والحديث عن انعكاساته الإيجابية لتنظيف البلد من المهربات على سعر صرف الليرة، أحدث حالة استفزاز قصوى بين رؤوس تجار الاستيراد تهريباً ولجؤوا إلى محاولة إبطال مفاعيل التوجه الحكومي الجديد والإيحاء بأن الآثار على سعر صرف الليرة ستكون معكوسة تماماً، فوزعوا الأدوار وعمدوا إلى تكثيف عمليات شراء الدولار بحيث يحققون طلباً غير تقليدي على العملة الخضراء . ويبين الخبير أن في مسعاهم هذا شيئاً من (الانتقام) لمصالحهم الخاصة التي جرى ضربها عبر ضرب خطوط التهريب من مختلف المنافذ الحدودية وقد ظهرت النتائج السوداء لتوجههم على شكل ارتفاعات مفاجئة في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، لكن الخبير يعدّ أن المسألة مسألة وقت في لعبة عض الأصابع و لن يتمكن هؤلاء من الصمود وسيضطرون إلى السيولة بالليرة وسيبادرون إلى التخلي عما حازوه مؤقتاً من دولار، وتالياً سيزداد عرض العملة الأمريكية في السوق لمصلحة الليرة ويعد الخبير بنتائج تدريجية لمكافحة التهريب على سعر صرف الليرة، فالمهربون كانوا يلجؤون إلى السوق السوداء من أجل تأمين احتياجاتهم من الدولار لأن مهرباتهم مدفوعة الثمن بالدولار وليس بالليرة، وعلى حساب الأخيرة وتالياً على حساب كل مواطن. ليس بعيداً من ملف سيزر الذي أقره طواغيت الاقتصاد العالمي المعادي لسورية كان أغوال المال من المضاربين يغمزون للعدو بتيسير مهمته في افتراس ليرة المواطن السورية.. وقرار الدولة السورية في الانتصار في هذه المعركة يحمله مخطط لم تكشف كل حيثياته بوضوح.. لكنه حسب خبراء.. سيطيح بـ «سيزر» وزبانيته من المضاربين. المصدر : تشرين