إدارة التنمية و التنمية الادارية
صاحبة الجلالة – خاص
قال الدكتور سنان علي ديب إن الوصول لتأمين الحاجات الأساسية للمجتمع من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية هي الغاية التي تنشدها البلدان من خلال السياسات و البرامج التي تعدها الحكومات و تعمل على تنفيذه سواءا على المدى الطويل من خلال التخطيط الاستراتيجي أو من خلال الخطط المرحلية قصيرة أو متوسطة المدى للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية المخطط لها , و بذلك فإن التنمية المتوازنة, المستمرة, المستقلة, المستقرة عنوان عريض لأهداف طموحة مخطط لها تسعى لها البلدان و هذا بحاجة لكوادر وموارد بشرية مؤهلة تقنية منضبطة لتكون المدير و القائدة للعمليات التنفيذية الموصلة للأهداف المخطط لها وكم من بلدان غنية بالموارد الطبيعية يعاني شعبها من قلة الحال و العوز وتعاني كذلك مؤشراتها الاقتصادية من سلبية على عكس بلدان لا تملك ثروات طبيعية و بثقافة و علم و عقلية شعبها وصلت لأعلى مراحل التنمية و المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية و لتكون اليابان و ألمانيا اللذين خرجا من الحرب العالمية مدمرين مديونين محاصرين ونهضوا بتراكم معرفي و ثقافي سابق و بإدارة عالمة عارفة منضبطة و نقارنها مع دولنا العربية و لنأخذ نموذج السودان الشقيق و غيره خزان الغذاء العربي بثرواته وأراضيه و بذلك فإدارة التنمية عملية إرادية لا عفوية تعمل على الاستغلال الأمثل لموارد وإمكانات البلد بما يحقق الفعالية و الإنتاجية القصوى و هي تنطوي مثل الإدارة بشكل عام على مجموعة من الوظائف هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وتتسم هذه الوظائف بالتشابك والتداخل، فمع أن لكل وظيفة خصوصية معينة، وتستهدف تحقيق أغراض محددة، إلا أن هذه الأغراض تجتمع معاً لتحقيق الأهداف المخطط لها ,فإدارة التنمية وسيلة تنشد تحقيق غايات معينة وأغراض محددة و أهداف عامة، فهي تعمل على استثمار القوى البشرية والإمكانات المادية المتاحة من أجل الوفاء بتطلعات البلد من خلال تحقيق غايات الأفراد والجماعات ، فالإدارة هي المرتكز الرئيسي في تطوير الأفراد والجماعات، والعامل الحاسم في تحقيق التنمية في المجالات كافة, وإن تحقيق التقدم في أي دولة يتوقف إلى حد كبير على كفاءة الإدارة وقدرتها على حسن الاستفادة من عناصر الإنتاج وتحقيق الكفاية الإنتاجية. وبالتالي فإن التقدم لا يتم بمجرد استيراد الآلات الحديثة وتوفير الأموال اللازمة بل إنه يحتاج إلى فكر إداري وتنظيمي يحسن استثمار هذه الأموال وتخطيط عمليات الإنتاج ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب بغية القضاء على التخلف..
