70 مليون دولار دخلت السوق مؤخراً .. تحليل: لماذا لم يعد المستثمرون السوريون إلى سورية حتى الآن
أدت الحرب في سورية والتي بدأت منذ نحو 8 سنوات إلى خروج عدد كبير من المستقمرين السوريين من سورية إلى دول أخرى اهمها مصر التي تمكنت من جذب قسم كبير من المستثمرين السوريين.، وتشير بعض التقديرات إلى أن 80% من الصناعات التي خرجت من سورية استقرت في مصر. اليوم، عاد الأمان إلى مناطق واسعة في سورية، وأصبحت المدينة الصناعية في حلب أحد أبرز التجمعات الصناعية آمنة، إلا أن عودة المستثمرين السوريين كانت خجولة حتى الآن، فلماذا لم يعد المستثمرون السوريون إلى سورية حتى الآن، ماهي الأسباب؟ ومن المسؤول؟! خلال الأعوام الماضية، كان الحديث عن عودة المستثمرين السوريين إلى سورية مرتبطا بالأوضاع الأمنية، كانت الصورة المرسومة توحي أن المستثمرين يحملون حقائبهم وأموالهم وينتظرون عودة الأمان إلى مصانعهم ليعودوا على الفور، الحلم كان وردياً بعجلة اقتصادية ستدور بقوة في المدينة الصناعية في حلب التي تعدّ عاصمة سورية الاقتصادية وعماد اقتصادها، تبدو محاولات الصناعيين فردية، مصانع ومنشآت يجري تأهيلها، بعضها لدوافع عاطفية تربط صاحب المنشأة بمنشأته، وبعضها لدوافع وطنية، إلا أن تلك الأعمال لم ترقَ للمستوى المأمول، فعجلة الإنتاج لم تدر بقوة، وأعمال التأهيل والترميم لم تأتِ كما كان متوقعاً. الاستثمارات السوريّة بالمليارات في وقت تقدّر فيه الأموال السورية التي خرجت بسبب الحرب بنحو 20 مليار دولار (10 آلاف مليار ليرة سورية)، وفق تقديرات غير رسمية، استقطبت مصر نحو 30% من رجال الأعمال السوريين الذين يستثمرون حالياً نحو 800 مليون دولار (نحو 400 مليار ليرة سورية) في مشاريع عدّة أهمها صناعة الألبسة وورش الخياطة والمطاعم والمقاهي، حسب أرقام وزارة الصناعة المصرية. وكشفت وزارتا الاستثمار والتعاون الدولي والتجارة والصناعة المصريتان، مؤخراً، أن السوريين أسسوا 818 شركة جديدة خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي مثّلت ربع عدد الشركات الأجنبية المؤسسة ضمن مصر خلال الفترة المذكورة، برأسمال إجمالي قدره 69.93 مليون دولار (نحو 35 مليار ليرة سوريّة). الحكومة السورية تحاول… ولكن لم تخف الحكومة السورية اهتمامها الكبير بالاستثمارات التي خرجت بسبب الحرب، حيث أعلن المسؤولون السوريون عن ضرورة إعادة الصناعات والاستثمارات السورية إلى الداخل، الأمر الذي من شانه أن يساهم بإعادة تدوير عجلة الاقتصاد. تستقبل الحكومة السورية بين حين وآخر وفوداً من رجال الأعمال السوريين في الخارج، أبرزهم اللقاء الذي تم بين رئيس الحكومة السورية عماد خميس ووفد رجال الأعمال السوريين في مصر في شهر حزيران الماضي لتقديم التسهيلات اللازمة لهم لإعادة إقلاع منشآتهم وتفعيل استثماراتهم داخل البلاد. وخرج الاجتماع بعدة قرارات داعمة للاستثمار والصناعة أهمها: تشكيل معرض دائم للسلع السورية على أرض مدينة المعارض في دمشق، تعزيز دعم المعارض الخارجية بما يساهم في توسيع أسواق التصدير، وتسهيل استيراد المواد الأولية اللازمة لدعم الصناعة واستقراراها، تقديم تسهيلات للصناعيين المتعثرين الحقيقيين لإعادة إقلاع منشآتهم وإمكانية إحداث مركز صادرات سوري مصري مشترك، وتفعيل مجلس الأعمال السوري المصري وعمل المكتب الاقتصادي في السفارة السورية في مصر. ووجّه خميس خلال الاجتماع باتخاذ مجموعة إجراءات لتسهيل عودة المستثمرين، منها تفعيل عمل المكتب الاقتصادي في السفارة السورية في مصر، لاستعادة المستثمرين إلى سورية أزمة ثقة المستثمر السوري في مصر طلال عطّار والذي أعاد افتتاح بعض استثماراته في مدينته حلب خلال الفترة الماضية، رأى خلال حديثه إلى «الأيام» أن المشكلة الأساسية التي تعيق عودة المستثمرين تتمثل بـ «الثقة»، موضحاً أن هناك أزمة ثقة من كلا الطرفين (الحكومة والمستثمرين)، وهي مشكلة يجب أن تعالج وإلا فإن عودة الاستثمارات السورية لن تكون كبيرة. وعن سبب استمرار الاستثمارات السورية في مصر على الرغم من وجود فرص استثمارية كبيرة في سورية، يرى