وإن الحديث عن مفهوم التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة والمستدامة يمكن تحقيقه من خلال فهم أهمية تبني الرؤى الأساسية لبناء إدارات وتنميتها حتى نحقق من خلالها إدارة التنمية بشكل سليم ومتوازن, وإن أهداف إدارة التنمية تختلف من بلد إلى آخر و بنفس البلد تختلف حسب الظروف فمثلاً قبل الأزمة في سورية و قبل النهج الاقتصادي الذي تستر باقتصاد السوق الاجتماعي ليسير بنهج فوق الليبرالي وفق سياسات لا تراعي المجتمع و تسير عكس ما يجب فقبل السير بهذا النهج وبعد الوصول لمؤشرات اقتصادية و اجتماعية مميزة من حيث الأمن الغذائي, الصناعات التحويلية و النسيجية و الدوائية و الكيماوية بنى تحتية مميزة انتشار أفقي وعمودي للتعليم و الصحة معدلات منخفضة بالأمية و الفقر و البطالة كان الواجب أن تكون الأهداف مرتبطة بتحقيق جودة هذه الخدمات و تكريسها و العمل على زيادة الطاقات الإنتاجية و الاستثمار الفعال عبر مشاركة كل القطاعات وفق تعددية بناءة و لكن الانقطاع الذي حصل عبر إدارات غير واقعية هدفها تنفيذ أجندات معينة حصل الانقطاع و مهد للولوج في ثغرات كانت كالنار في كومة قش و كذلك فإنه خلال الأزمات تكون الأهداف لإدارة التنمية و التي يجب أن تسمى إدارة أزمة حسب عمق وانتشار الأزمة تختلف الأولويات و حتى أبعاد القرارات و الخطط وقد تأخذ القرارات أبعاد غير اقتصادية وإنما أمنية و تكون الأولويات تأمين الغذاء و الأدوية و الوقود و العتاد و السلاح حتى السياسات النقدية و المالية تصبح في إطارات أخرى ولكن هذا لا يعني أن تكون الأزمات شماعة لتبرير سياسات تخنق و تفقر البلد المعني فأكيد الإقراض يصبح في إطار ضيق بسبب الحالة الأمنية غير المستقرة و صعوبة تأمين الضمانات أو حتى لا يذهب القرض في اتجاه آخر ولكن السياسات النقدية يجب أن تحافظ على سعر صرف يجعل ثقة المواطن كبيرة من خلال سعر يسيطر عليه و يناسب الواقع و تبقى تأمين معيشة المواطن و ضبط الأسعار و قيادة الحكومة للعملية الاقتصادية و الاجتماعية ضرورة حتمية في هكذا ظروف لمنع تجار الأزمة و الدم من استغلال الظروف و كذلك فإن مشاركة كل أبناء البلد المأزوم كل حسب دوره ضرورة , ولذلك فإن للأزمات إدارات متخصصة مرنة مستوعبة قادرة على إعطاء القرارات الأبعاد مجتمعة والعمل على تكليفها ضرورة للعبور لبر الأمان و بعد احتواء الأزمة تصبح الأجندات مختلفة نحو الانطلاقة لإعادة الطاقات الإنتاجية و ضبط الفوضى و مواجهة الفساد للاستفادة من كل الطاقات و الجهود سيراً بإعادة تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين , وضمن تلك المتغيرات من الخطط و الحاجة لجهود وعقول و كفاءات مناسبة تأتي أهمية التنمية الإدارية و التي لها أهمية كبيرة في تأهيل الكوادر الموجودة أو المحتاج لها لاستثمارها بما يناسب الخطط و الأهداف , فكما وجدنا فإن إدارة التنمية تتطلب إعادة النظر في كثير من الأنظمة والإجراءات التي نعمل من خلالها اليوم, كما تتطلب إعادة النظر في الصلاحيات التي تمنح للمسؤولين في الأجهزة المركزية والإقليمية والمحلية بما يسرع من تنفيذ القرارات في الوقت المناسب , وبذلك فإن الحاجة ماسة لتنمية إدارية تطال الهياكل التنظيمية و الكوادر و القرارات وآلية اتخاذها بما يؤمن السرعة و الشفافية و يعطل خفايا الروتين المساعدة لبعض النفوس الضعيفة و إعطاء سياسة التدريب و التأهيل دورها الحقيقي لا أن تكون غاية لصرف بعض بنود الموازنة او ديكور تلميعي ,وكذلك استخدام التكنولوجيا و التقنيات وصولاً لحكومة الكترونية فاعلة و ليس مواكبة تطور بلا فاعلية حكومة متابعة مخففة من الفساد والروتين و معجلة بأخذ القرارات , وهنا يجب أن نعترف بغياب الجهد المنظم والمتميز للاهتمام بتنمية الإدارة وتوفير كل الإمكانات التي تدعم الأخذ بها من خلال الجامعات والمعاهد والمراكز التي تعنى بذلك وتربط بين البعدين الأكاديمي والعملي وتعمل من خلال تعاون وثيق مع القطاعين العام والخاص لمساعدتهما على إيجاد دعم والاستفادة من المراكز التي تبني القيادات الإدارية التي تعي وتفهم العلاقة بين الإدارة والتنمية وأنها لن تستطيع أن تحقق إدارة التنمية دون تنمية الإدارة, وأنها لن تحقق التنمية دون إدارة تنمو معها وتعرف متطلباتها وفقاً للظرفين الزماني والمكاني لها في الحاضر والمستقبل, وبذلك فإن الإصلاح الإداري هو المدخل للإصلاح والتطوير من أجل الاحتواء و إعادة الانطلاقة و البناء في سائر المجالات لذلك يجب الاستمرار في تأهيل وتدريب العدد الكافي من الإداريين الوطنيين وتعتبر التنمية الإدارية والإصلاح الإداري وتطوير الإدارة مدخلاً ضرورياً لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة في المجتمع وحسب رأينا فإن اختيار الكفاءات الإدارية المتميزة حسب مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب عامل أساسي في خلق الإدارة الناجحة وقواعد التناسب بين الرجل والمكان تحددها الكفاءة والبعد عن هذه القاعدة سبب في استشراء الفساد و الهدر و بث الفوضى وعدم الثقة بين المواطن و المسؤول , وإن نجد بين حين وآخر تطورات هيكلية كإعادة دمج مؤسسات أو إيجاد وزارات و الاستغناء عن أخرى ولكن الغاية من هكذا قرارات تقوض عند التنفيذ كما وجدنا من خلال وزارتي التنمية الادارية التي استثمرت لتعويم مدربين وكوادر بلا تدريب بخصوص التنمية البشرية و الطاقات وغيرها في وقت كان الواجب ثورة إدارية تقوم بها بكافة المجالات أفقياً وعمودياً و بتغلغل بكافة المفاصل لتوصيفها ووضع المؤهلات و الواجبات وكذلك بخصوص إيجاد وزارة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك ووصول المستهلك لوقت أصبح يبحث عمن يحميه منها ومن دور لم ينتفع منها وإنما عاكست ما أقرت لأجله ,.
فإيجاد وزارة التنمية الادارية مهم لأن التنمية الإدارية استراتيجية تدخل شاملة تعتمد على جهد منظم يهدف إلى إحداث التغيير بغية تحسين كفاءة وفاعلية الجهات الإدارية لتطوير مقدرتها على التجدد والتطور والتلاؤم مع المتغيرات , التقنية- العلمية- السياسية ,التشريعية- الاقتصادية , أي أن التنمية الإدارية هي طريقة منظمة لإحداث التغيير الضروري في جهة ما أو مؤسسة ما أو منظمة ما عن طريق التدخل في كيفية عملها أو في آلية سير العمل بغية تكيفها من تبني استراتيجية للرد على المتغيرات والسيطرة عليها والتأثير فيها والتلاؤم معها.
- و التنمية الإدارية جزء أساسي من خطط التنمية ومحور فعّال وبعد رئيسي في استراتيجية التنمية الشاملة لبلد من البلدان.
فاستراتيجية التنمية الإدارية التي لا بد من تبنيها ما هي سوى استراتيجية جزئية من استراتيجية أعم وأشمل هي الاستراتيجية التنموية الشاملة أو الكلية بكل أبعادها " الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإدارية والعلمية…" حيث تشكل لأبعادها المتنوعة المتعددة هذه كلاً متكاملاّ تتداخل عناصره وتترابط محاوره وتتشابك مكوناته في علاقات متبادلة حتى تشكل هذا الكل المنسجم المتناغم المتكامل.