عطّار أن هناك مجموعة من الأسباب أبرزها التسهيلات الموجودة في مصر، إضافة إلى أن الفترة التي عاشها السوريون في مصر خلقت لهم بيئة مناسبة لتنمية الاستثمارات بشكل آمن. يقترح عطّار خلال حديثه إقامة حوار صريح بين الحكومة والمستثمرين السوريين، موضحاً أن معظم الحوارات واللقاءات التي تمت خلال الفترة الماضية لم تكن واقعية، ولم تناقش التفاصيل الحقيقية للمشكلة. وضرب عطّار باللقاء الذي تم مع رئيس الوزراء عماد خمس في شهر حزيران الماضي مثالاً على الحوارات الناجحة التي يجب أن تجرى باستمرار لتلافي العقبات وبناء الثقة المتبادلة، وقال «إن وجدت الثقة المتبادلة والصراحة فإن معظم المشكلات سيتم تلافيها وحلها وسيعود قسم كبير من المستثمرين، إلا أن ذلك غير موجود في الوقت الحالي مع الأسف». السوق المصرية… وقرار العودة بدوره، اعتبر رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر خلدون الموقّع، الاستثمارات السورية في مصر «استثمارات سوريّة خارجية أساسها في سورية»، وأوضح «السوق المصرية كبيرة، نحن نتحدث عن بلد يتجاوز عدد سكانه المائة مليون نسمة»، وتابع «عودة المستثمرين السوريين إلى سورية يحتاج إلى قرار، وهذا ما نسعى إليه»، وفق تعبيره. الموقّع رفض الأرقام التي تتحدث عن زيادة الاستثمارات في مصر خلال الأشهر الماضية، وقال «الزيادة التي يتم الحديث عنها في الاستثمارات السورية في مصر ليست حقيقية، بعض هذه الاستثمارات جديدة إلا أن معظمها استثمارات قديمة تم تسجيلها وترخيصها حديثاً بعد حملة تنظمها الحكومة المصرية لترخيص المنشآت الصناعية. وقال «معظم هذه الاستثمارات كانت قائمة وتعمل دون ترخيص، ونسبة كبيرة منها عبارة عن ورشات صغيرة تم تسجيلها وترخيصها بعد حملة مصرية لترخيص المنشآت». خلال حديثه، نفى الموقّع وجود «أزمة ثقة مع الحكومة السورية»، وخاض في ذات الوقت في تفاصيل عدّة تعيق عودة الاستثمارات السورية بشكل كبير، يضرب مثالاً على ذلك بقوله « أصبح عدد الرحلات من مصر إلى سوريا 4 رحلات أسبوعياً، ولا يمكن الحجز للسفر مباشرة، إذ يحتاج الأمر إلى شهرين من الانتظار بسبب الازدحام الشديد، عامل الأمان مهم لكن عليك أن تتصور أن مستثمراً يمتلك استثماراً في حلب مثلاً ويريد تنشيطه، عليه أن يسافر إلى دمشق ومنها إلى حلب لمتابعة عمله قبل أن يسافر مرة أخرى من حلب إلى دمشق ومنها إلى القاهرة، الأمر مرهق»، ويشدّد «صدقني، تشغيل مطار حلب الدولي فقط سيدفع العشرات إلى العودة». كذلك، يعاني قسم من المستثمرين من مشكلة القروض المتعثرة، والتي تراكمت فوائدها بسبب خسارتهم لاستثماراتهم واضطرارهم للخروج من سورية، الأمر الذي يجعل عودتهم إلى سورية مشكلة لهم في الوقت الحالي بسبب عدم قدرتهم على الخروج من سورية في حال دخلوها بسبب تلك القروض، يقول الموقّع «على الحكومة أن تجد حلاً لهذه المشكلة، عن طريق جدولة القروض أو الوصول إلى اتفاقات تسمح للمستثمر بالتنقل والخروج والعودة، كي يتشجع على إعادة تنشيط استثماراته في سورية». ومن الإشكالات التي يعاني منها الصناعيون الراغبون بالعودة إلى سورية،عدم توفر اليد العاملة في ظل حركات النزوح واللجوء التي شهدتها البلاد خلال الحرب، وانشغال قسم من اليد العاملة الخبيرة بالأعمال القتالية، وهو أمر توفره مصر التي تكثر فيها اليد العاملة الرخيصة، والتي اكتسبت خبرة كبيرة خلال السنوات الماضية من العمل. ويؤكد رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، وجود رغبة عند عدد كبير من المستثمرين للعودة إلى وطنهم، لدوافع استثمارية أو حتى عاطفية، إلا أن وجود بعض الإشكالات تعيق ذلك، الأمر الذي يتطلب احتضاناً حكومياً حقيقياً للمستثمرين، وجذباً فعالاً، ومعالجة سريعة لتلك الإشكالات، عندها، يقول الموقع، «سيعود المستثمرون، أو على الأقل ستعود الاستثمارات إلى سورية». وسواء كانت الأرقام التي ذكرتها الحكومة المصرية حول الاستثمارات السورية حديثةً أم قديمة، فإن نظرة على تلك الأرقام، ومدى ضخامتها، كفيل بتوضيح ما خسرته سورية خلال الحرب، من صناعات واستثمارات ويد عاملة. المصدر: صحيفة الأيام