بمعنى أن كل بعد من هذه الأبعاد أو كل محور من هذه المحاور المتضافرة يجب أن يبلغ مرحلة تطور مناسبة يستطيع من خلالها تقديم الدعم والمساندة للأبعاد الأخرى ومؤازرتها كي يدفعها قدماً نحو الأمام لتحقيق الأهداف المنشودة لكنه في نفس الوقت يحد من حركتها ويعرقلها إذا لم يرقَ في تطوره ونموه إلى مرحلة التطور التي بلغتها الأبعاد الأخرى وينسجم معها وقد يكون حجر عثرة وقد يشدها إلى الخلف.
- فعلية التنمية هي بطبيعتها عملية متطورة متعددة الجوانب والأبعاد والاختلال الحركي في أحد محاورها يحدث خللاً جوهرياً في نتائجها
مجالات التنمية والتطوير الإداري من خلال مؤشراتها الأساسية المتصلة بمجموعة الجوانب والمبادئ التنظيمية والإدارية المتعلقة بنظام السياسة العامة والبرامج الحكومية ، كالاستقرار الإداري والكفاءة الإدارية والشفافية والجودة …الخ .
وفي هذا الصدد توجد جملة من المؤشرات الأساسية التي تعارف عليها الباحثون في تحليل سياسات التنمية الإدارية والتي منها :
- مؤشر متوسط الدخل الفردي في الدولة .
- مؤشر الدخل الفردي والموارد الطبيعية .
- مؤشر مستوى جودة الحياة في داخل المجتمع .
- مؤشرات الحكم الرشيد والمؤشرات المرتبطة به والتي تخص الأداء المؤسسي للدولة مثل: مؤشر فاعلية الإدارة الحكومية ، ومؤشر التنظيم والضبط الدوليين .
مؤشر مدركات الفساد الدولي
- المؤشرات المتصلة بالاستقرار الإداري في داخل الدولة .
حيث أن هذه المؤشـرات هي متصلة ببعضها البعض في الواقع العملي لسياسات التنمية الإدارية ، وهذا ما يتضح من خلال اعتماد مؤشر مستوى جودة الحياة في داخل المجتمع على كلٍ من مؤشري متوسط الدخل الفردي ومؤشر الدخل الفردي والموارد الطبيعية فــي الدولة ، في حين تترابط مؤشــرات الحكم الرشيد والشفافية الدولية بالجانب المتعلق بتطوير القدرات المؤسسية للدولـة .
وقد تطورت مؤشرات قياس التنمية الإدارية لدرجة أنه لم يعد يكتفى حتى بمؤشر متوسط الدخل الفردي للدلالة على المستوي المعيشي لمجتمع ما ، وإنما تم تطوير معايير إدارية أخري لعل من أهمها مؤشر مستوى جودة الحياة الذي يأخذ بعين الاعتبار درجة الرقي في مناحي الحياة المختلفة من تعليم وصحة وسكن وأمن ورفاهية في الحياة ، كما أصبحت هناك مفاهيم أساسية في هذا الصدد تأتي على رأس أولويات المجتمعات بمختلف مكوناتها ( من حكومات ، ومنظمات مدنية ، وأفراد ، وغير ذ لك ) , وبذلك نصل لنتيجة مفادها أن ما وصلنا له نتيجة الظروف الاستثنائية أو تراكمات سابقة أوجدت ثغرات و عصي وضعت وتوضع في عجلة التنمية وفي طريق الانطلاقة المتجددة وفقاً لظروف الأزمة المعقدة المدمرة و الخروج من هذا الوضع يتطلب إدارة كفؤة فاعلة منتمية للوطن ولخدمته و الحاجة لها يضرنا إعطاء التنمية الادارية أهمية كبيرة كنظام تدخلي متكامل يعيد الثقة للمواطن و يخيف المرتكبين و المهملين..
الدكتور سنان علي ديب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية